? سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ١٩ــلقة




?تدمير التتار لنيسابور وإبادة أهلها:

ثم جاوز التتار مرو إلى نيسابور، وكانت هي الأخرى مدينة كبيرة جداً من إقليم خراسان، وهي تقع الآن في الشمال الغربي لدولة إيران، وحاصروها خمسة أيام، ومع أنه كان في المدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار مرو كانت قد وصلت إليهم فدب الرعب والهلع في أوساط المسلمين، ولم يستطيعوا أن يقاوموا التتار، فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء

وجاء من أخبر ابن جنكيز خان بأن بعضاً من سكان مرو قد سلم من القتل، فقد ضربوا بالسيف ضربات غير قاتلة، فظنهم التتار قد ماتوا فتركوهم فهربوا،

فأمر ابن جنكيز خان في نيسابور أن يُقتل كل رجال البلد بلا استثناء، وأن تقطّع رءوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم، ثم قام بسبي كل نساء نيسابور، وأقاموا في المدينة ١٥ يوماً يفتشون الديار عن الأموال والنفائس، ثم تركوا نيسابور كما يقول ابن الأثير أثراً بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



?تدمير التتار لمدينة هراة وإبادة أهلها:

ثم اتجهوا إلى (هراة )شمال غرب أفغانستان، ولم تسلم المدينة من مصير مدينتي مرو ونيسابور، فقد قُتل كل من فيها من الرجال وسُبيت كل النساء، وخُرّبت المدينة كلها وأُحرقت،

لكن أمير هذه المدينة واسمه ( ملك خان) استطاع الهروب بفرقة من جيشه باتجاه غزنة في جنوب أفغانستان بعيداً عن أرض القتال، وهكذا في ذلك الزمن كان الملوك والرؤساء يوفقون دائماً إلى الهرب، بينما تسقط شعوبهم في براكين التتار، وفي التاريخ عبرة،

وبسقوط هراة يكون إقليم خراسان قد سقط بكامله في أيدي التتار، ولم يبق فيه مدينة واحدة.

وتمت كل هذه الأحداث التي ذكرناها في العام ٦١٧ هـ، وهذا من أعجب الأمور التي مرت في تاريخ الأرض مطلقاً.




يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٠ــلقة





?اجتياح التتار لإقليم خوارزم:

وأما إقليم خوارزم فقد كانت أشهر مدنه هي مدينة خوارزم، فقد كانت مركز عائلة خوارزم شاه، وكان بها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وكانت حصون مدينة خوارزم من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمانستان على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة جداً،

ولأهمية هذه البلدة وجه إليها جنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها، فقام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة، ولم يتم له الفتح، فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بخلق كثير فزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً وضغطوا عليه من كل موضع، حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، فدخلوا المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين وفني من الفريقين عدد كبير جداً إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار،

فقام التتار بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، يمنع الماء من دخول المدينة، فتدفق الماء الغزير طوفاناً على خوارزم، فأُغرقت المدينة بكاملها، ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، فتهدمت الديار بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من مدينة خوارزم أحد البتة، فمن نجا من القتل قُتل تحت الهدم أو أُغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، ولم يتركها التتار إلا وقد اختفت من على وجه الأرض، وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، فكان من يمر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثر لأي حياة سابقة.

وهذا كما يقول ابن الأثير: ما لم يُسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح عليه السلام، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في سنة ٦١٧ هـ، وبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم سيطر التتار على المناطق الشمالية والوسطى من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم ناحية الغرب إلى قريب من نهاية الدولة الخوارزمية على حدود العراق، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold




الحـ٢١ــلقة




?معركة بلق:

وكان جنوب دولة خوارزم تحت سيطرة رجل اسمه جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم.

وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين زعيم الجنوب يتخذ مدينة غزنة مقراً له، وهي في أفغانستان الآن، وتقع على بعد ١٥٠ كيلو متر جنوب مدينة كابل، وكانت مدينة حصينة جداً حيث تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية.

ولما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد محمد بن خوارزم شاه وأسقط دولته بهذا الشكل البشع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها، فقد كان يريد أن يحتل كل دولة خوارزم الكبرى، وينتهي من أمر جلال الدين الذي ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه،

فوجه جنكيز خان إلى غزنة جيشاً كثيفاً جداً من التتار، وكانت أخبار الاجتياح التتري الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية قد بلغت جلال الدين، وبلغه ما حدث لأبيه وكيف مات في جزيرة في بحر قزوين، وأنه قد أصبح الزعيم الشرعي للبلاد،

فبدأ يُعد العدة لقتال التتار، فجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين واسمه سيف الدين بغراق، وكان هذا الملك شجاعاً مقداماً، صاحب رأي ومكيدة وحرب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل،

ثم انضم إليه ستون ألف مقاتل من الجنود الخوارزمية التي استطاعت أن تفر من المدن الإسلامية الكثيرة التي احتلها التتار،

ثم انضم إليه أيضاً ملك خان، وهو أمير مدينة هراة الذي هرب منها بفرقة من جيشه،

فبلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً جداً، ولا يعرف عدده بالضبط، ولكن كان عدد جيش سيف الدين بغراق تسعين ألفاً، غير جيش هراة، وغير جيش جلال الدين نفسه الذي هو جيش أفغانستان،

فخرج جلال الدين بهذا الجيش الكبير إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى بلق، وكانت منطقة وعرة جداً وسط الجبال العظيمة،
وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، فجاء جيش التتار،

ودارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون فيها قتال المستميت،

فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك، فكان لحمية المسلمين في هذه الموقعة وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية، وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لـ جلال الدين أثراً واضحاً في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار،

واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، فانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكثر فيهم القتل وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان،

وكان جنكيز خان في ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز في منطقة تعرف بالطالقان شمال شرق أفغانستان؛ ليكون قريباً من الأحداث.

وبعد هذه الموقعة ارتفعت معنويات المسلمين جداً، فقد كان وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة آتى ثماره، فقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق مع ملك خان أمير هراة، واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر.






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٢ــلقة





? معركة كابل:

فاطمأن جلال الدين إلى جيشه، وأرسل رسالة إلى جنكيز خان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، ولأول مرة يشعر جنكيز خان بالألم، فجهّز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهّز الجيش المسلم،

والتقى الجيشان في مدينة كابل الأفغانية، وهي مدينة حصينة جداً، فهي تُحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال، ففي شمالها جبال هندكوش الشاهقة، وفي غربها جبال باروبا ميزوس، وفي جنوبها وشرقها جبال سليمان، ودارت موقعة كابل الكبيرة، وكان القتال عنيفاً جداً وأشد ضراوة من موقعة غزنة،

وثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار، وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار، فارتفعت معنويات المسلمين جداً، وفرح المسلمون جداً وفرحنا، وقلنا: إن هاتين الموقعتين كانتا نهاية لأحزان وآلام المسلمين،

لكن بقيت في القصة مفاجأة عجيبة وقاسية، يعدها البعض نعمة وهي في الحقيقة نقمة، فقد حدث شيء أعاد الكرة للتتار وأضاع النصر من المسلمين، فيا ترى ما هو هذا الشيء؟ وما هذه المفاجأة؟ وما هو مصير جلال الدين بن محمد بن خوارزم؟ وما هو مصير أفغانستان؟ وما هو رد فعل العالم الإسلامي لسقوط دولة خوارزم الكبرى بكاملها؟

هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
[غافر:٤٤].

انتهت المحاضرة الثانية





يتبع ?...

 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold





المحاضرة الثالثة المتساقطون





تفرق الصفوف، واختلاف القلوب، ونسيان روح الأخوة بين المسلمين، والتناحر والاقتتال بينهم أمراض أدت إلى تسليط التتار عليهم، وإلى ذلهم وهوانهم، فكانت سبباً للهزيمة والخذلان، وسلبهم الممالك والبلدان، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.



