"أخيرا أكملت الأوراق .. كلها شهور وسأطير إلى لندن لاستكمال دراستى العليا .. ياااه كان حلما بعيدا" .. قالها عصام بسعادة .. رسمت خطيبته مريم ابتسامة على وجهها وهى تقول .. مبروك يا عصام كم أنا سعيدة من أجلك .. قرأ عصام على وجهها الحزن الذى تحاول إخفاؤه .. كيف لم يلحظ ذلك؟ .. يقول لها انه سيسافر بعيدا عنها لسنوات حتى يحقق أحلامه .. فكيف سيسعدها ذلك؟! .. كيف تغلبت عليه أنانيته؟ .. شعر بالخجل من نفسه .. ابتسمت مريم بحنان وهى تقول .. ما بك يا عصام ؟ .. إننى بالفعل سعيدة من أجلك .. إن حلمك هو حلمى ومستقبلنا واحد .. وأعلم أن قلبى سيتابعك لحظة بلحظة ولن تغيب عنى أبدا.. ابتسم عصام قائلا .. حفظكِ الله لى يا مريم .. لا أدرى كيف كنت سأعيش بدونكِ يا ملاكى و ..
صمت عصام فجأة ورفع كلتا يديه إلى جانبى رأسه يضغط عليها وقد بدا أنه يعانى ألما شديدا .. اختلج قلب مريم من الخوف وهى تهتف .. عصام .. ما بك يا عصام ؟ .. حاول عصام أن يقول شيئا ما ولكن شدة الألم الذى يفتك برأسه منعه من ذلك .. كاد قلب مريم أن يتوقف من الخوف وهى تردد .. عصام .. أجبنى ما بك؟ .. بذل عصام مجهودا كبيرا ليتمالك نفسه قائلا بصوت متقطع .. لا شىء يا مريم .. لا تقلقى .. انه مجرد صداع .. ولكنه عنيف إلى حد ما .. سألته مريم فى قلق .. هل .. هل شعرت به من قبل ؟ أجابها عصام وهو يحاول أن يسيطر على نفسه .. عدة مرات ولكن لا تقلقى .. سوف أتناول قرص أسبرين وأكون بخير إن شاء الله .. مد عصام يده فى جيبه وأخرج أحد الأقراص التى تبدو أنها لا تفارقه ؟.. ثم ابتلعه سريعا .. وأغمض عينيه لحظات .. وعندما فتح عينيه اصطدم بوجه مريم الشاحب .. حاول أن يرسم ابتسامة وهو يقول .. ما بكِ يا جميلتى؟ .. لم أكن أعلم أننى عزيز عليكِ لهذه الدرجة .. نظرت له مريم لحظات ثم قالت .. عصام . يجب أن تذهب إلى الطبيب .عدنى بذلك أرجوك .أجابها عصام . حسنا حسنا أعدك أننى سأذهب فى أقرب وقت
" ما الأمر يا دكتور؟" .. سأل عصام الطبيب .. نظر إليه الطبيب للحظات قبل أن يقول .. لا أستطيع أن أخبرك الآن .. أنت بحاجة إلى إجراء بعض الفحوصات والتحاليل حتى تتبين لى الحالة أكثر .. أجابه عصام .. فحوصات وتحاليل !!! يبدو الأمر جديا .. أجابه الطبيب .. لا تقلق .. إنها لمجرد الاطمئنان على صحتك .. ولكنى أطلب منك عمل هذه الفحوصات فى أقرب فرصة .. تنهد عصام ونظر إلى وجه الطبيب محاولا كشف ما يخفيه عنه دون جدوى ثم قال له .. حسنا يا دكتور .. سأوافيك بها فى أقرب وقت إن شاء الله ..
رن جرس الهاتف فى منزل عصام .. رفع عصام السماعة
- أحبكِ يا مريم ..
ضحكت مريم على الجانب الآخر ..
- وما أدراك انه أنا ..
- إن قلبى يخبرنى بذلك.. حتى أننى أستطيع أن أميز صوت الهاتف حين تكونين أنتِ من تهاتفينى ..
