صديقتي هوني على حالك أول مسمار يدق في نعش الحياة الزوجية هو أن يحبس كل طرفٍ نفسه في زاويته ولا يرى الآخر إلا من وجهة نظره هو..
وأول بداية للنهاية أن يشعر كل واحد أنه يبذل كل ما يستطيع بينما لا يقدم الآخر له سوى النذر اليسير..
عزيزتي لا شك أنك تقدمين الكثير وتبذلين ما هو أكثر في سبيل استقرار حياتك الزوجية وسعادة أولادك ورعايتهم ، ولكن عندما يتصل الأمر بزوجك فأنت تقومين بواجباتك نحوه على غضاضة منك ، ليس لأنك أنانية أو سيئة المعشر ، ولكن لأنك تنظرين له على أنه مقصر أناني يبخل عليك أنت وأولاده بوقته وجهده ، ولا يلتفت إليك إلا ليلبي رغباته والتي تلبينها أنت على مضض ..
بينما لو حاولنا أن ننظر لزوجك من زاوية أخرى فلا شك أن زوجك له ارتباطاته وأعبائه في العمل والكد خارج المنزل ، وهو ينتظر حينما يعود أن يجد عندك المستراح أن يجد في وجهك البشاشة أن يجد بين يديك الدفء والحنان والاهتمام..وبدلاً من هذا فأنت تطاردينه بطلباتك وتلحين وعندما لا يجيب تثورين وتغضبين وتتركين في نفسه ونفسك آثاراً غائرة من تلك المشاحنات الدائمة..وهنا تتعمق الهوة بينكما ويعلو السد وتزداد الفجوة يوماً بعد يوم فإما أن يفر زوجك إلى أحضان أصدقائه مثلاً وإما أن يبحث عن أخرى يجد لديها ما يفقده عندك..
وأرى أن تضعي خطة ذكية لنيل طلباتك وتحقيق رغباتك دون تعكير صفو حياتكما أو الدخول في صراع من أي نوع..:
- بداية يجب أن تنظري لزوجك بعين الرضا فمهما كان مقصراً في حقك فهو يكد ويعمل من أجلكم ولا شك أن لديه من الصفات الطيبة والمواقف الكريمة ما تحويه ذاكراتك وهو أب لاولاد رائعين هم أبناؤك..
- حاولي أن تتناسي طلباتك ورغباتك لفترة محددة ولتكن مثلاً شهر ، في هذا الشهر حاولي إعادة الثقة بينك وبينه وابذلي جهدك في تلبية طلباته ورغباته دون أن تشعريه أنك تطلبين المقابل ، وحاولي أن تمتد هذه الفترة قدر استطاعتك
- اقتربي منه في هذه الفترة بقلبك الحاني وبعقلك الذي يتفهم اهتماماته وتطلعاته وحاوريه فيما يهتم به ويشغل فكره ، حاولي أن تبددي معه أي ذكريات سيئة علقت بماضيكما وافتحي معه صفحة جديدة..حتى ولو كان هذا على حساب بعض رغباتك وتطلعاتك حتى تشعري أنك نجحت في رأب الصدع بينكما وفي تجاوز الهوة التي كانت بينكما..
- حاولي أن تجددي مشاعر الود بينكما بالرسائل المحبة وبالهدايا الرمزية التي تشعره بالسعادة ، وحتما ستجدي منه بعض التغيير والتقدير لأفعالك وقد يتطوع هو بالبحث عن تلبية رغباتك دون مشقة منك أو تعب..
