…
قصة من سجل الأحداث،،،،،،
الغرور لم يعد مجرد صفة قد يتصف بها شاب في عنفوان شبابه، ولا فتاة في ربيع عمرها، بل تحول في هذه الحكاية من صفة إلى مجرم بشع، سمح لنفسه باغتيال أحلى سنوات العمر، وأرق العلاقات الإنسانية، ألا وهي الأخوة، فماذا بعد قتل الأخ أخته، انتقاما لكبرياء زائف،..قبل أن تندفع عزيزي القارئ وتدلي برأيك كما أتوقع، حاول أن تتبع السطور وتقرأ حكاية هذا الشاب إلى النهاية..
إن من يرى ( حميد ) وهو يقضي الليل راكعا ساجدا باكيا نادما متضرعا ذليلا بين يدي الله في السجن، لا يصدق أبدا أنه هو ذاته من كان بالأمس يتلاعب بأعراض الناس، و يتشدق بمقدرته على إغواء الفتيات، لقد أمضى حتى الآن أكثر من ستة أشهر وهو سجين، وبقيت أيام قلائل وسوف يلاقي حكما بالإعدام،.
لا أفهم لماذا يعتقد البعض حينما يأمنون غدر الدنيا أن لا شئ قادر على تغيير مسار الأحداث فيبدؤون في ذبح الأبرياء،ومع أن الوضع هنا لا يحتمل التأنيب لأن (حميد) قد نال ما يكفيه من عواقب وخيمة، وبكل الأوضاع ومن كل الأنواع، فقد قتل شقيقته، فدمر والديه، و أهدر حياته، وبقي العار يلاحقه مدى العمر، إلا أنه وجب أن نقول لماذا يغفل الظالم إلى أن يطوله ظلمه؟؟ ..ولماذا يعتقد الظالم أنه في مأمن من مكر الله، والله يمهل ولكنه لا يهمل..إلى هنا أصحبكم معي لتتعرفوا إلى شخصية و تفاصيل حياة (حميد) منذ الخطوة الأولى لشبابه إلى اللحظة التي قتل فيها أخته الوحيدة، يرويها بنفسه، معترفا صريحا فلا شئ بعد اليوم يمكن إخفاؤه، الاعتراف وإن كان قاسيا إلا أنه أقل ألما من عذاب الضمير..يبدأ حديثه:" أنا لا أعرف إن كنت حقا قد فعلتها، أم أني أعيش تفاصيل كابوس مريع، في كثير من الأحيان أستيقظ ليلا وأظل أصرخ علني بذلك أصحو لأكتشف أن ما حدث لم يكن سوى حلم، حلم مخيف وسيمر، لا أفهم هل كنت مجرما حقا إلى الدرجة التي كنت أستحق فيها هذا العقاب من ربي، لم أكن أقصد إيذاء الناس بقدر ما كنت أفكر في التسلية فقط، لم أكن أدرك حجم المآسي التي كنت أزرعها في حياة ضحيتي فالأمر لم يكن يهمني، إن ما كان يهمني هو الاستمتاع بحياتي وبشبابي و أيام عمري،…لقد كنت أشعر بالغرور لما لدي من مميزات فقد كنت ابن عائلة ميسورة جدا، وذات سمعة كبيرة، كان أبي تاجرا معروف، لم يبخل علينا أنا وأختي بشيء أبدا، كل ما أطلبه أجده أمامي، والدتي سيدة طيبة عكفت طوال حياتها على خدمة والدي ورعايتنا، أي أنني بكل بساطة كنت شابا سعيدا، بدأت أولى خطواتي نحو الانحراف حينما كنت في السادسة عشر، حيث بدأت بوادر الشباب تغزو جسدي، بدأت ألاحظ يومها التغيرات الكثيرة في مظهري، وصوتي، وكل شيء، فخطوت نحو ابن الجيران الذي لم يتجاوز الحادية عشر وقمت باغتصابه، وحينما أبلغ والديه الشرطة، أنكرت تماما وقد ساعدني نفوذ أبي الكبير، وإصراري على الإنكار في الخروج من تلك التهمة بلا أدنى خسائر، لا يمكنكم تصور مدى الغرور الذي أصابني وأنا أرى نفسي أخطأ ثم لا أنال عقابا، حتى أبي لم يكلف نفسه عناء تأنيبي، ذلك أنه هو الآخر قد صدق أني بريء فعلا من التهمة، بينما بقيت والدتي ترمقني بين وقت وآخر