?أهم العنواين الرئيسية :


-هروب جلال الدين من جيش التتار

-احتلال التتار لأفغانستان
-احتلال التتار لمراغة
-أسباب تردد التتار في غزو أرض
الخلافة العباسية مطلع سنة ٦١٨هجري
-أسباب تراجع التتار عن غزو تبريز
-احتلال التتار لداغستان والشيشان

-أهم أحداث عام 620هجري
-أهم أحداث سنة 621هجري
-سيطرة جلال الدين على إيران
-تولي الظاهر بأمر الله أمر الخلافة العباسية
-محاصرة جلال الدين لمدينة خلاط
-وفاة جنيكزخان
-حال المسلمين بين٦٢٤- ٦٢٧هجري
-أحداث سنة ٦٢٨هجري
-احتلال التتار لأذربيجان

-أسباب هزيمة المسلمين أمام التتار
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٣ــلقة





?هروب جلال الدين من جيش التتار:

أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


بعد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن
اجتياح التتري الرهيب لبلاد المسلمين ثم عن الانتصار المسلمين المرحلي في غزنة والانتصار الثاني كابل،ثم سبحان الله حدث شيئا غريبا اختلف أمراء المسلمين على الغنائم ووقعوا في فتنة وارتفعت الأصوات ثم ارتفعت السيوف وجيوش التتار مازالت تملئ مدن المسلمين ،وسقط قتلى ومن بينهم أخو سيف الدين بغراط وغضب غضبا شديدا ثم قرر الانسحاب ومعه 30 الف مقاتل، كان المسلمين بحاجة إلى كل طاقة وانكسر جيش المسلمين ماديا ومعنويا

وبينما هم كذلك جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه؛ ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنة وفي كابل، وكان المسلمون منذ قليل في انتصار، وأما الآن فقد دب الرعب والهلع في جيشهم، وقلّت أعدادهم، وتحطمت معنوياتهم.

فلما رأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً جداً، أخذه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيز خان، أو ليتجنب الحرب في هذه الظروف، ولكن جنكيز خان كان مصراً على الحرب، وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل، فبدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد، حتى وصل إلى حدود باكستان، فاخترقها واخترق كل باكستان حتى وصل إلى نهر السند الذي يفصل بين باكستان وبين الهند، وهناك قرر عبور نهر السند ودخول الهند مع أن علاقته بأهلها كانت سيئة جداً، ولكنهم كانوا عنده أرحم من لقاء جنكيز خان، فلم يجد سفناً فانتظر،

ثم فوجئ بجيش جنكيز خان من خلفه، فلم يكن هناك بد من القتال، فنهر السند من خلفه والسفن على مسافة بعيدة، ولن تأتي إلا بعد أيام، فدارت موقعة رهيبة بين الطرفين، وكل من شاهدها قال: إن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال، واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة، واستحر القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان الذي كان في المعركة السابقة يخاصم على الغنيمة مع سيف الدين بغراق، فقتل ولم ينل من الدنيا شيئاً، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة، ولكن شتان بين من يموت مناصراً للمسلمين بكل قوته، وبين من يموت وقد تسبب مصرعه في فتنة أدت إلى هزيمة مرة.

وفي اليوم الرابع انفصل الجيشان لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، وبينما هما في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند، فاتخذ جلال الدين قراره السريع بالهروب كما اتخذه أبوه من قبل، فركب السفينة مع خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية لنهر السند مع بلاد المسلمين ومدنهم وقراهم، ومع المدنيين دون حماية عسكرية، وجيوش التتار لا تفرق بين مدني وعسكري، هذا بالإضافة إلى الحقد الشديد في قلب جنكيز خان نتيجة الهزيمتين السابقتين.






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٤ــلقة









?احتلال التتار لأفغانستان:

انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها جام غضبه، ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر، وكانت أشد المدن معاناة مدينة غزنة عاصمة جلال الدين بن خوارزم، المدينة التي هزم عندها قبل ذلك جنكيز خان، فقتل كل رجالها، وسبى كل نسائها، وأحرق كل ديارها بلا استثناء، وتركها كما
يقول ابن الأثير: خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس.

والذي يجدر ذكره أن من جملة من أمسك بهم جنكيز خان من أهل المدن أطفال جلال الدين بن خوارزم، فأمر جنكيز خان بذبحهم جميعاً، وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه.

روى البيهقي أن رسول الله قال: (كن كما شئت، كما تدين تدان)والحديث مرسل.

وحقق جنكيز خان بذلك حلماً غالياً جداً، لم يكن يتوقع أن يحققه بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال أفغانستان، فاحتلال أفغانستان كان حلماً لـ جنكيز خان ولغيره من الغزاة، فاحتلالها خطوة مؤثرة جداً في طريق سقوط الأمة الإسلامية، وسقوطها نذير خطر شديد للأمة بأسرها، لعدة أسباب، منها:

?أولاً: طبيعتها الجبلية التي تجعل غزوها شبه مستحيل، وهي بذلك تمثل حاجزاً طبيعياً قوياً في وجه الغزاة، وتخفف الوطء على البلاد المجاورة لها، فإن سقطت كان سقوط البلاد المجاورة لها مثل: باكستان وإيران ثم العراق سهلاً جداً.

?ثانياً: موقعها الإستراتيجي الهام، فهي تقع في موقع متوسط في آسيا، والذي يسيطر عليها يستطيع النظر من زاوية درجتها (٣٦٠) درجة على المنطقة بأسرها، فيستطيع مراقبة باكستان وإيران وروسيا والهند، ويكون قريباً نسبياً من الصين، فالسيطرة على كامل آسيا بعد احتلال أفغانستان أمر ممكن.

?ثالثاً: الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت شعبها صلابة وقوة لا تتوافر في غيرها من البلاد، فإن سقطوا فسيكون سقوط غيرهم سهلاً بلا شك.

?رابعاً: يتمتع سكانها بنزعة إسلامية عالية جداً، وبروح جهادية بارزة مميزة، وليس من السهل أن يقبلوا الاحتلال، وقد ظهر ذلك واضحاً في انتصارين متتالين على التتار، فكل الجيوش الإسلامية قبل ذلك فشلت في حربها مع التتار، وأول مرة غلب التتار فيها كانت في أفغانستان، فقد غلبوا مرتين، فلو سقط الأفغان فسيعد ذلك نجاحاً هائلاً للقوى المعادية للمسلمين.

?خامساً: أن الأثر المعنوي السلبي على الأمة الإسلامية سيكون رهيباً، والأثر المعنوي الإيجابي على التتار سيكون كبيراً جداً كذلك، والأثر السلبي على المسلمين والإيجابي على التتار سيكون مؤثراً جداً في الأحداث.

وأنى لأمة محبطة أن تفكر في القيام؟! وأنى لجيش كجيش التتار حقق نصراً صعباً أن يفرط في الانتصارات السهلة؟!
هذا عادة لا يكون،

فأفغانستان كانت محطة خطيرة جداً، ومؤثرة تأثيراً سلبياً كبيراً جداً على أمة الإسلام بصفة عامة، وليس على أهل أفغانستان فقط.

وبذلك يكون التتار الذين وصلوا من الصين قد دخلوا كازاخستان، ثم أوزباكستان، ثم تركمانستان، ثم أفغانستان، ثم إيران، ثم أذربيجان، ثم أرمينيا، ثم جورجيا، في سنة (٦١٧هـ)، وهذا الكلام مثبت في كل كتب التاريخ،

ففي سنة واحدة اجتاحوا هذا الجانب الشرقي الضخم المهول من العالم الإسلامي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.







يتبع?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٥ــلقة






?احتلال التتار لمراغة:

لما دخلت سنة (٦١٨هـ)، في أول هذه السنة دخل التتار مدينة مراغة المسلمة، وهي في إقليم أذربيجان،

ومن عجيب الأمور أن رأس المدينة كان امرأة مسلمة، ولا أدري لماذا أعطى المسلمون زمامهم لامرأة في هذا الوقت الحساس؟ فهل البلاد قد عدمت من الرجال الذين يصلحون للقيادة؟!

فحاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المجانيق، وبدأ التتار القتال بواسطة الأسرى المسلمين، فالأسرى المسلمون الذين مع التتار، هم الذين بدءوا يفتحون مراغة، ويقتلون إخوانهم المسلمين فيها طمعاً في قليل من الحياة، أي حياة كانت، ولو انقلب هؤلاء الأسرى على التتار حمية لإخوانهم في مراغة، لكان هناك فرصة لنجاة بعض المسلمين على الأقل، ولكن ضاعت المفاهيم، وعميت الأبصار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

دخل التتار مدينة مراغة المسلمة في (٤) صفر (٦١٨هـ) ووضعوا السيف في أهلها، فقتل منهم كما

يقول ابن الأثير ما يخرج عن الحد والإحصاء، ونهبوا كل ما صلح لهم واستطاعوا حمله، والذي لم يستطيعوا حمله جمعوه وأحرقوه، وكانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيحرقونه بالنار.

يقول ابن الأثير رحمه الله: إن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهلها رجالاً ونساء وأطفالاً، ما يتحرك لها أحد.

وذكر أيضاً: أنه سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلاً من التتر دخل درباً فيه (١٠٠) رجل مسلم، فما زال يقتلهم واحداً واحداً حتى أفناهم جميعاً، ولم يمد إليه رجل واحد يده بسوء، فقد وضعت الذلة على الناس، فكانوا لا يدفعون عن أنفسهم قليلاً ولا كثيراً، ونعوذ بالله من الخذلان.


?أسباب تردد التتار في غزو أرض الخلافة العباسية مطلع عام ٦١٨هـ:

بدأ التتار بعد ذلك يفكرون في غزو مدينة أربيل في شمال العراق، وهي مجاورة للموصل في شمال العراق، فدب الرعب في قلوب أهلها، وكذلك دب الرعب في قلوب أهل مدينة الموصل الواقعة غرب أربيل،

وفكر بعض أهل أربيل والموصل في الهروب من طريق التتار، وخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله أن يعدل التتار عن مدينة أربيل ويتجهوا إلى بغداد، فبدأ يفيق من سباته العميق، واستنفر الناس لملاقاة التتار في أربيل، وأعلن حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية الواقعة تحت سيطرته،

وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز، وجمع الخليفة العباسي الناصر لدين الله (٨٠٠) رجل فقط ضد مئات الآلاف من التتار! فلم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان صورة خليفة، ولم يستطع قائد الجيش العباسي واسمه مظفر الدين أن يحارب التتار بهذا العدد الهزيل، فعندما رأى أمامه مئات الآلاف انسحب.

ثم حصل شيء غريب جداً، فقد شعر التتار أن هذا الانسحاب خدعة، وأن هذه الفرقة ما هي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير؛ لأنه من غير المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن (٨٠٠) جندي فقط، ولذلك قرر التتار تجنب المعركة، وانسحبوا بجيوشهم.

فالرعب كان يملأ قلوب التتار من إمكانيات الخلافة العباسية، فالخلافة العباسية كانت ملء سمع وبصر الدنيا، وكانت تزهو على غيرها من الأمم بتاريخ طويل جداً وأمجاد عظيمة، ولا شك أن دولة لقيطة مثل: دولة التتار، ليس لها على وجه الأرض إلا بضع سنوات، ستحسب ألف حساب لدولة هائلة يمتد تاريخها إلى أكثر من (٥٠٠) سنة.

لذلك كان التتار يقدرون إمكانيات العراق بأكثر من حقيقتها، ومن ثم آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا ذلك بما يعرف بحرب الاستنزاف، وقرروا عمل ضربات خاطفة موجعة للعراق، وحصار طويل مستمر ليضعفوه، وأحلاف واتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة؛ لتسهيل الحرب ضده في الوقت المناسب، ومن أجل ذلك انسحب التتار ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٦ــلقة







?أسباب تراجع التتار عن غزو تبريز وكنجة:


انسحب التتار إلى مدينة تبريز الإيرانية، وقد عزموا على نقض العهد الذي عقدوه قبل ذلك مع أزبك بن البهلوان، ولكنهم فوجئوا بتغيير الحكم في تبريز،

فقد تولى قيادة البلاد《 شمس الدين الطغرائي رحمه الله》، وقد كان رجلاً مجاهداً يفقه دينه ودنياه،

فقام رحمه الله يحمس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة، وقوى قلوبهم على الامتناع، وحذرهم عاقبة التخاذل والتواني، وعلمهم ما عرفوه نظريًا قبل ذلك ولم يطبقوه أبداً بصورة عملية في حياتهم،

فعلمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبداً، وأن رزقه وأجله قد كتب له قبل أن يولد، وأنهم مهما فعلوا للتتار ومهما ركعوا أمامهم، فلن يتركوهم، إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم، وأما بغير قوة فلن يحمى حق على وجه الأرض.

فتحركت الحمية في قلوب أهل تبريز نتيجة تحميس شمس الدين لهم، فقاموا مع قائدهم البار يحصنون بلدهم، ويصلحون الأسوار، ويوسعون في الخنادق، ويجهزون السلاح، ويضعون المتاريس، ويرتبون الصفوف، وتجهز القوم للجهاد في سبيل الله،

فلما سمع التتار بأمر المدينة وحالة العصيان المدني فيها والنفير العام، والتجهز للقتال في سبيل الله، أخذوا قراراً عجيباً، وهو عدم دخول تبريز، وعدم قتال قوم رفعوا راية الجهاد في سبيل الله، فقد ألقى الله عز وجل الرعب في قلوب التتار على كثرتهم من أهل تبريز على قلتهم.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم نصر بالرعب مسيرة شهر، وكذلك ينصر بالرعب كل من سار على طريقه صلى الله عليه وسلم، فالجهاد فعل فعله المتوقع، وعلى الرغم من أن القوم لم يجاهدوا ولم يصلوا إلى مرحلة الجهاد، إلا أنهم لما عقدوا النية الصادقة، وأعدوا الإعداد المستطاع، تحقق الوعد الرباني الذي لا يخلف، وهو وقوع الرهبة في قلوب الأعداء عند إعداد المسلمين، وهذا درس لا ينسى، واسمعوا إلى قول الله عز وجل:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[الأنفال:٦٠]،
أي: على قدر الاستطاعة،

وكم هي تبريز مقارنة إلى جيوش التتار، أو مقارنة بالمدن والدول الإسلامية التي سقطت؟ قال تعالى:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}
[الأنفال:٦٠].

فكانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم، ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدد الدين في هذه المدينة المسلمة تبريز.

ونفس هذا الحدث تكرر مع مدينة كنجة، فقد أعلنت الجهاد في سبيل الله وأعدت العدة، فلم يدخل تتري واحد إلى مدينة كنجة، وهذا الكلام ليس من قبيل المصادفة، فالبلاد التي رفعت راية الجهاد وأعدت له العدة لم يجرؤ التتار على غزوها.
وهذه سنة من سنن الله عز وجل.

ولو أن كل مدن المسلمين فعلت ذلك لما استطاع التتار ولا غيرهم أن يطئوا بأقدامهم النجسة أرض المسلمين.

فحافظ المسلمون على هذه البلاد سنوات وسنوات، لا بكثرة الأعداد والاتفاقيات والمعاهدات والسلام وغيرها، ولكن بجهاد صادق، ودماء زكية، وقلوب طاهرة مخلصة.

أما الذين يخالفون من العباد، فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٢٧ــلقة






?احتلال التتار لداغستان والشيشان وجنوب غرب روسيا :


ترك التتار تبريز وكنجة، واتجهوا إلى داغستان والشيشان الواقعتين شمال أذربيجان على ساحل بحر قزوين، فقاموا كعادتهم بتدمير كل شيء في هذه البلاد، وقتلوا معظم من وجدوه في طريقهم، وكانت أشد المدن معاناة من التتار هي مدينة شماخي المسلمة، وهي الآن في داغستان محتلة من روسيا.