سألته مريم وقلبها ينبض من السعادة ..
- يااه ألهذه الدرجة ؟ ..
- ألا تشعرين بذلك يا ملاكى؟ ..
- نعم .. فأنا أشعر أننا روح واحدة تسرى فى جسدين ..
استمع لها عصام فى صمت ..
- عصام .. عصام .. أين أنت؟
- ها .. أنا معكِ يا مريم .. لقد شردت فى كلامكِ الجميل ..
- حسنا يا عصام .. سأضطر أن أتركك الآن .. سأذهب لمساعدة أمى فى بعض الأعمال .. سأراك فى المساء .. أليس كذلك ؟..
- سآتى بعد أن....
- بعد ماذا ؟
- لاشىء .. سآتى فى المساء إن شاء الله ..
ثم أنهى المكالمة .. وقف عصام لحظات يسأل نفسه لماذا لم يقل لمريم أنه سيذهب للطبيب اليوم ليعرف نتيجة الفحوصات التى أجراها .. حسنا ربما لا يريد أن يزعجها بشىء .. سيكون كل شىء على ما يرام..
ظل الطبيب يتطلع بصمت إلى التحاليل والأشعة الخاصة بعصام الذى تعلقت عيناه بوجه الطبيب محاولاً التغلب على القلق الذى ينتابه ثم لم يجد بدا من أن يسأله .. ها خير يا دكتور ماذا ترى؟ .. نهض الطبيب من خلف مكتبه وجلس فى المقعد المقابل لعصام صامتا لحظات قبل أن يقول
- عصام .. أثق انك تؤمن بالله وبمشيئته وان ما يبتلينا به فى الدنيا هو ابتلاء واختبار لإيماننا ..
استمع عصام إلى الطبيب وقلبه يختلج خوفا .. إن هذه المقدمة لا تكون إلا لأمر خطير .. حاول أن يتمالك نفسه
- ما الأمر يا دكتور .. أرجوك أخبرنى ..
تنهد الطبيب
- إن ما سأقوله لك الآن هو آخر ما يتمناه الطبيب أن يخبره لأحد مرضاه .. ولكن الأمر لا شك به .. إنك .. إنك مصاب بورم فى المخ ....... صمت الطبيب قليلا قبل أن يتابع
- بالطبع أنت تدرى معنى وجود مثل هذا الورم .. ولن أقول لك مثلما يقولون فى الأفلام باقى من عمرك كذا .. فأنا أؤمن أن الأعمار بيد الله ولا يعلمها سواه .. كل ما أريده منك أن تتعامل مع الأمر بشجاعة وتتقبل أمر الله تعالى ..
استمع له عصام فى ذهول .. إن فكرة الموت لم تخطر له على بال الأن .. لقد كان منشغلا بحياته ودراسته وأحلامه و ... مريم ... يا إلهى مريم .. كيف ستتقبل الخبر .. كيف؟ إن قلبها الرقيق لن يحتمل .. يا إلهى .. أنا لا أعترض على حكمك ولكنى أخشى على ما هو أغلى من حياتى .. على مريم .. حاول عصام أن ينهض من مقعده ولكن الدنيا غامت فى عينيه وسقط على الأرض لا يعى شيئا ..
سقط أحد الأطباق من يد مريم وشهقت فى فزع .. سألتها والدتها .. ما بك يا مريم؟ أجابتها .. لا أدرى يا أمى .. لقد شعرت بأن شيئا ما يعتصر قلبى .. ربتت أمها على كتفها .. اذهبى يا مريم لتستريحى قليلا .. لقد أجهدت نفسك فى البيت منذ الصباح .. أجابتها مريم .. إن عصام سوف يأتى بعد قليل .. سأذهب لانتظره فى الشرفة .. خرجت مريم إلى الشرفة وما زال شعورا مفزعا يلازمها وهى تحدث نفسها .. ترى ماذا بك يا عصام ؟ إن قلبى لا يخطئ ولا يخدعنى أبدا .. إن شيئا ما قد حدث ..