بنظرات الشك والغضب، وبشكل خاص كلما مر ذلك العجوز ( جد الطفل) بجوار بيتنا وأخذ يدعو علينا، لقد كنت شابا طائشا لم أدرك بشاعة ما فعلت، وكبرت و أصبحت أكثر خبرة أصبحت أدرك أين أجد حاجتي، وكانت نقود والدي توفر لي كل ما أريد، حتى مساء ذلك اليوم، حينما استيقظت من النوم، لأفاجأ بفتاة بغاية الجمال تجلس في الاستراحة التي تفصل غرفتي عن غرفة أختي، كانت هذه الفتاة إحدى صديقاتها، جاءت لزيارتها، طوال تلك الليلة لم يتركني الشيطان لحظة واحدة، لقد قررت الحصول عليها، ولم يردعني عن ذلك كونها صديقة لأختي، فقد كنت عنيدا، وراغبا بها بقوة، حدثت أختي في أني راغب في التعرف إلى صديقتها بهدف الزواج، ووعدتها بأن أصحبها إلى السينما إن أفلحت في إقناعها بالحديث معي، ونجحت، كانت الفتاة في السابعة عشر، بريئة كملاك، ولكني بذكاء كبير استدرجتها يوما و سرقتها طهرها، ثم مضيت أسوف في موعد الخطبة، بينما كنت أبحث عن ضحية أخرى، كنت أشعر بالغضب الشديد إذا رغبت في فتاة ثم صدتني وتجاهلتني، وكنت انتقم منها بإلصاق التهم الزائفة إليها، وتشويه سمعتها، كنت أخاف بين وقت وآخر من أن تقوم إحدى الضحايا بإبلاغ ذويها، ولكن إحداهن لم تتجرأ، إلا الفتاة الأولى، (صديقة أختي) والتي لم تكن أبدا تستحق ما فعلته بها فقد قاومتني كثيرا وتوسلت إلي طويلا أن أتركها وشأنها ولكني لم أرحم توسلاتها ولم أسمح لها بالفرار سالمة، فلجأت بعد الحادث إلى التضرع والبكاء، وهددتني بالانتحار فرددت عليها في برود مميت " افعلي ما شئت"، ثم فوجئت يوما بابن عمتها عند باب بيتنا يطلب أن يتحدث إلي، كان ذليلا كسيرا يحاول إخفاء حرقته وغضبه، وكنت أشعر انه لولا انكساره في هذه اللحظات لقتلني، طلب مني بهدوء أن أصلح غلطتي، وأن أتزوج بابنة خاله، فرفضت، وقلت له:" لن أتزوج من فتاة سلمت لي نفسها بسهولة" فرد علي حانقا:" ولكنك أنت من أغويتها" فرددت عليه في كبرياء لأحطمه:" أنا لم أضربها على يديها، هي من كانت منذ البداية على استعداد لذلك"…صرخ ثائرا:" كاذب لقد قمت باغتصابها رغما عنها"..واشتد النزاع بيننا وكاد أن يقتلني لولا أني هربت من يديه،..لقد كنت نذلا جبانا، لا أعرف بأي عقل كنت أفكر، أعماني غروري، وعنفوان شبابي، كنت أعتقد بأن هذه الدنيا خلقت لأجلي وحدي،..صدقوني لم أكن في وعيي حينما قتلتها، لقد كنت ثائرا، لقد كنت ثائرا"" ينهار حميد، ويبقى مدة طويلة يحاول إيقاف نحيبه الذي ملأ ممرات المركز،………
ثم يكمل حديثه قائلا: " في ذلك اليوم كنت بصحبة أصدقائي، حينما تلقيت مكالمة من هاتف عام، كان صاحب المكالمة يتحدث بصوت خافت، ومموه قائلا أنه يعرف أختي، وأنه على علاقة بها" ثم أغلق الهاتف سريعا قبل أن أعرف منه أي شيء آخر، ولأول مرة في حياتي أشعر بالغيرة، والحرقة، ..