- وحتى إذا اضطررت لطلب شيء ما بعد ذلك ، فلن يكون الأمر صعباً أو شاقاً في تلبيته ، فقط تخيري الوقت المناسب والأسلوب المناسب ، وحافظي على أساس من الود والاحترام بينك وبين زوجك مهما حدث بينكما
فقولا له قولا لينا نعم عزيزتي الكلمة الطيبة واللينة والحلوة والجميلة تلين الصخر وليس البشر تعالي له بكلمة جميلة وبالمدح
أنتِ في بلاء يحتاج صبر، وقد وعدك من لا يُخلِفُ وعدَه بالجزاء الكبير يوم القيامة، بل وجزاء الكريم سبحانه بلا حِساب (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وتأمَّلي أختي الكريمة قوله صلى الله عليه وسلم: ( يودد أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)، ويؤكد هذا المعنى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله: ( مَا يُصِيب الْمُؤْمِن مِنْ وَصَب وَلَا نَصَب، وَلَا سَقَم وَلَا حَزَن، حَتَّى الْهَمّ يُهِمّهُ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّه بِهِ مِنْ سَيِّئَاته )( رواه مسلم ).
هناك جوانب في رسالتك رائعة جداً، أعجبتني، بل لقد أطربتني، فهو تُشير إلى قوة في شخصيتك، وهِمَّة عالية لديك، وقدرة على تحقيق أهدافك، وبعد نظر جميل وكانك تقولين : ( انتظر الفجر القادم، أنتظر الشمس أن تشرق مع هذا الزوج،
أنتِ قادرة عزيزتي على فعل شيء، صحيح ما ذكرته ليس كل شيء، لكن! ومع الظروف الصعبة التي تعيشينها، ومع الضغوط تستطيعين أن تُحوِّلي (بيتك) إلى جَنَّة فسيحة، بل وتُحوِّلين زوجك الذي ينشغل بـ (عمله وشغله عنكم ) للهروب من واقعه إلى أن يستثمر أمواله فيكم أنتم، في زوجته وأولاده، وتستطيعين أن تجعلي من البيت الذي بلا أثاث، واحة غنَّاء بأهلها والتئامهم وإيمانهم وسعادتهم.
التفتي إليه التفاتة جديدة، وبعزيمة رائعة، وأريحية جميلة، وإغراءات (أنثوية)، كيدي له حُسناً وحباً وشوقاً، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)
إن زوجك على حاله الذي ذكرتِ، لن يكون أكثر صعوبة من الأسد، ولك في قصة المرأة مع الأسد فائدة، يحكى أن امرأةً كانت تعيش في خلاف دائم مع زوجها، ذهبت ذات يوم إلى صديقة لها وشرحت لها حالها مع زوجها، وعندئذ نصحتها الصديقة أن تذهب إلى حكيم القرية, وطلبت منه أن يدلها على طريق يجعل زوجها يحبها حبا لا يرى معها أحد من نساء العالم، ولأنه عالم ومرب و حكيم قال لها: إنك تطلبين شيئا ليس بالسهل، لقد طلبت شيئا عظيماً، فهل أنت مستعدة لتحمل التكاليف ؟
قالت : نعم، قال لها : إن الأمر لا يتم إلا إذا أحضرت شعرة من رقبة الأسد .
قالت : كيف أستطيع ذلك والأسد حيوان مفترس!!
قال لها : لا يمكن أن يتم لك ما تريدين من محبة الزوج إلا بهذا وإذا فكرتِ ستجدين الطريقة المناسبة لتحقيق الهدف، ويجب أن يكون الأسد حراً طليقاً، ويجب أن تنزعي منه الشعرة أنت بيدكِ .
ذهبت المرأة تفكر في كيفية الحصول على الشعرة المطلوبة، فاستشارت من تثق بحكمته، فقيل لها إن الأسد لا يفترس إلا إذا جاع، وعليها أن تشبعه حتى تأمن شره .
أخذت بالنصيحة وذهبت إلى الغابة القريبة منهم وبدأت ترمي للأسد قطع اللحم، وتبتعد، واستمرت في إلقاء اللحم إلى أن ألفت الأسد وألفها مع الزمن ، وفي كل مرة كانت تقترب منه قليلاً، إلى أن جاء اليوم الذي تمدد الأسد بجانبها .