ما هى إلا دقائق حتى ظهرت سيارة عصام من بعيد كان يقودها بسرعة بطيئة على غير عادته .. ثم نزل من السيارة ببطء كأن عشرات السنين قد أضيفت لعمره فجأة ..
جرت مريم لاستقباله عند الباب .. حاولت رسم ابتسامة على شفتيها وهى تقول .. مرحبا يا عصام .. تفضل .. دخل عصام صامتا .. جلس على أقرب مقعد قابله .. تأكدت مريم أن شيئا ما قد حدث .. جلست مريم ونحت توترها جانبا .. حاولت أن تضحك بمرح قائلة .. لماذا تأخرت يا عصام .. ستعاقب بألا تتناول الكعكة اللذيذة التى قمت بتحضيرها اليوم ... ظل عصام على شروده .. ولم ينطق بكلمة واحدة .. سألته مريم .. ما بك يا عصام .. انك تبدو...... قاطعها عصام بعدوانية لم تعتادها .. أبدو ماذا...... أجابته مريم بدهشة .. لا شىء ولكنك متغير .. هل هناك ما يضايقك ؟ قام عصام من مقعده وابتعد عن مريم حتى لا ترى ما يكتمه فى قلبه فهى تعرفه أكثر مما يعرف هو نفسه .. قاطعت مريم أفكاره وهى تسأله فى قلق .. ما الذى يضايقك يا عصام؟ .. هل حدث شىء؟ .. فكر عصام للحظات ثم استجمع شتات نفسه وهو يصيح بها .. نعم أنا متضايق .. أتدرين لمَ؟ .. لأنى سأسافر بعيدا .. وسأظل سنوات لا أدرى عددها .. وأنت تريدين أن تربطى مصيركِ بمصير إنسان مثلى ... صمت عصام قليلا وضغط على شفته بأسنانه ثم قال .. أقصد إنسان مستقبله مجهول يعلمه الله وحده..
استمعت مريم فى ذهول لكلمات عصام ..
- ما هذا الذى تقوله يا عصام؟ ..
أجابها عصام وهو يتحاشى النظر فى عينيها ..
- إن هذا هو الواقع الذى ترفضين أن تعيشيه .. لماذا تنتظرينى كل هذه السنوات فى حين أنه بإمكانكِ الزواج بشخص آخر وتكوين أسرة حتى قبل أن أنهى أنا دراستى بالخارج ..
هتفت مريم به
- ما هذا.. أنا لا أصدق ما أسمعه .. ماذا جرى لك يا عصام .. أنت بالتأكيد لا تعى ما تقول ..
- أنا ....
قاطعته مريم ..
- أنا لا أصدقك .. لا أصدق حرفا واحدا مما تقوله ..
اقتربت منه مريم وجذبته لينظر إليها
- لماذا تتحاشى النظر إلىَ ... قل لى الحقيقة الآن والتى بسببها قمت بأداء هذه التمثيلية التى لا تقنعنى أبدا .. ماذا هناك يا عصام ؟
عرف عصام انه لن يستطيع خداع مريم قط ولكنه لم يجد الكلمات التى يستطيع أن يقولها لها .. مد يده فى جيبه وأخرج الظرف الذى يحمل نتائج التحاليل ودفعه إليها فى صمت .. نظرت له مريم لحظات ثم مدت يدها وأخذت الظرف وفتحته .. نظرت إلى نتائج التحاليل والتقرير الذى وضعه الطبيب .. رفعت مريم يدها إلى فمها لتمنع صرخة كادت أن تخرج من أعماقها .. ورددت فى نفسها .. ما هذا؟ مستحيل . . كيف ؟؟
- أرأيت يا مريم .. هل اقتنعت الآن أن كل شىء قد انتهى .. قالها عصام بصوت متقطع دون أن يلتفت إليها .. حاولت مريم أن تتمالك نفسها .. إن الصدمة أكبر من احتمالها .. طالت فترة صمت مريم .. لقد تمنى عصام فى نفسه أن تهتف مريم أنها لن تتركه مهما حدث .. يعلم أن هذه أنانيه من جانبه ولكنه لم يتوقع أن يكون رد فعلها الصمت ..انتبه من أفكاره على صوت مريم .. عصام .. التفت إليها فى صمت .. منعت مريم دمعة جاهدت لتنساب على وجنتها وأبقتها تلمع فى عينيها وهى تقول .. تعال معى .. سنتحدث فى الشرفة..