كان غضبي واضح حتى أني لم استطع أن أغالب الرغبة في صب السباب والشتائم واللعنات على المتصل، مما جعل أصدقائي يتساءلون، تركتهم وعدت إلى البيت سريعا، دخلت إلى غرفة أختي مباشرة وقمت باستجوابها، وكل ذرة في جسدي ترتجف، ولكنها أكدت لي بأنها بريئة وأعطتني هاتفها النقال لكي أتأكد من أنها لا تستلم أي مكالمة سوى من صديقاتها والأهل، شعرت براحة بعض الشيء ولكني بقيت حاقدا على ذلك الذي تجرأ على اتهام أختي، لم يمضي سوى يومان على اتصاله حينما استلمت منه اتصال آخر، أخبرني هذه المرة بأن أختي أخبرته بما حدث بيني وبينها وروى لي كل التفاصيل، ثم أخبرني أنها تحتفظ بهاتف نقال آخر تقفل عليه في درج مكتبها وهو الذي تستعمله في الحديث معه، كما أخبرني بعدة أماكن زعم أنه كان يلتقي فيها بأختي و طلب مني الاتصال لأتأكد إن كانت قد زارت هذه الأماكن أم لا، وأعطاني الأرقام وحينما اتصلت وسألت تأكد لي صحة حديثه، ماذا تنتظرون مني!!؟؟، لقد أعماني غضبي عن أي شئ واندفعت كالمجنون إلى البيت، حملت مطرقة كبيرة من المطبخ، وجريت بها سريعا إلى غرفتها، كانت تجلس إلى جوار النافذة وفي يدها كتابها تذاكر، وحينما رأتني على هذا الحال، فزعت وأخذت تصرخ، وأنا أنهال على أدراج مكتبها بالمطرقة، حتى فتحتها لأجد الهاتف هناك، وأتأكد من أن المتصل كان صادقا في كل ما قال، نظرت إليها وكل الشياطين حولي، وهي تصرخ، "شو فيك..شو صاير" وبسرعة ودون وعي مني هويت على رأسها بالمطرقة، لم أكن أدرك حقيقة ما أفعله، لم أكن بوعيي، وكأنني نسيت فجأة أن في يدي مطرقة، وليس عصى، لم أشعر ببشاعة الجريمة، إلا بعد أن رأيت دماءها تملأ الغرفة، وأتذكر أنها في اللحظة التي اخترقت فيها المطرقة رأسها كانت تقول.."انه هاتف عواطف.." ثم صمتت إلى الأبد…
ضلت كلماتها الأخيرة تزأر بشكل مخيف في رأسي، وشعرت بدوار عنيف، وكأنني أصبت فجأة بالحمى، فسقطت مغشيا علي،….
كان ( حميد ) يروي لنا التفاصيل وكأنه لايزال يعيش المشهد بكل مرارته، فحينما تحدث عن لحظة الحادث، بدا منهارا، ويداه ترتجفان، وصوته مذبوح، ورجفة مجنونة وحانقة هزت جسده، بينما بحلقت عيناه على أرض الغرفة وكأنه لا زال يرى مشهد دماء أخته.
لم تكن تلك نهاية المأساة ، فالمأساة الحقيقية هي الحقيقة التي تحرت وأعلنت عنها الشرطة لاحقا…. فقد كانت لعبارة القتيلة الأخيرة "أنه هاتف عواطف" أكثر من تساؤل، جر رجال الشرطة إلى البحث وراء ذلك الشخص الذي اتصل بحميد ليخبره بالمعلومات التي تكاد تطابق بعض الحقائق في حياة أخته، ( عواطف) هذا هو اسم صديقة أخته التي قام باغتصابها، وبعد استجوابها ومراقبتها، وبعد التحريات، تم التوصل إلى المفاجأة التي قضت على كل ما تبقى من حميد، وجعلته يكتوي بنار الحسرة إلى الأبد، فقد اتضح التالي:
الشخص الذي قام بالاتصال بحميد هو ابن عمة عواطف، وقد حصل على جميع المعلومات عن أخت حميد من خلالها، أما الهاتف فقد كان لعواطف والتي طلبت من أخت حميد الاحتفاظ به، بحجة أنها لم تعد قادرة على إخفائه في منزلها بعد أن علم ابن عمتها علاقتها بحميد، ويبقى لغز الأماكن التي زعم بأنها زارتها، فإنه بمطابقة الصور اتضح أن عواطف هي التي ارتادت هذه الأماكن باسم أخت حميد للتضليل وبناء على الخطة التي وضعها لها ابن عمتها للانتقام.
هكذا يفيق حميد من صدمة قتله أخته على صدمة أخرى، أنها قتلت بلا ذنب، وأنها لم تكن يوما سوى ضحية بريئة لطيشه وتسرعه، وشره الذي لم يكن يعرف حدا.
