رد
((وهو: ما حكم تقليد الغرب الفاجر في تقليده الحيوانات في هذه الأفعال؟)) .
مع العلم أنّ الحيوانات التي تمارس هذه العادات لا تمارسها تلذذاً بها، ورغبة فيها ابتداءً ،
ولكنها أفعال جبلها الله عليها من أجل حكمة التكاثر بينها، حيث جعل الله تعالى عند أنثى
الحيوان وقت الإخصاب خاصية إفراز مادة من فرجها لا يستطيع الذكر التعرف عليها إلا
بالشم واللعق، فيفعل هذه الأفعال مع الأنثى لا تلذذاً بها، ولكن فحصاً لما تفرزه من مادة
لزجه، فإن وجدها، نزا عليها حتى يحقق بتقدير الله تعالى التكاثر المطلوب لبقائه .
فجاء هؤلاء الأنتان، الباحثون عن أنواع جديدة من أنواع اللذة، وقلدوا الحيوانات في هذا الفعل
بحثاً عن نوع جديد من الشهوة الشاذة التي عجزوا عن تحقيقها بالطرق التي خص وكرم الله
تعالى بها الإنسان، ثم صوروا أفعالهم هذه وبثوها ونشروها بين المسلمين فقلدهم من قلدهم
منهم دون إدراك ووعي منهم لحقيقة هذه الفعال وحكمها.
ثم إننا حتى نجيب عن هذا السؤال ينبغي علينا أولاً أن نعرف حكم تقليد الكفرة فيما اختصوا
به من أفعال، وحكم تقليد الحيوانات ثانياً، وحكم مس الآدمي فرجه وفرج غيره، وبه يتضح
المقصود إن شاء الله تعالى.
* أولاً: حكم التشبه بالكفار فيما اختصوا به أفعال:
اتفق العلماء -رحمهم الله تعالى- على أنّه لا يجوز التشبه بالكفار مطلقاً ؛
للأدلة الصريحة في النهي عن التشبه بهم، بل والأمر بتعمد مخالفتهم؛ فمنها:
1- قول الله تبارك وتعالى [ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون].
2- وقوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا].
3- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)) رواه مسلم.
4- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه))
قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: ((فمن؟)) متفق عليه.
5- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((خالفوا أولياء الشيطان بكل ما استطعتم)) رواه الطبراني في الأوسط.
6- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من تشبه بقوم فهو منهم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود.
7- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى)) رواه الترمذي.
8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى)) رواه الإمام أحمد والترمذي.
9- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تشبهوا بأهل الكتاب)) رواه عبد الرزاق.
10- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((خالفوا أهل الكتاب)) رواه ابن أبي شيبة.
11- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((خالفوا المشركين)) متفق عليه.
12- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((خالفوا المجوس)) رواه مسلم.
فهذه النصوص وغيرها كثير في الكتاب والسنة تدل دلالة ظاهرة على تحريم التشبه بالكفرة؛
يهوداً كانوا، أو نصارى، أو غيرهم من أهل الكفر، بل وتنص على وجوب مخالفتهم فيما
اختصوا به من أفعال، دينية، أو دنيوية، وأن يكون للمسلم تميزه عن بقية البشر، وأن
يستعلي عن تقليد غيره.
* ثانياً: حكم التشبه بالحيوانات:
وردت أدلة كثيرة في الشرع الإسلامي المطهر تذم التشبه والتخلق بصفات
وأخلاق الحيوانات؛ فمن ذلك:
1- قول الله تعالى [ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً] هذا بيان من الله تعالى أنّ من نعمه على بني آدم
أن كرمهم بجميع وجوه الإكرام؛ من العلم والعقل والنطق، وجمال وحسن الخلق، وإرسال
الرسل، وإنزال الكتب، وتيسير المراكب بأنواعها، والرزق بجميع أصنافه المأكول والمشروب
والملبوس، وزادهم أن فضلهم على خلقه بما خصهم من مناقب لا تكون للبهائم وغيرها من
المخلوقات، فحقه سبحانه بعد كل هذه النعم: أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر، وأن
يحافظ الإنسان على نعمة تكريمه وتفضيله وتمييزه هذه فلا يزل بنفسه إلى مرتبة هي أقل
من مرتبة الشرف والتكريم التي حباه الله تعالى بها من تقليد للحيوانات، ومن لا يليق به تقليدهم.
2- قول الله تعالى [فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين
كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون].
وفي هذه الآية إشارة إلى أنّ من نزل بمستواه إلى دون مقام الإنسان المحترم المكرم المفضل
بحثاً عن شهواته ورغباته فهو كالكلب، وهو من أقبح الأمثال التي ضربها الله عز وجل في
متبعي الهوى المنقادين للشهوات.
3- وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
ثلاث: عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير.
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. فهذا نهي منه صلى الله عليه وسلم
عن تقليد الحيوانات في الهيئات؛ من غراب وسبع وبعير.
ونقرة الغراب: أي أنه يسجد سجوداً سريعاً لا يطمئن فيه، فلا يكاد يمس وجهه الأرض
حتى يرفعه، فيكون فعله كفعل الغراب إذا نقر الأرض ينقرها سريعاً ثم يرفع منقاره.