دخلا معاً إلى الشرفة .. أجلسته مريم على أحد المقاعد ثم نظرت إلى عينيه مباشرة
- اسمع يا عصام .. لن أقوم بإحدى التمثيليات وانهار أمامك وأقول لك أننى سأبقى معك حتى النهاية .. كلا إن هذا لن يحدث أبدا
اتسعت عينا عصام فى دهشة
- ما هذا الذى ...
قاطعته مريم بإشارة من يدها فى حزم ..
- دعنى أكمل ..
نظر لها عصام صامتا وقلبه يخفق بقوة
- عصام أنت حب عمرى كله والإنسان الذى أريد أن أعيش عمرى معه .. ولن أتنازل عنك أبدا ولا حتى للموت
رفع عصام حاجبيه بدهشة
- ماذا تقصدين ..
- أقصد أننا سنواجه هذا المرض البغيض .. ونتغلب عليه معاً .. ولن نجعله يدمر قصة حبنا الجميلة .. أبدا..
تنهد عصام وقال
- لا تدعى الصدمة تفقدكِ صوابك .. انه قدرى .. وسأتقبله
نظرت له مريم فى حزم
- أن تتقبل أمر الله شىء وأن تستسلم للمرض شىء آخر .. لكل داء دواء .. وهذا المرض دواءه الإرادة وحب الحياة والإيمان بالله قبل أى شىء .. وأقسم بالله اننى لن أترك هذا المرض ينتصر علىَ .. ويسلبنى أغلى إنسان فى حياتى .. لن يحدث هذا .. سآتى معك غدا للطبيب حتى نرى ما سوف نفعله ولا أريد نقاشا فى هذا ...
- نظر إليها عصام كأنه يراها للمرة الأولى .. معقول .. مريم الرقيقة .. الوديعة .. تتحول إلى كتلة من الصلابة والتحدى فى مواجهة الموت ... لقد بعثت فى نفسه أملا جديدا بعدما استولى اليأس عليه تماما .. قاطعت مريم أفكاره قائلة .. هيا إن أبى وأمى بانتظارك .. هيا بنا ..
وفي الصباح ذهبت مريم مع عصام إلى الطبيب واستمعت بدقة لكل تعليماته الخاصة ببداية العلاج وناقشته فى كل الأمور .. وقد رفضت رفضا تاما أن يظل عصام بالمستشفى حبيساَ فى فراشه ينتظر قدره .. قال لها الطبيب - إن عصام فى الفترة القادمة سيحتاج إلى متابعة مستمرة ليل نهار .. أجابته مريم
- سأظل إلى جواره لن أفارقه ..
- قاطعها عصام .. ماذا تقولين ..
- أجابته مريم .. نعم .. سأرعاك ليل نهار .. هذا واجب الزوجة تجاه زوجها ..
- سألها عصام فى دهشة .. ماذا !!! الزوجة ...
- نعم فالليلة سوف يتم عقد قراننا .. هذا ما قررته بالأمس ..
- وكيف تتخذين هذا القرار وحدك ؟ ..
- أترفض الزواج بى يا عصام ؟..
- ماذا تقولين؟ .. انه حلم حياتى .. ولكن ليس فى هذه الظروف .. ليس شفقة علىَ ..
نظرت له مريم فى دهشة
- أتسمى حبنا شفقة .. لا أصدق انك تقول هذا ..
- ولكن
قاطعته مريم بحزم ..
- عصام .. سوف نتزوج اليوم ..
لم يجد عصام ما يقوله وقد ألجمته لهجة مريم التى لا تقبل النقاش ..