قصة من سجل الأحداث،،،،،،
الغرور لم يعد مجرد صفة قد يتصف بها شاب في عنفوان شبابه، ولا فتاة في ربيع عمرها، بل تحول في هذه الحكاية من صفة إلى مجرم بشع، سمح لنفسه باغتيال أحلى سنوات العمر، وأرق العلاقات الإنسانية، ألا وهي الأخوة، فماذا بعد قتل الأخ أخته، انتقاما لكبرياء زائف،..قبل أن تندفع عزيزي القارئ وتدلي برأيك كما أتوقع، حاول أن تتبع السطور وتقرأ حكاية هذا الشاب إلى النهاية..
إن من يرى ( حميد ) وهو يقضي الليل راكعا ساجدا باكيا نادما متضرعا ذليلا بين يدي الله في السجن، لا يصدق أبدا أنه هو ذاته من كان بالأمس يتلاعب بأعراض الناس، و يتشدق بمقدرته على إغواء الفتيات، لقد أمضى حتى الآن أكثر من ستة أشهر وهو سجين، وبقيت أيام قلائل وسوف يلاقي حكما بالإعدام،.
لا أفهم لماذا يعتقد البعض حينما يأمنون غدر الدنيا أن لا شئ قادر على تغيير مسار الأحداث فيبدؤون في ذبح الأبرياء،ومع أن الوضع هنا لا يحتمل التأنيب لأن (حميد) قد نال ما يكفيه من عواقب وخيمة، وبكل الأوضاع ومن كل الأنواع، فقد قتل شقيقته، فدمر والديه، و أهدر حياته، وبقي العار يلاحقه مدى العمر، إلا أنه وجب أن نقول لماذا يغفل الظالم إلى أن يطوله ظلمه؟؟ ..ولماذا يعتقد الظالم أنه في مأمن من مكر الله، والله يمهل ولكنه لا يهمل..إلى هنا أصحبكم معي لتتعرفوا إلى شخصية و تفاصيل حياة (حميد) منذ الخطوة الأولى لشبابه إلى اللحظة التي قتل فيها أخته الوحيدة، يرويها بنفسه، معترفا صريحا فلا شئ بعد اليوم يمكن إخفاؤه، الاعتراف وإن كان قاسيا إلا أنه أقل ألما من عذاب الضمير..يبدأ حديثه:" أنا لا أعرف إن كنت حقا قد فعلتها، أم أني أعيش تفاصيل كابوس مريع، في كثير من الأحيان أستيقظ ليلا وأظل أصرخ علني بذلك أصحو لأكتشف أن ما حدث لم يكن سوى حلم، حلم مخيف وسيمر، لا أفهم هل كنت مجرما حقا إلى الدرجة التي كنت أستحق فيها هذا العقاب من ربي، لم أكن أقصد إيذاء الناس بقدر ما كنت أفكر في التسلية فقط، لم أكن أدرك حجم المآسي التي كنت أزرعها في حياة ضحيتي فالأمر لم يكن يهمني، إن ما كان يهمني هو الاستمتاع بحياتي وبشبابي و أيام عمري،…لقد كنت أشعر بالغرور لما لدي من مميزات فقد كنت ابن عائلة ميسورة جدا، وذات سمعة كبيرة، كان أبي تاجرا معروف، لم يبخل علينا أنا وأختي بشيء أبدا، كل ما أطلبه أجده أمامي، والدتي سيدة طيبة عكفت طوال حياتها على خدمة والدي ورعايتنا، أي أنني بكل بساطة كنت شابا سعيدا، بدأت أولى خطواتي نحو الانحراف حينما كنت في السادسة عشر، حيث بدأت بوادر الشباب تغزو جسدي، بدأت ألاحظ يومها التغيرات الكثيرة في مظهري، وصوتي، وكل شيء، فخطوت نحو ابن الجيران الذي لم يتجاوز الحادية عشر وقمت باغتصابه، وحينما أبلغ والديه الشرطة، أنكرت تماما وقد ساعدني نفوذ أبي الكبير، وإصراري على الإنكار في الخروج من تلك التهمة بلا أدنى خسائر، لا يمكنكم تصور مدى الغرور الذي أصابني وأنا أرى نفسي أخطأ ثم لا أنال عقابا، حتى أبي لم يكلف نفسه عناء تأنيبي، ذلك أنه هو الآخر قد صدق أني بريء فعلا من التهمة، بينما بقيت والدتي ترمقني بين وقت وآخر