ثم ترك التتار هذه المنطقة وجاوزوها إلى روسيا، فدخلوها، وكان يعيش فيها النصارى في ذلك الوقت، ثم استمر التتار في صعودهم حتى وصلوا إلى حوض نهر الفولجا في روسيا، فقاتلوا أهل هذه البلاد من النصارى وأثخنوا فيهم القتل، وارتكبوا معهم من الجرائم ما ارتكبوه مع المسلمين، وظلوا بقية سنة (٦١٨هـ) داخل الأراضي الروسية، وهي أرض واسعة جداً، وسيطروا في هذه السنة على الجنوب الغربي من روسيا.

وفي سنة (٦١٩هـ) حافظ التتار على أملاكهم، ووطدوا ملكهم في هذه المناطق، والدول التي سقطت تحت سيطرة التتار هي: كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجاكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وباكستان، باستثناء المناطق الجنوبية منها المعروفة باسم إقليم كرمان لم يصل إليه التتار، وأفغانستان بكاملها، ومعظم إيران ما عدا الجزء الغربي منها الذي كان تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية، وأذربيجان، وأرمينيا النصرانية، وجورجيا النصرانية، والجنوب الغربي لروسيا النصرانية.

والتتار خلال سنتين وبضعة أشهر احتلوا هذه المساحة من العالم.

وفي سنة (٦٢٠هـ) بسط جنكيز خان سطوته على الدولة الخوارزمية وما حولها، واستمرت الحملات التترية على روسيا، وانشغل التتار في حرب روسيا في هذه السنة.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ٢٨ــلقة






?أهم أحداث العام ٦٢٠هـ:

?الحدث الاول : تقسيم منطقة فارس بين غياث الدين وسعد الدين بن دكلا
خرج على غياث الدين الذي كان يحكم منطقة فارس الأمير سعد الدين بن دكلا أحد أمراء المنطقة، ودار بينهما قتال طويل، حتى رضي الطرفان بتقسيم البلاد نصفين، الجنوب لـ سعد الدين بن دكلا، والشمال لـ غياث الدين.
ففي ذلك الوقت الذي كانت فيه جيوش التتار داخل شرق إيران يقسم المسلمون البلاد عليهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

?الحدث الثاني: تنصر ابن حاكم الأناضول طمعا في مملكة الكرج
ذكر ابن الأثير في كتابه القيم (الكامل في التاريخ) تحت عنوان: حادثة غريبة لم يوجد مثلها.
وهي فعلاً غريبة ومأساوية إلى أقصى درجة ممكنة، فمملكة الكرج النصرانية بعد أن أتمت صلحها مع المسلمين بعد المعركة التي ذكرناها سابقاً، وصل إلى قمة الحكم فيها امرأة، ولم تكن متزوجة، فطلب منها الوزراء والأمراء أن تتزوج رجلاً يدير عنها البلاد، فوافقت، وأرادت أن تتزوج من بيت ملك وشرف، فلم تلق بيتاً في الكرج بهذه الصفة، فسمع بذلك أحد ملوك المسلمين واسمه مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان، وكان من ملوك السلاجقة، ويحكم منطقة الأناضول -تركيا الآن-، وكان له ابن كبير، فأرسل إلى ملكة الكرج يخطبها لابنه، فرفضت الملكة وقالت: إنها لن تتزوج من رجل مسلم، ولن يملك الكرج رجل مسلم، فقال الملك مغيث الدين بن قلج أرسلان: إن ابنه سيتنصر ويتزوجها، فوافقت على ذلك، وتنصر الولد بالفعل، وتزوج من ملكة الكرج، وانتقل إلى مملكتهم ليكون حاكماً عليهم، وبقي على نصرانيته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد وصل المسلمون في هذه الآونة إلى درجة من التردي يستحيل معها النصر، إذ كيف تأتي فكرة التنصر في ذهن الملك وابنه أصلاً ولو كان سيحكم الأرض كلها بعد هذا التنصر؟! وكيف يأتي ذلك من ملك عظيم يحكم الأناضول؟! ولو أتى ذلك الكلام من ضعيف مستعبد، لقلنا: لعله استكره على ذلك، أما أن يأتي ذلك العرض من الملوك ويطلبونه هم، فهذا مما لا يتخيله العقل، ولا أدري من الذي أطلق على هذا الملك لقب مغيث الدين! فأي دين هذا الذي يغيثه؟! أيغيث الدين النصراني أو الدين الإسلامي؟
{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
[الحج:٤٦].
ثم إن هذا الولد الذي تزوج ملكة الكرج مات على نصرانيته محبوساً في مملكة الكرج، فقد عاش عدة أشهر في الملك، ثم إن الكرج غضبوا عليه وحبسوه، وبقي نصرانياً ومات على نصرانيته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ٢٩ــلقة






?أهم أحداث العام ٦٢١هـ:

?قتل التتار للمسلمين في إيران:

أن (٣٠٠٠) جندي تتري دخلوا إيران فوضعوا السيف في مدن الري وساوة وقم وقاشان وهمذان، ولم يرفع في وجوههم سيف، فقد وضعت الذلة على المسلمين، وكثر الله عز وجل التتار في عيون المسلمين، وقلل المسلمين في عيون التتار، فعظمت جداً هيبة التتار، وضاعت هيبة المسلمين، وانشغل المسلمون بأنفسهم، ولم يعودوا يعرفون العدو من الصديق، وقد كان ينبغي للأزمات في ذلك الوقت أن تجمعهم، فإذا بها تفرقهم؛ وما ذلك إلا لقلة الإيمان في القلوب، وعظم الدنيا في العيون، ولسوء التربية أو انعدامها تماماً في فترات طويلة متراكمة.



?خروج الجراد وقلة الأمطار سنة ٦٢١هـ :


نتيجة لهذه الأجواء قلّت الأمطار جداً في البلاد في هذه السنة، وخرج الجراد للمرة الثانية يأكل الزرع القليل الذي خرج في وجود المطر القليل، وغلت الأسعار جداً في العراق والموصل وسائر ديار الجزيرة -ومنطقة الجزيرة هي المنطقة الشمالية من العراق وسوريا-، وما حدث في هذه الفترة من مصائب الجراد والسنين ونقص الثمرات أمر طبيعي جداً موافق للسنن الإلهية.
وإذا مر على المسلمين زمان غلت فيه الأسعار، وقلت الغلات، وتزعزع الاقتصاد، وأصبحت الحياة شديدة، فليراجعوا أنفسهم، وليقفوا معها وقفة محاسبة، وليعرضوها على كتاب الله عز وجل، فإن كانوا صادقين فسيعرفون مرضهم، وسيجدون علاجه في كتاب الله عز وجل، كما قال تعالى:
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
[الأنعام:٣٨].






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ٣٠ــلقة








?سيطرة جلال الدين على إيران وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية وما رافق ذلك من أحداث:

كانت قد بدأت قصة التتار سنة (٦١٦هـ)، وكل هذا الذي ذكرناه حدث في ست سنوات فقط، ثم في عامي (٦٢٢هـ) و (٦٢٣هـ) خفت القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية غرب وشمال إيران، واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة، واهتموا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشاسعة التي وقعت في أيديهم،

ولكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين، فقد ظهر على مسرح الأحداث فجأة جلال الدين بن محمد بن خوارزم، فقد ضاق من عيشه في الهند، ورأى أن الوضع هناك ليس مريحاً، وعلاقته مقطعة وسيئة مع ملوك الهند الغوريين المسلمين، ورأى الوضع مستقراً نسبياً في إيران، فالتتار قد اكتفوا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشرقية،

فوجد الفرصة مناسبة، فدخل أرض إيران يبحث عن الملك الضائع، فهو ملك وابن ملك، ويريد أن يأتي بالملك، وقد كان أخوه غياث الدين يحكم شمال إيران وسعد الدين بن دكلا الذي تقاسم البلد مع غياث الدين يحكم الجنوب،

فتحالف جلال الدين بن محمد بن خوارزم مع سعد الدين بن دكلا لحرب أخيه غياث الدين بن محمد بن خوارزم، وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال ووصل إلى غرب إيران، وسيطر على المنطقة الغربية من إيران.