وافتراش السبع: أي يفرش ساعديه على الأرض إذا سجد كما تفعل سباع الحيوانات إذا جلست.
وتوطن المقام للصلاة: أي يجعل لنفسه مكاناً في المسجد لا يصلي إلا فيه،
فيكون في فعله كالبعير يوطن لنفسه مكاناً في مناخه لا يبرك إلا فيه.
فهذا نهي منه صلى الله عليه وسلم عن تقليد هذه الحيوانات في بعض أفعالها
التي لا يظهر منها شديد قبح، فكيف بغيرها من الأفعال القبيحة؟
4- وعن علي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا علي لا تقع إقعاء الكلب))
رواه ابن ماجه. وهذا نهي منه صلى الله عليه وسلم عن تقليد الكلب في جلوسه.
5- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) متفق عليه. وهذا كذلك نهي
منه صلى الله عليه وسلم عن تقليد الكلب في جلوسه. فكيف بمن يقلده في نتنه وجماعه؟
6- وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
((ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة)) رواه مسلم.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم مقروناً بعلته،
وهو التشبه بالأشياء الخسيسة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه
بالبهائم مطلقاً فيما هو من خصائصها، وإن لم يكن مذموماً بعينه؛ لأنّ ذلك يدعو إلى فعل
ما هو مذموم بعينه.
وهذا كلام نفيس منه رحمه الله، أي إذا كان الشارع الحكيم قد نهانا عن التشبه بالحيوان في
أفعاله عموماً لخستها مقارنة بابن آدم؛ من جلوس، وتناول للطعام، فكيف بتقليده في أنتن وأقذر
أفعاله ؟
وهذه بعض الأحاديث في التشديد في تقليد الحيوان في أفعاله وصفاته القذرة، وفيها يظهر شدّة
قوله صلى الله عليه وسلم على من يقلدهم عمداً، أو يفعل فعلاً لا يقصد به تقليد الحيوان لكن
لكون هذا الفعل الخسيس من خصائص الحيوانات، جاء النهي الشديد والذم لفاعله.
1- فعن أبي أيوب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأي في أظفار أحدهم
طولاً فأنكر عليه قائلاً: ((يدع (أحدكم) أظفاره كأظفار الطير يجتمع فيها الجنابة والخبث والتفث))
رواه الإمام أحمد.
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((ليس لنا مثل السوء: مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله))
متفق عليه.
فهذه الأدلة وغيرها تظهر لنا أنّ من تكريم الله تعالى لبني آدم أن حرّم عليهم التشبه
بالحيوانات، ويشتد التحريم إذا كان التقليد في أفعال الحيوانات القذرة، وهذا من محاسن
هذا الدين الحنيف، وبذا يظهر لنا أنّ التشبه بالكفار حرام، وأن التشبه بالحيوانات حرام.
* ثالثاً: حكم مس الآدمي فرجه وفرج غيره:
جاء الشرع الحنيف بالطهارة والنزاهة، فنهى المسلم عن مس فرجه وعن مس فرج غيره بيده
اليمنى التي اختصها الله عز وجل لتكون لجميل الأمور ومحاسنها؛ من المصافحة والمناولة
والشرب والأكل، ونهى أن يمس بها الفرج، أو تمس بها النجاسة ونحوها مما يستقذره الناس.
ففي الصحيحين: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه)).
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى المسلم أن يمس ذكره بيمينه
مع حاجته إلى ذلك وقت التبول، فكيف في غير ما حاجة؟
ووصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل
فقالت: كان إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم صب الماء على الأذى
الذي به بيمينه، وغسل عنه بشماله. متفق عليه .
فها هي عائشة رضي الله عنها تصف لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف أن
لا يمس فرجه بيمينه مع الحاجة إلى ذلك وقت الاغتسال، وما قد يقع فيه بعض الناس من
التساهل في هذا مع الماء وظن أن غسل اليمنى بالماء بعد مس الفرج بها يعفيهم، ومع ذلك
حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن تعلم أمته كيف تتجنب مس فروجها بأيمانها حتى لا يأتي
متساهل ويدعي أن في ذلك مشقة، فها قد رأينا أنّ الأمر من السهولة بمكان، متى عقد الإنسان
النية على ترك مس فرجه بيمينه.
وإذا كان الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن مس الفرج باليد اليمنى تكريماً لها،
فكيف بوضع أشرف أعضاء الإنسان؛ وهو وجهه، في الفرج، ومعلوم أن الوجه أكرم وأشرف
من اليد اليمنى، ففيه بديع خلق الله تعالى، وفيه تمييز الإنسان عن سائر الحيوان، ففيه سمعه
وبصره ونطقه وجماله .
لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيح الوجه وعن ضرب الوجه حتى في الجهاد في
سبيل الله تعالى أمر صلى الله عليه وسلم باجتناب تعمد ضرب الوجه، فكيف بتدنيسه وإهانته هذه الإهانة ؟
لذلك فإنّ هذا الفعل تضمن ثلاث قبائح: التشبه بالكفار، والتشبه بالحيوانات، وتدنيس
ما حقه التشريف والتكريم وهو الوجه، فهل بعد هذا الزجر من زجر.
أسأل الله تعالى أن يبصرنا بشؤوننا،
وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. آمين.
______________________________ ________
فتوى من وقع إسلام أون لاين