بنظرات الشك والغضب، وبشكل خاص كلما مر ذلك العجوز ( جد الطفل) بجوار بيتنا وأخذ يدعو علينا، لقد كنت شابا طائشا لم أدرك بشاعة ما فعلت، وكبرت و أصبحت أكثر خبرة أصبحت أدرك أين أجد حاجتي، وكانت نقود والدي توفر لي كل ما أريد، حتى مساء ذلك اليوم، حينما استيقظت من النوم، لأفاجأ بفتاة بغاية الجمال تجلس في الاستراحة التي تفصل غرفتي عن غرفة أختي، كانت هذه الفتاة إحدى صديقاتها، جاءت لزيارتها، طوال تلك الليلة لم يتركني الشيطان لحظة واحدة، لقد قررت الحصول عليها، ولم يردعني عن ذلك كونها صديقة لأختي، فقد كنت عنيدا، وراغبا بها بقوة، حدثت أختي في أني راغب في التعرف إلى صديقتها بهدف الزواج، ووعدتها بأن أصحبها إلى السينما إن أفلحت في إقناعها بالحديث معي، ونجحت، كانت الفتاة في السابعة عشر، بريئة كملاك، ولكني بذكاء كبير استدرجتها يوما و سرقتها طهرها، ثم مضيت أسوف في موعد الخطبة، بينما كنت أبحث عن ضحية أخرى، كنت أشعر بالغضب الشديد إذا رغبت في فتاة ثم صدتني وتجاهلتني، وكنت انتقم منها بإلصاق التهم الزائفة إليها، وتشويه سمعتها، كنت أخاف بين وقت وآخر من أن تقوم إحدى الضحايا بإبلاغ ذويها، ولكن إحداهن لم تتجرأ، إلا الفتاة الأولى، (صديقة أختي) والتي لم تكن أبدا تستحق ما فعلته بها فقد قاومتني كثيرا وتوسلت إلي طويلا أن أتركها وشأنها ولكني لم أرحم توسلاتها ولم أسمح لها بالفرار سالمة، فلجأت بعد الحادث إلى التضرع والبكاء، وهددتني بالانتحار فرددت عليها في برود مميت " افعلي ما شئت"، ثم فوجئت يوما بابن عمتها عند باب بيتنا يطلب أن يتحدث إلي، كان ذليلا كسيرا يحاول إخفاء حرقته وغضبه، وكنت أشعر انه لولا انكساره في هذه اللحظات لقتلني، طلب مني بهدوء أن أصلح غلطتي، وأن أتزوج بابنة خاله، فرفضت، وقلت له:" لن أتزوج من فتاة سلمت لي نفسها بسهولة" فرد علي حانقا:" ولكنك أنت من أغويتها" فرددت عليه في كبرياء لأحطمه:" أنا لم أضربها على يديها، هي من كانت منذ البداية على استعداد لذلك"…صرخ ثائرا:" كاذب لقد قمت باغتصابها رغما عنها"..واشتد النزاع بيننا وكاد أن يقتلني لولا أني هربت من يديه،..لقد كنت نذلا جبانا، لا أعرف بأي عقل كنت أفكر، أعماني غروري، وعنفوان شبابي، كنت أعتقد بأن هذه الدنيا خلقت لأجلي وحدي،..صدقوني لم أكن في وعيي حينما قتلتها، لقد كنت ثائرا، لقد كنت ثائرا"" ينهار حميد، ويبقى مدة طويلة يحاول إيقاف نحيبه الذي ملأ ممرات المركز،………
ثم يكمل حديثه قائلا: " في ذلك اليوم كنت بصحبة أصدقائي، حينما تلقيت مكالمة من هاتف عام، كان صاحب المكالمة يتحدث بصوت خافت، ومموه قائلا أنه يعرف أختي، وأنه على علاقة بها" ثم أغلق الهاتف سريعا قبل أن أعرف منه أي شيء آخر، ولأول مرة في حياتي أشعر بالغيرة، والحرقة، ..