ووجد جلال الدين نفسه قريباً من الخلافة العباسية في العراق، وتذكر الخلافات القديمة بينه وبين الخلافة العباسية، فقرر غزو الخلافة العباسية.

فقد كان الزعماء في ذلك الوقت مصابون بالحول السياسي، فحاصر البصرة لمدة شهرين ولم يستطع فتحها، فتركها واتجه إلى الشمال، وقرب من بغداد وحاصرها،

فخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه وعلى مدينته، فحصن المدينة وجهز الجيوش، ولكنه لم يكن صاحب حرب ولا يستطيع الحرب، ففعل فعلاً شنيعاً بشعاً مقززاً لا يتخيل، يقول ابن الأثير تعليقاً على هذا الفعل: فعل الذنب الذي يتصاغر إلى جواره كل الذنوب،

فقد أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين، وهو يعلم تاريخهم وحروبهم مع المسلمين.

ولو كان الظلم كل الظلم مع جلال الدين والحق كل الحق مع الخليفة أفيأتي بالتتار لنجدته؟! أما علم أن التتار إذا قضوا على جلال الدين فإن الخطوة التالية مباشرة هي القضاء على الخلافة العباسية؟!

فقد أراد خليفة المسلمين أن يطيل فترة ملكه أعواماً قليلة، وأن يموت عبداً للتتار بدلاً أن يكون عبداً لـ جلال الدين؟!

وأنا لا أدافع عن جلال الدين، بل ألومه أشد اللوم على تفريق طاقة المسلمين وجعل بأسهم بينهم، وإنني أشبه جلال الدين بـ صدام حسين، فالدنيا كانت مشتعلة في كل مكان بسبب التتار، وهو يريد محاربة الخلافة العباسية، وصدام حسين كانت الدنيا كانت مشتعلة في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير، وهو ذاهب لمحاربة الكويت.

ومع أن جلال الدين كان معتدياً إلا أن الحل لم يكن بأن نأتي بقوة كافرة مهولة مروعة لنزرعها في داخل بلاد المسلمين، لكي تحل لهم مشاكلهم، وتعالج أمراضهم.

فكان الخليفة العباسي كالمستجير من الرمضاء بالنار، وكمن دخل عليه لص في بيته فاستجار بأكبر زعماء العصابات في المنطقة، فإنه سيخرج اللص الصغير ويحتل البيت، بل ويحتل العمارة كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

لكن التتار في ذلك الوقت كانوا مشغولين عن حرب جلال الدين، فلم يأتوا ليساعدوه، ولم يستطع جلال الدين أن يدخل بغداد، فتركها وانتقل إلى غيرها من البلاد.

وكانت حروب جلال الدين ومن معه من الجنود الخوارزمية حروباً شرسة مفسدة، مع أن كل البلاد المغنومة بلاد إسلامية، فكان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب، وكأنه تعلم من التتار قسوة القلب،

فبدلاً من أن يرحم الناس الذين تعذبوا على أيدي التتار سنوات، بدأ هو كذلك يشترك في التعذيب، حتى بلغ سلطانه من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين من إيران، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها كلها كانت مليئة بالقلاقل والاضطرابات والارتباكات،

بالإضافة إلى العداءات الكثيرة التي أورثها جلال الدين في قلوب كل سكان المنطقة، وسياسة العداءات والمكائد والاضطرابات ورثها جلال الدين بن خوارزم عن أبيه محمد بن خوارزم، ولم تأت هذه السياسة إلا بالويلات الشديدة على الأمة، وليت المسلمين يفقهون.






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٣١ــلقة





?تولي الظاهر بأمر الله الخلافة العباسية وتحسن الأوضاع في عهده:

في آخر سنة (٦٢٢هـ) توفي الخليفة الظالم الفاسد المستبد الناصر لدين الله، بعد أن حكم البلاد (٤٧) سنة، وتولى الحكم بعده ابنه الظاهر بأمر الله، وكان على النقيض تماماً من أبيه، فقد كان رجلاً صالحاً تقياً، أظهر من العدل والإحسان ما لم يُسبق إلا عند القليل.

حتى قال ابن الأثير: لو قال قائل: إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً، فقد رفع الضرائب الباهظة، وأعاد للناس حقوقهم، وأخرج المظلومين من السجون، وتصدق على الفقراء،
حتى قيل في حقه: إنه كان غريباً تماماً على هذا الزمان الفاسد.

ثم قال ابن الأثير فيه كلمة في منتهى العجب، فقال: إني أخاف أن تقصر مدة خلافته؛ لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته، فقد كان المجتمع فاسدًا إلى هذا الحد.

وصدق ظن ابن الأثير، فقد مات الظاهر بأمر الله بعد تسعة أشهر، ومع ذلك فكما يذكر الرواة: رخصت الأسعار جداً في فترة حكمه, فتحسن الاقتصاد في العراق في تسعة شهور، وهي إشارات لا تخفى على عاقل، فالحمد لله الذي وضع في الأرض سنناً لا تتبدل ولا تتغير.
ثم تولى الحكم بعد الظاهر بأمر الله المستنصر بالله.



?محاصرة جلال الدين لمدينة خلاط وسبي أهلها:

كان جلال الدين مستمراً في حروبه ضد المسلمين، ومما يذكر عنه أنه حاصر مدينة خلاط في تركيا، وهي مدينة مسلمة، فقتل منها خلقاً كثيراً، وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شيء في البلد بالسلب والنهب، حتى سبوا النساء المسلمات.

وإني لا أجد أبداً تفسيراً منطقياً لهذا التردي في الأخلاق والفهم والسياسة والحكمة، وفي كل شيء، ولولا أن هذا مسجل في أكثر من مرجع لما قبله عقل أبداً، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله.


?وفاة جنكيز خان:

في سنة (٦٢٤هـ) حدث أمر هام ومحوري، فقد توفي القائد التتري المجرم السفاح جنكيز خان عليه لعنة الله، وكان عمره (٧٢) سنة، ملأها بالدماء والسفك والقتل والسلب والنهب، وأقام مملكة واسعة جداً من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب، وبناها على جماجم البشر، ومعظمهم من المسلمين.

ولكن اللوم كل اللوم على الذي أوصل المسلمين إلى هذه الحالة من الضعف، التي مكنت هذا الفاسد من أن يفعل في بلاد المسلمين ما يشاء.

وبموت جنكيز خان هدأت الأمور نسبياً في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريباً، وكان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران ومن بحر قزوين، ووقف القتال، وكأن كل فريق قد رضي بما يملك، وكأن التتار في دولتهم وجلال الدين في دولته.


?حال المسلمين بين عامي ٦٢٤هـ و ٦٢٧هـ:

استقرت الأمور، وهدأت نسبياً في الفترة من سنة (٦٢٤هـ) إلى سنة (٦٢٧هـ)، أي: ثلاث سنوات.

وكان المسلمون خلال هذه الفترة على ما عهدوه من الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ولم يستغلوا مصيبة التتار في زعيمهم الكبير جنكيز خان لجمع صفوفهم وتحرير بلادهم، ولكن شغلوا بأنفسهم، وبمحاربة بعضهم لبعض.

وهذه الحالة لم تكن فقط في أرض العراق وغرب إيران فقط، ولا بين جلال الدين والخليفة العباسي فقط، بل كانت عامة في عموم العالم الإسلامي، فكل المنطقة كان تموج بالاضطربات والفتن، وكانت الحروب مستمرة بين أمراء المسلمين في الشام ومصر، ولم تتحد كلمتهم أبداً، مع أن معظم الحكام في هذه المنطقة كانوا من الأيوبيين، وبينهم صلة رحم قوية، وكانت تقوم الحرب أحياناً بين الإخوة الأشقاء.


