مريض وحيد "جبر الخواطر"

[راجيه الرضا]

أنا عندي 3 أعمام ، أصغر واحد فيهم إسمه مصطفى (رحمه الله) ، عمي مصطفى كان أصغر اخواته فكان قريب جدا من كل شباب العيلة ، وكان محبوب جدا جدا من كل الناس ، أصيب بالسرطان ومات صغير وهو في أوائل الخمسينات (رحمه الله عليه حبيب قلبي) ، آخر سنتين في مرضه كان مقيم في مستشفى دار الفؤاد في اكتوبر ، وكان ممكن يقعد شهر متواصل أو أكتر في المستشفى لحد ما يكتبوله خروج ، خلال السنتين دول كنت بروح المستشفى على طول عشان أزوره!
المستشفى فيها دي غرف فردية ، وغرف تانية ثنائية بيبقى فيها سريرين وفاصل بينهم ستارة كبيرة كدة ، أحيانا مكنش يلاقي أماكن في الغرف الفردية فكان بينزل في غرفة ثنائية مع مريض آخر ، فلما كنت بروح أزوره في الغرفة الثنائية دي لازم أعدي على المريض الأولاني ، وبعدين أعدي الستارة وأخش لعمي في السرير التاني !
اللي كان بيقطع قلبي أحيانا لما كنت ألاقي المريض الأولاني ده قاعد لوحده تماما في المستشفى ! إحساس صعب جدا لما تحس إن فيه مريض جمبك حواليه ناس كتيرة مهتمة بيه ، وفيه ناس كمان مستنية برة لحد ما الناس اللي جوة يخرجوا ، ومقسمين ساعات الزيارة عليهم عشان الكل يقدر يسلم عليه ، في حين إن إنت قاعد لوحدك تماما وانت مريض وفي عزّ ضعفك ، ومش لاقي حد يهتم بيك أو حتى يسأل عليك ويرعاك !!
والله يا اخواننا نظرة تقطع القلب ، وتلاقيه أحيانا بيحاول يتعرف علينا ويجر كلام عشان يحس بالونس ! لدرجة إني أحيانا كنت بروح الزيارة ألاقي عمي فاتح الستارة وقاعد هو وبقيت عماتي يتكلموا مع الراجل كإنه واحد من العيلة - عشان يخففوا عنه الوحدة !!
الموضوع ده أثر فيّ جدا والله ، لو ربنا قدّر على الواحد وتعب ، ياترى هيلاقي حد يقف جمبه ! ولا الناس هاتبعد عنه واحد ورا التاني !!
تخيل تسمع واحد بيقولك أنا بقالي 25 يوم هنا محدش جه زارني ولا عبرني !!
حاجة في منتهى القسوة والجفاء بصراحة !!
أنا كان لي صديق الله يباركله ، كان كل يوم جمعة بعد الصلاة يطلع على مستشفى الريان أو مستشفى الفاروق في المعادي وياخد معاه هدايا وحاجات حلوة ، ويروح للمُمرضات يسألهم عن الحالات الصعبة اللي محدش مهتم بيها أو بيزورها ، ويداخل يسلم عليهم ، ويديهم الهدية والحاجة الحلوة ويهزر معاهم شوية ويصبّرهم بكلمتين ، وبعدين يدعيلهم دعوتين حلوين ويمشي !!
والله مش متخيلين الموضوع ده كان بيأثر في العيانين ازاي !!
جبر الخواطر على الله ، والراحمون يرحمهم الرحمن !
اهتموا بمرضاكم ياخواننا ، ماتجمعوش عليهم الألم النفسي مع الألم العضوي !
اللهم ارحم عمي الحبيب مصطفى الشريف
اللهم اشفِ مرضى المسلمين ، وآنس وحشة المُستوحشين ، وارزقنا البر والوفاء يارب العالمين .. آمين ​