كان غضبي واضح حتى أني لم استطع أن أغالب الرغبة في صب السباب والشتائم واللعنات على المتصل، مما جعل أصدقائي يتساءلون، تركتهم وعدت إلى البيت سريعا، دخلت إلى غرفة أختي مباشرة وقمت باستجوابها، وكل ذرة في جسدي ترتجف، ولكنها أكدت لي بأنها بريئة وأعطتني هاتفها النقال لكي أتأكد من أنها لا تستلم أي مكالمة سوى من صديقاتها والأهل، شعرت براحة بعض الشيء ولكني بقيت حاقدا على ذلك الذي تجرأ على اتهام أختي، لم يمضي سوى يومان على اتصاله حينما استلمت منه اتصال آخر، أخبرني هذه المرة بأن أختي أخبرته بما حدث بيني وبينها وروى لي كل التفاصيل، ثم أخبرني أنها تحتفظ بهاتف نقال آخر تقفل عليه في درج مكتبها وهو الذي تستعمله في الحديث معه، كما أخبرني بعدة أماكن زعم أنه كان يلتقي فيها بأختي و طلب مني الاتصال لأتأكد إن كانت قد زارت هذه الأماكن أم لا، وأعطاني الأرقام وحينما اتصلت وسألت تأكد لي صحة حديثه، ماذا تنتظرون مني!!؟؟، لقد أعماني غضبي عن أي شئ واندفعت كالمجنون إلى البيت، حملت مطرقة كبيرة من المطبخ، وجريت بها سريعا إلى غرفتها، كانت تجلس إلى جوار النافذة وفي يدها كتابها تذاكر، وحينما رأتني على هذا الحال، فزعت وأخذت تصرخ، وأنا أنهال على أدراج مكتبها بالمطرقة، حتى فتحتها لأجد الهاتف هناك، وأتأكد من أن المتصل كان صادقا في كل ما قال، نظرت إليها وكل الشياطين حولي، وهي تصرخ، "شو فيك..شو صاير" وبسرعة ودون وعي مني هويت على رأسها بالمطرقة، لم أكن أدرك حقيقة ما أفعله، لم أكن بوعيي، وكأنني نسيت فجأة أن في يدي مطرقة، وليس عصى، لم أشعر ببشاعة الجريمة، إلا بعد أن رأيت دماءها تملأ الغرفة، وأتذكر أنها في اللحظة التي اخترقت فيها المطرقة رأسها كانت تقول.."انه هاتف عواطف.." ثم صمتت إلى الأبد…
ضلت كلماتها الأخيرة تزأر بشكل مخيف في رأسي، وشعرت بدوار عنيف، وكأنني أصبت فجأة بالحمى، فسقطت مغشيا علي،….
كان ( حميد ) يروي لنا التفاصيل وكأنه لايزال يعيش المشهد بكل مرارته، فحينما تحدث عن لحظة الحادث، بدا منهارا، ويداه ترتجفان، وصوته مذبوح، ورجفة مجنونة وحانقة هزت جسده، بينما بحلقت عيناه على أرض الغرفة وكأنه لا زال يرى مشهد دماء أخته.
لم تكن تلك نهاية المأساة ، فالمأساة الحقيقية هي الحقيقة التي تحرت وأعلنت عنها الشرطة لاحقا…. فقد كانت لعبارة القتيلة الأخيرة "أنه هاتف عواطف" أكثر من تساؤل، جر رجال الشرطة إلى البحث وراء ذلك الشخص الذي اتصل بحميد ليخبره بالمعلومات التي تكاد تطابق بعض الحقائق في حياة أخته، ( عواطف) هذا هو اسم صديقة أخته التي قام باغتصابها، وبعد استجوابها ومراقبتها، وبعد التحريات، تم التوصل إلى المفاجأة التي قضت على كل ما تبقى من حميد، وجعلته يكتوي بنار الحسرة إلى الأبد، فقد اتضح التالي:
الشخص الذي قام بالاتصال بحميد هو ابن عمة عواطف، وقد حصل على جميع المعلومات عن أخت حميد من خلالها، أما الهاتف فقد كان لعواطف والتي طلبت من أخت حميد الاحتفاظ به، بحجة أنها لم تعد قادرة على إخفائه في منزلها بعد أن علم ابن عمتها علاقتها بحميد، ويبقى لغز الأماكن التي زعم بأنها زارتها، فإنه بمطابقة الصور اتضح أن عواطف هي التي ارتادت هذه الأماكن باسم أخت حميد للتضليل وبناء على الخطة التي وضعها لها ابن عمتها للانتقام.
هكذا يفيق حميد من صدمة قتله أخته على صدمة أخرى، أنها قتلت بلا ذنب، وأنها لم تكن يوما سوى ضحية بريئة لطيشه وتسرعه، وشره الذي لم يكن يعرف حدا.