?تسليم المسلمين بيت المقدس للصليبيين:

في سنة (٦٢٦هـ) حدث أمر مريع، وهو تسليم بيت المقدس الذي حرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قبل ذلك بـ (٤٠) سنة إلى الصليبيين صلحاً، فقد اتفق أمراء الشام على إعطاء بيت المقدس للنصارى الصليبيين؛ ليساعدوهم على غزو مصر، وتخيلوا كيف كانت المأساة في ذلك الوقت؟ نعوذ بالله من الضعف بعد القوة، ومن الذلة بعد العزة، ومن الخذلان بعد النصر.
وعند رؤية هذه الأحداث في كل بلاد المسلمين نعلم سبب تمكن التتار من هذه البلاد مع ضخامتها وأعدادها وثرواتها، فهذه سنة ثابتة في الكون، ومن كانت هذه حالته فلابد أن يسلط عليه طواغيت الأرض، فالله عز وجل لا ينصر إلا من نصره،
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}
[آل عمران:١٦٠]،
لا أحد.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ٣٢ــلقة





?أحداث سنة ٦٢٨هـ:


دخلت سنة (٦٢٨هـ) تحمل هجمة تترية بشعة جديدة على الأمة الإسلامية، فقد استقر ملك التتار في منغوليا، وتولى القيادة بعد جنكيز خان زعيم جديد اسمه أوكيتاي، فكان هو الخاقان الجديد للدولة التترية،

وكلمة خاقان تعني: الزعيم أو الرئيس للبلاد، فهو لقب مثل: قيصر بالنسبة للدولة الرومانية، أو كسرى بالنسبة للدولة الفارسية وغيرهما.
نظم أوكيتاي أمور دولته في الأربع السنوات الماضية في منطقة منغوليا والصين، وبدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي، بل وفكر في استكمال الحروب في داخل روسيا، والخروج منها على أوروبا.

?أسباب إحجام التتار عن غزو العراق:

قرر أوكيتاي عدم محاربة الخلافة العباسية في ذلك الوقت، لأسباب منها:

?أولاً: شدة حصانة بغداد، فقد كانت من أحصن مدن العالم في ذلك الوقت، وعمرها (٥٠٠) سنة تقريباً، وكان سكانها ثلاثة ملايين أو أكثر.

?ثانياً: لم يرد استثارة المسلمين في العراق والشام ومصر لسقوط الخلافة العباسية، فالخلافة العباسية كانت تمثل رمزاً هاماً للمسلمين على ضعفها.

?ثالثاً: كان يريد جعل الخلافة العباسية آخر خطوات الاحتلال، فكان يريد أخذ كل البلاد المحيطة بها، ثم بعد ذلك يفتح العراق كلها، وهذا هو عين الذكاء.



?غزو التتار لبلاد جلال الدين وقصة مقتله:

كلف الخاقان الجديد أوكيتاي القائد شورماجان أحد أمهر قادته التتريين بغزو العالم الإسلامي، فجمع جيشاً هائلاً من التتر، وتقدم صوب العالم الإسلامي، فكانت أول منطقة قابلها هي منطقة جلال الدين بن خوارزم في غرب إيران، فالتقى معه في موقعة رهيبة جداً فهزم جلال الدين هزيمة مرة، فهرب مكرراً نفس التاريخ الذي فعله قبل ذلك والذي فعله أبوه قبله، حتى وصل إلى شمال العراق بعد أن تفرق عنه كل جيشه، فجيوش التتار أكلت الأخضر واليابس في هذه الأرض، واحتلت إيران كلها في لحظات قليلة جداً.

لما وصل جلال الدين إلى شمال العراق وحيداً شريداً طريداً، أخذ ينتقل بمفرده بين القرى فاراً من التتار، واختفى ذكره من البلاد شهوراً متصلة، ولا أحد يعرف هل مات أم لا؟

حتى وصل إلى إحدى القرى فاستقبله فلاحاً من الأكراد، وسأله: من أنت؟ فقد استغرب من شكل جلال الدين؛ لأنه كان متحلياً بكمية كبيرة جداً من الذهب والجواهر، فقد أخذ كل كنوزه معه وهرب، فقال له: أنا ملك الخوارزمية، فقد أراد أن يبث الرعب في قلبه حتى يطلب الأمان عنده، فعندما سمع الفلاح هذه الكلمة قال له: تفضل، وأدخله بيته وأطعمه وسقاه حتى نام، وكان هذا الفلاح قد قتل أخوه على يد جلال الدين بن خوارزم، فلما نام جلال الدين قام إليه الفلاح وقتله بالفأس، ثم أخذ رأسه وسلمه إلى زعيم شمال العراق الأشرف العادل؛ لأنه كان بينه وبين جلال الدين حروباً طويلة قبل ذلك، وانتهت قصة جلال الدين بن محمد بن خوارزم هذه النهاية المأساوية.

وصدق رسول الله إذ يقول فيما روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ:
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
[هود:١٠٢]).

وبفرار جلال الدين بن خوارزم سقط كل إقليم فارس في يد التتار، ما عدا الشريط الغربي فقط، وهو شريط ضيق جداً كانت تسيطر عليه الإسماعيلية الشيعية.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ٣٣ــلقة






?احتلال التتار لأذربيجان وتوقفهم بعد ذلك عن الحروب:

في سنة (٦٢٩هـ) بعد موت جلال الدين بشهور أكمل شورماجان الحروب واحتل إقليم أذربيجان من جديد، يعني: أنه مر من إيران ودخل أذربيجان.

ثم قرر أن يوقف الحروب؛ لكي يرسخ أقدام التتار في هذه المناطق الواسعة، فأوقف الحروب ٥ سنوات كاملة، من عام (٦٢٩هـ) إلى عام (٦٣٤هـ)،

وأثناء هذه السنوات الخمس لم تخرج عليه ثورة مسلمة واحدة، ولم يتحرك له جيش مسلم من أي بلد،

مع أن جيوش المسلمين كانت تملأ المناطق المجاورة لفارس وأذربيجان في كل مكان، في العراق والموصل ومصر والحجاز والشام وغيرها،

ولكن الكل كان يشعر أن هذا أمر يهم أهل فارس وأذربيجان، وأنه ليس يهم جميع المسلمين، فلم يشعر المسلمون في الأقطار التي لم تصب بعد بويلات التتار أن عليهم واجباً تجاه هذه البلاد المنكوبة، ولم يشعروا أبداً أن الدائرة حتماً ستدور عليهم في يوم من الأيام.

أضف إلى ذلك أن المسلمين في العراق والشام ومصر والحجاز كان غالبيتهم من العرب، بينما غالب المسلمين في إقليم فارس وأذربيجان وشرق الدولة الخوارزمية كانوا من غير العرب،

ومع غياب الفهم الإسلامي الصحيح، والاستيعاب الكامل للأسس الحقيقية التي يبنى عليها الدين، لم يعد العربي يشعر بأخيه غير العربي ولا العكس، بل كانوا يشعرون أنهم غرباء عن بعضهم البعض، وهم في الحقيقة إخوة، كما قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
[الحجرات:١٠].

أمر شنيع حقاً ألا يشعر المسلم العربي بأخيه المسلم التركي أو الأفغاني أو الشيشاني أو الهندي أو الفارسي، فهذا أمر قاصم لظهر الأمة الإسلامية، فالإسلام دين لا يرتبط بعرق ولا عنصر ولا لون ولا جنس، ولا يرتبط إلا بالإيمان بالله وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فالإسلام لا يرتبط إلا برباط العقيدة، ولا شيء غيرها.

وقد روى الإمام أحمد بسند مرسل عن أبي نضرة رحمه الله قال: قال رسول الله: (يأيها الناس! ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى).

فالقاعدة واضحة، فلا مكان لعرق أو لون في الإسلام، وإنما المكان للتقوى فقط، فالمسلم الصادق حقاً هو الذي يتحمس لمن اشترك معه في العقيدة ولو اختلف أصله أو لونه أو نسبه.


?الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين أمام التتار:

من المواقف التي مرت، ومن الروايات السابقة والتحليلات والدراسة تتبين لنا أمراض هامة، كانت سبباً في هذه المأساة التي مر بها المسلمون في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا، وقد ذكرناها مفصلة في الدرس، ونعيد ذكرها على سبيل التلخيص والإيجاز،وهي خمسة أمراض:

?أولاً: تمكن الدنيا من قلوب المسلمين، وإذا أُشرب القلب حب الدنيا خرج منه حب الآخرة والشرع والمثل والأخلاق، وحب كل فضيلة

?ثانياً: التشاحن والتصارع والبغضاء التي تفشت بين المسلمين، ووصلت إلى الصراع بين ذوي الأرحام والأشقاء

?ثالثاً: ترك الجهاد، وعدم الاستعداد له، وعدم تربية الناس على الروح القتالية، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا

?رابعاً: عدم الاستعداد المادي للقتال، وعدم الرؤية الواضحة، والخطة السياسية، والرأي الحكيم، وعدم التدرب على القتال وإعداد السلاح له، فلم يكن يوجد أي نوع من الإعداد في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت

?خامساً: القبلية، والاعتداد بالعنصر والعرق، وعدم اعتراف المسلمين بإخوانهم المسلمين المنتمين إلى أعراق مختلفة

والمرض الواحد من هذه الأمراض الخمسة يهلك أمة، فكيف لو اجتمعت هذه الأمراض وغيرها في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت؟
هذا كله يفسر ما حدث من اجتياح تتري رهيب للأمة الإسلامية

ثبّت شورماجان قدمه في المنطقة خمس سنوات، إلى سنة (٦٣٤هـ)، ثم في هذه السنة عاد الجيش التتري إلى اجتياح العالم من جديد، ولقد اختلف هذا الاجتياح اختلافات كثيرة عما سبق، ليس في طريقة القتال أو أسلوب الحرب، فدموية التتار لم تتغير أبداً، ولكن في المناطق المفتوحة، فقد دخل جيش التتار مناطق جديدة لم يدخلوها قبل ذلك، ولقد اختلف الأمر حتى في طرق الإعداد، وفي السياسة التترية بصفة عامة، ولقد عانى أهل الأرض جميعاً معاناة شديدة من هذا الغزو التتري الجديد.

ترى ما هي تفاصيل هذا الغزو؟
وما هو رد العالم الإسلامي؟
وهل سيفكر التتار في غزو العراق أم لا؟ وما هو موقف الصليبيين في أوربا من هذه الحملات التترية البشعة ؟






يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


المحـ4ـاضرة



خطة غزو العراق



احتل التتار الأجزاء الشرقية للدولة الإسلامية حتى وصلوا إلى حدود العراق، ثم بدءوا في التفكير والتخطيط والعمل الدءوب لإسقاط بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وأعدوا خطة الغزو حتى تمكنوا من إسقاط الخلافة العباسية، والمسلمون في غفلتهم سادرون.


?أهم العنواين الرئيسية:

-احتلال التتار لأرمينيا وجورجيا

-احتلال التتار لروسيا
-احتلال التتار لأوكرانيا وبولندا والمجر
-نظرة على أحوال المسلمين والتتار والنصارى سنة 639هجري
-إيقاف التتار لحروبهم التوسعية في عهد ملكهم كيوك بن أوكيتاي
-تولي منكوخان قيادة التتار
-أعوان منكوخان في حكم دولة التتار

◾-إعداد هولاكو لغزو الدولة العباسية
1-إصلاح البنية التحتية
2-الاعداد السياسي والدبلوماسي
*تحالف التتار مع ملك أرمينيا
*تحالف التتار مع بعض الإمارات الإسلامية

3-الحرب النفسية ضد المسلمين
4-اضعاف جيش الخلافة العباسية




 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٣٤ــلقة





أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: رأينا انهيار العالم الإسلامي أمام الضربات التترية المتوالية، وكيف وقع المسلمون في أخطاء قاتلة أدت إلى هذه المأساة المركبة التي مرت بالأمة بصفة عامة، ورأينا كيف فتن المسلمون بالدنيا وتركوا الجهاد واختلفوا وتفرقوا ولم يعدوا أي عدة مناسبة أو غير مناسبة لقتال التتار، وبالتالي لم يكن هذا السقوط المزري مفاجأة بل كان أمراً متوقعاً جداً، وهو يتوافق تماماً مع سنن الله عز وجل في الأرض.

وقفنا في المحاضرة السابقة على ابتداء شورماجان القائد التتري الكبير في المنطقة الفارسية وأذربيجان بالتخطيط لغزو جديد واجتياح قادم لمناطق جديدة، وكان ذلك في سنة ٦٣٤ هجرية، وفي هذه السنة ألتف شورماجان حول بحر قزوين من ناحية الغرب وانطلق شمالاً لاستكمال السيطرة على المنطقة، وبسرعة كبيرة جداً استطاع أن يعيد بسط سيطرة التتار على أقاليم أرمينيا وجورجيا والشيشان وداغستان، وأرسل جيشاً آخر لاستكمال بسط النفوذ على شمال هذه المناطق.


?احتلال التتار لروسيا:

ثم بدأ باتو بن جاجي وكان من أكبر قواد التتار مطلقاً بقيادة الحملات التترية شمال بحر قزوين في سنة ٦٣٤، فقمع القبائل التي تسكن في نهر الفولجا الروسي،

ثم زحف بعد ذلك على البلاد الروسية الواسعة، وبدأ هذا الزحف على روسيا في سنة ٦٣٥هـ، وقام بمذابح بشعة شنيعة في روسيا النصرانية من حين دخلها إلى أن انتهى منها، واستولى على العديد من المدن الروسية، فقد سقطت مدينة ريدان، ثم بعدها بقليل سقطت مدينة كولومونا، ثم سقطت مدينة فلاديمير، وكانت مدينة كبيرة جداً جداً، حيث صمدت ستة أيام فقط في وجه التتار ثم سقطت سقوطاً كاملاً، وذبح غالب سكانها، ثم سقطت مدينة سوذال،

ثم توجهت الجيوش التترية إلى أعظم مدن روسيا موسكو واجتاحوها ودمروها في أيام معدودات،



ثم سقطت بعد ذلك مدن يورييف وجاليش وبريسلاف وروستوف وغيرها إلى أن احتل التتار دولة روسيا بكاملها في سنتين، من سنة ٦٣٥ إلى ٦٣٦، ومساحة روسيا ١٧ مليون كيلو متر مربع، وليست المشكلة في هذه المساحة الهائلة، بل إنها يسكنها أعداد هائلة من البشر، إضافة إلى أن طقسها شديد البرودة وأجواءها صعبة جداً،

ومع ذلك فإن التتار انتهوا من روسيا كلها في سنتين، ولم يستطع أحد أن يقف أمام التتار، ثم بعد هذا الاجتياح توقفوا سنتين ينظمون صفوفهم ويعيدون ترتيب أمورهم.


?احتلال التتار لأوكرانيا وبولندا والمجر وسلوفاكيا وكرواتيا:

ثم في سنة ٦٣٨ من الهجرة -بعد سقوط روسيا بسنتين- تحركت جيوش التتار من روسيا غرباً إلى أوكرانيا بقيادة باتو بن جاجي فاجتاحوا دولة أوكرانيا بكاملها، واجتاحوا عاصمتها كييف، ودمروا كنوزها العظيمة وقتلوا معظم السكان في أوكرانيا، ثم تجاوزوها إلى ما بعدها.
ثم في سنة ٦٣٩هـ زحفت فرقة من قوات جيش باتو بقيادة بايدر باتجاه الشمال الغربي من دولة أوكرانيا فدخل مملكة بولندا ودمر معظم المدن البولندية، ولم يجد الملك البولندي إلا أن يستعين بالفرسان الألمان، فألمانيا في غرب بولندا مباشرة، فجاء الأمير هنري دوق مقاطعة سيليزيا الألمانية وتحالف مع الجيش البولندي، ثم التقى الجيشان بجيش التتار، فسحق الجيشان البولندي والألماني واستطاع التتار بقيادة بايدر السيطرة على كامل مملكة بولندا.