بدأت مريم معركتها الشرسة مع المرض القاتل .. لازمت عصام طوال الوقت .. حاولت إشغال وقته بكل الوسائل .. لم تجعله يستسلم للمرض قط .. حتى عندما كانت تهاجمه نوبات الألم القاتل .. كانت تحتضنه بشدة .. تتمنى امتصاص ألمه وإخراجه من جسده .. وهى تهتف به .. قاوم يا عصام .. لا تستسلم .. لا تجعله ينتصر عليك .. أنت أقوى من ذلك .. كانت كلماتها تصل إليه عبر نبضات الألم .. يشعر أنها ترقى به فوق الألم .. يجب أن يقاتل من أجلها .. بالفعل كان يشعر بعدها أن الألم يتلاشى تدريجيا كأنه ينسحب من مواجهتهما معا..
كانت مريم تتضرع إلى الله أن يشفى لها حبيبها وزوجها .. تقوم قبل الفجر .. تناشد الله وتدعوه طويلا بقلب مؤمن يزداد إيمانا وقوة يوما بعد يوم حتى تسمع صوت الآذان يشق السماء .. تذهب لتوقظ عصام ليصليان الفجر معا ويدعوان الله معا ..
كان عصف الرياح يزداد فى الخارج ممتزجا بهزيم الرعد ومن بينهم كانت هناك صرخة قوية انطلقت من عصام وهو ينتفض من فوق فراشه ويمسك برأسه بشدة وقد شحب لونه وظهر الألم جليا على تقاسيمه .. انتفض معه جسد مريم وقلبها معاً وهى تجاهد دموعها حتى لا تنساب أمامه وتلملم شتات نفسها حتى لا تنهار فقد كانت جرعة الألم أكثر شراسة هذه المرة وقد كشر المرض عن أنيابه وأوشك على افتراسه .. ارتعدت مريم للفكرة ..أمسكت بعصام الذى بدأت مقاومته تتلاشى وهزته وهى تهتف به .. كلا يا عصام .. لا تستسلم الآن .. قاوم من أجلى .. لن تتركنى الآن .. ليس الآن يا عصام ..
ازداد شحوب وجه عصام حتى أصبح كالموتى وازداد إصرار مريم على المقاومة وهى تهتف به
عصام .. إن البرد شديد الآن .. ولكن سرعان ما سيأتى الربيع وتتفتح الورود .. سأهديك وردة حمراء مثلما تحب .. سأهديك كل يوم واحدة ..
نظر لها عصام بوهن وقال بصوت متقطع .. يمكنكِ وضعها فوق قبرى
شردت مريم قليلا قبل أن تقول .. أتمنى أن تضعها أنت بيدكِ فوق قبرى فلن أحتمل غير ذلك
برقت السماء بشدة وانعكس البرق على وجه عصام الذى بدأت الدماء تعود إليه وبدا أن الألم قد انهزم مرة أخرى وانسحب من جسده .. حتى حين ..
أشرقت شمس يوم جديد .. ونشرت أشعتها فوق المكان الصامت .. سكون يلف المكان ويلقى الرهبة فى قلب من يمر به .. توقفت خطوات بصاحبها أمام أحد القبور وانحنى يضع وردة حمراء فوقه .. اعتدل ببطء وعلى الوجه المتغضن ابتسامة تتناقض مع الحزن المحفور بعينيه .. صمت قليلا قبل أن يقول .. حبيبتى .. ها قد عاد الربيع .. وتفتحت وردتكِ الحمراء .. لقد أحضرتها لكِ .. فقد سألتنى عنكِ .. هذا أول ربيع يأتى ولا يجدكِ فى انتظاره .. لقد افتقدتكِ كما افتقدناكِ .. أتعلمين .. لقد وُلدت حفيدتنا الثالثة .. اسمها مريم .. تشبهكِ كثيرا .. لها نفس ابتسامتكِ التى تبعث الأمل .. ونظرتكِِ المحبة للحياة .. تلاشت ابتسامته وانسابت دمعة وهو يقول .. لقد تحققت أمنيتكِ ووضعت الوردة الحمراء فوق قبركِ بيدى .. ولكنى أشعر أنها المرة الأخيرة .. وعندما يأتى الربيع ثانية سيفتقدنا معاَ .. أشعر بذلك يا حبيبتى .. قريباً جداً .. سنعود معاً ..