وفي يوم أكل الأسد حتى شبع، وذهب إلى المرأة ونام بجنبها، وهي تمسح على رقبة الأسد حتى اطمئن كثيرا لها، وبكل سهولة سحبت من رقبة الأسد شعرة من رقبته وهو لا يشك في محبتها له, وما إن أحست بتملكها للشعرة حتى أسرعت للحكيم لتعطيه إياها، والفرحة تملأ نفسها .
فلما رأى الحكيم الشعرة سألها: ماذا فعلتِ حتى استطعت أن تحصلي على هذه الشعرة؟ .
فشرحت له خطة ترويض الأسد، والتي تلخصت في معرفة المدخل لقلب الأسد أولاً وهو البطن، ثم الاستمرار والصبر على ذلك، إلى أن يحين وقت قطف الثمرة .
حينها قال لها هذا الحكيم : يا أمة الله، زوجكِ ليس أكثر شراسة من الأسد، افعلي مع زوجكِ مثل ما فعلتِ مع الأسد تملكيه.
قد تقولي قد فعلت، وقد فعلت، تجاوزي ذلك، غَيِّري طريقتك، وتأملي محبوباته، وما يرتضيه فيك من مفردات، أو سلوكيات، أو خدمات، اشتركي معه في اهتماماته، توافقي معه، احتسبي أجرك عند الله، وأقدمي، فالسعادة بإذن الله ستكون حليفك.
حين تملكين مفاتيح قلب زوجك، وتُحقِّقين معه الراحة والاطمئنان، تستطيعين أن توجدي أجواءً ناجحة للحوار والنقاش الهادئ الرزين، تعرضين فيه رؤاك، ويعرض هو وجهة نظره، وتتمكنان بعون الله من التوافق على سلوك مقبول في هذا الشأن أو ذاك.
لكن . . .
احذري أن تَبقَي حبيسة الهموم والغموم والإيحاءات السلبية، فهي تصرع صاحبها، وتجعله في دوامه الخواطر النفسية السيئة، وتُفلق عليه، فلا يرى إلا السواد، وستكون خطواته شاخصة إلى حتفه والعياذ بالله.
أنتِ في حاجة لتجاوز الإيحاءات السلبية، لتجعلي منها أملاً إيجابياً ممكن التحقيق، يقول المتنبي:
وَثِقنا بِأَن تُعطي فَلَو لَم تَجُدْ لَنا لَخِلناكَ قَد أَعطَيتَ مِن قُوَّةِ الوَهمِ
فهو هناك لم يُعطَ من الممدوح، ولكن من قوة الإيحاء خُيِّل له أنه قد أخذ، وفي المقابل انظري إلى هذا العامل كيف صنع به الإيحاء السلبي، فمن الطرائف أن عاملًا كان يعمل في مصنع فيه ثلاجة ضخمة جدًّا، فدخل العامل فيها يُخرج بعض الأشياء فأُغلق عليه الباب وصار يطرق ولا أحد يستمع إليه، وجاء بعدها أيام خميس وجمعة وهي أيام ليس فيها دوام، وفي يوم السبت فتحوا الثلاجة وجدوا العامل ميتًا وقد كتب ورقة وهو يقول فيها: "إنني أشعر بالبرد، وأشعر بأن أطرافي تتجمد، وأشعر أن البرد يقتُلُني، إنني أموت.. أموت.." وفي الآخِر ضعفت كتابته ووجدوه ميتًا، فاكتشفوا بعد ذلك أن الثلاجة أصلًا غيرُ موصولة بالكهرباء! فلم يكنْ هناك برد داخل الثلاجة، ولكن الذي قتله هو الإيحاء السلبي الذي عاشه.
وفقكِ الله لكل خير ، وأقر عينك بصلاح نفسك وزوجك ، وكتب لك السعادة التامة في الدنيا والآخرة ، وصرف عن أسرتكم كل ما يُنغص حياتكم ، وأسبغ عليكم العفة والصلاح ، والسلامة والإيمان . .
