قابلته بالأمس فهو زميلي بالعمل، ولكنه لم يكن كعادته؛ فالكآبة تعلو وجهة،
وقد عهدته مرحًا خفيف الظل، لا يحمل همًّا لأي شيء، فكل شيء يعرض له يكون
رده: لا مشكلة "حتى أطلقنا عليه Mr. No Problem. .
فقلت له ماذا حدث؟ فلم يجب!! فعلمت أن الأمر جد، فاقتربت منه، وربت على كتفه
وقلت له: دعني أشاركك الهم وأخفف عنك..
قال في أسى: إنها مشكلة كبيرة، زوجتي تريد الطلاق!! قلت: وما سببه؟ قال:
تتهمني بأني لا أحبها، وهي لا تستطيع الحياة مع رجل لا يحبها!!
قلت له: عندها حق كم مرة قلت لها أحبك؟ أو كم مرة عبرت لها عن مشاعرك وعواطفك
تجاهها؟
فتح زميلي عيناه في دهشة قلت له: يا زميلي الحبيب، يعتمد كثير من المتحابين
والمتزوجين على رصيد الثقة فيما بينهم، ويظن أحدهم لصدقه في محبته لزوجته
ولسابق معرفتها لحبه لها، أن ذلك يكفي لاستدامة حبه عندها وبقاء علمها بذلك،
وذلك خطأ فادح يقدح في المحبة.
إن الله تعالى لم يخلق لنا العواطف إلا لنتبادلها، ونتعامل بها، وهي كسائر ما
خلق الله لنا فيها حكمة ومنفعة، وبقدر ما ينتفع الناس بنعمه - سبحانه وتعالى
- يعبدونه ويشكرونه، وبقدر ما ينفع العبد الخلق بهذه النعم، بقدر ما يكون
مؤديًّا للغاية التي خلق لها، ونعمة ترابط القلوب بالمحبة أعظم نعم الله على
المؤمنين بعد إسلامهم.
يقول شيخنا الجليل محمد حسين في كتابه "العشرة الطيبة للمرأة": أرأيت أيها
الزوج العاقل لو أن إنسانًا أعطاه الله نعمة المال الكثير فكنَّزه ولم
يستثمره ولم ينفق منه على نفسه ولا على من يجب عليه النفقة عليهم، ما تقول
فيه؟ إن المال جعله الله ليتداول بين الناس لا ليكنزوه، وكذلك كنوز العواطف
التي تملكها في قلبك لزوجتك ولا يصل منها إليها ما يكفيها، ولهذا لا يقنعها
ملكك لها وكنزها في قلبك، بل ستتشكك في وجودها عندك.
أنفق أيها الفتى على أهلك ولا تحرمها رفدك فيزداد منها بعدك.
قل لها بملء الفم، واغترف مما في القلب ولا تجعلها تشعر أبدًا أنك بخيل القلب
حتى لو كنت سخي اليد.
لا تجعلها شديدة العطش لماء القلوب، وتَضِنّ عليها بالرِّيّ من أعماق قلبك.
إن قلب البدن يدفع الدم ويضخه إلى سائر أجزاء الجسم حتى لا تنقطع عنه مادة
الحياة، وكذلك قلب الروح والنفس لا بد أن يدفع مادة حياة الروح والنفس لمن لا
حياة لقلوبهم ونفوسهم إلا به.
والكلمة الطيبة حياة المرأة القلبية والنفسية فلا تبخل بكلمة لا تنقصك ولا
تكلفك، وفيها حياة قلب ونفس.
زميلي الحبيب: لماذا تحوج زوجتك لِأَنْ تشحذ منك الثناء، تدارك من الآن،
واغرس لك جنة في قلبها، ولا تبخل بجميل الثناء العاطر؛ فقد روت أسعد زوجة في
النساء السيدة عائشة – رضي الله عنها – زوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم
-: "إن الجنة دار الأسخياء".
فاصنع جنتك؛ وأدخلها بسخاء الكلام الطيب؛ تطب لك معها الحياة بلا ملل.
وأَصْغِ لما رواه سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها، فدارِها تَعِش
بها" رواه ابن حبان في صحيحه، نعم دارها تعش بها وتسعد بها.
وأوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أحد بنيه فقال: إياك
وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء.
وأخيرًا، اسمع قول الشاعر.
خُذ من خليلك ما صـفا ................ وذر الذي فيه الكدر
فالعمر أقصر من معاتبة................ الخلـيل على الغِير
وأخيرًا أعلم أن الحب:
وإن أكثروا أوصافه والمعانيا................ وما الحب إلا طاعة وتجاوز
- منقول -