وفي نفس السنة ترك باتو قائد التتار الذي كان متمركزاً في أوكرانيا في ذلك الوقت فرقة تترية في أوكرانيا واتجه بجيشه الرئيسي غرباً إلى مملكة المجر، فالتقى مع ملكها في موقعة رهيبة دمر على أثرها الجيش المجري بكامله، واحتل المجر أيضاً.

وأما بايدر القائد التتري الذي فتح بولندا فقد نزل جنوباً لمقابلة جيوش التتار بقيادة باتو في المجر، وفي طريقه اجتاح دولة سلوفاكيا وضمها بكاملها أيضاً إلى دولة التتار.

ثم تدفقت الجيوش التترية بكاملها إلى دولة كرواتيا واجتاحتها عن آخرها، ووصلت الجيوش التترية بذلك إلى البحر الأدرياتي، وهو يفصل بين كرواتيا وإيطاليا، وإلى هذه اللحظة كانت دولة التتار قد ضمت نصف أوروبا الشرقي إلى أملاكها، وكان ممكناً أن تستمر الفتوحات التترية بعد ذلك، فقد وصل التتار إلى حدود إيطاليا والنمسا وألمانيا،

ولكن في ذلك العام ٦٣٩هـ حدث أمر هام، فقد توفي خاقان التتار أوكيتاي، فاضطر القائد باتو أن يوقف الحملات ويستخلف أحد القواد ويعود إلى قراقورم عاصمة دولة التتار في منغوليا؛ للمشاركة في اختيار الخاقان التتري الجديد.





يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ٣٥ــلقة






?نظرة على أحوال التتار والمسلمين والنصارى عام ٦٣٩هـ:

ولا بد لنا أن نراجع الموقف في سنة ٦٣٩هـ،ونقيم أوضاع العالم ككل في هذه السنة، وبإلقاء نظرة على كل أرجاء العالم في ذلك الوقت يتبين الآتي:

?أولاً: وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقاً إلى بولندا غرباً ومن سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً، فقد اتسعت دولتهم اتساعاً رهيباً جداً في وقت محدود،وأصبحت قوتهم في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع

?ثانياً: تولى قيادة التتار بعد أوكيتاي ابنه كيوك بن أوكيتاي، وكان رأي هذا الخاقان الجديد تثبيت أقدام التتار في البلاد المفتوحة، ولم يكن عنده سياسة توسعية كأبيه أوكيتاي أو كـ جنكيز خان، فأوقف الفتوحات التترية في أوروبا والعالم الإسلامي

?ثالثاً: ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية، وضموا معظم أقاليمها في آسيا إلى دولتهم، وقضوا على كل مظاهر الحضارة في هذه المناطق،كما قضوا تماماً على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة

?رابعاً: ظل القسم الأوسط من العالم الإسلامي العراق إلى مصر، يعني:العراق والشام والحجاز ومصر واليمن مفرقاً مشتتاً، ولم يكتف المسلمون فيه فقط بالفرجة على الجيوش التترية وهي تسقط معظم ممالك العالم في وقتهم، وإنما انشغلوا بالصراعات الداخلية بينهم وازداد تفككهم بصورة كبيرة.
وكذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي -ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغرب أفريقيا- مفككاً تماماً بعد سقوط دولة الموحدين.
فكان القسم الشرقي قد أخذه التتار،والغربي والأوسط مفككين

?خامساً: ذاق الأوربيون النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون،وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين،ودمرت كنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديداً بشعاً،ووصل التتار إلى روما عقر دار الكاثوليكية النصرانية في أوروبا

?سادساً: مع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن ملوك النصارى في أوروبا الغربية -في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا- التي لم يدخلها التتار بعد كانوا يرون أن هذه المرحلة مؤقتة وسوف تقف، يعني:لابد أن يقف التتار عن القتال في يوم من الأيام
أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأي زعماء أوروبا وملوكهم حروباً دائمة لا تنتهي،وكان هذا الرأي له مردود على ملوك أوروبا، ومن ثم اعتقد ملوك الصليبيين اعتقاداً جازماً أنهم لابد أن يتعاونوا تعاوناً كاملاً مع التتار ضد المسلمين، بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحت على أيدي التتار
وأما لماذا يعتقد الصليبيون أن حربهم مع المسلمين دائمة وحربهم مع التتار مؤقتة فلأن حربهم حرب عقيدة، والعداء بينهم وبين المسلمين قائم على أساس ديني، فالصراع بينهما أبدي، والنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى، كما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}
[البقرة:١٢٠]،

وأما حروب التتار فلم تكن حروب عقيدة أبداً،فعقيدة التتار كانت عقيدة مشوهة وباهتة جداً، وهي مجموعة من أديان شتى، ولم نسمع عن قائد تتري واحد أنه حاول نشر هذه العقيدة في البلاد المغنومة،وإنما كان كل هدف التتار هو الإبادة والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وغير ذلك من أمور التخريب،ومن كانت هذه صفته فلا يكتب له الاستمرار أبداً
فلذلك وعلى الرغم من الصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تجهيز حملاتها لغزو بلاد المسلمين، واستمرت في تكثيف الجهود لإنشاء العلاقات والمعاملات الدبلوماسية مع التتار

?سابعاً: بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا، وهذا سيكون له مردود مهم بعد وقت،
وسبب هذا التغير العقائدي الذي حصل في جيش التتار كان بسبب زواج عدد كبير من قادة المغول من فتيات نصرانيات أوروبيات، وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبياً في البلاط المغولي،
وقد ساعد هذا على إمكانية أن يتعاون التتار بعد ذلك مع الصليبيين، وأن يجتمع الحقدان الصليبي والتتري على إسقاط الخلافة العباسية وبلاد الشام،وعلى غيرها من الخطوات

?ثامناً: استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام ولم تنقطع، فمع كل هذه المجازر التترية في أوروبا إلا أن المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر لم تنقطع في ذلك الوقت، وقد كانت تحت حكم الأيوبيين في آخر أيامهم، وكان الصراع دائراً بين بعضهم بعضاً، فكان المسلمون واقعون في مثلث خطير،الصليبيون من ناحية والتتار من ناحية،وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة

?تاسعاً: في سنة ٦٤٠ هجرية توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي، وتولى الخلافة العباسية في ذلك الوقت ابنه المستعصم بالله، وكان عمره ٣٠ سنة في ذلك الوقت، وهو الذي سقطت الخلافة العباسية في زمانه،




يتبع ?..
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٣٦ــلقة








?إيقاف التتار لحروبهم التوسعية في عهد ملكهم كيوك بن أوكيتاي ومراسلة النصارى له:

قرر كيوك بن أوكيتاي خاقان التتار الجديد أن يوقف الحملات التوسعية؛ وأن يتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء المملكة الواسعة، وكانت مدة حكمه سبع سنوات من سنة ٦٣٩ إلى سنة ٦٤٦، ولم يدخل التتار في هذه السنوات السبع أي بلد جديد.

لما رأى الصليبيون في غرب أوروبا هذا النهج غير التوسعي عند كيوك تجددت آمالهم في التعاون معهم ضد المسلمين،

فأرسل البابا الكاثوليكي إنوسنت الرابع من روما سفارة برسالة إلى كيوك في منغوليا في سنة ٦٤٣هـ -والمسافة بين روما وقراقورم عاصمة منغوليا ١٢ ألف كيلو متر ذهاباً فقط- يعرض عليه التوحد مع التتار لحرب المسلمين في مصر والشام، ولم يكن من هم هذه السفارة مطلقاً أن ترفع الظلم عن نصارى أوروبا وروسيا، فهذا لم يكن في اعتبار البابا الكاثوليكي بالمرة؛ لأن معظم البلاد الأوروبية وروسيا التي سقطت كانت بلادًا أرثوذكسية،

فلما وصل الوفد الصليبي الكاثوليكي إلى قراقورم سلم رسالة البابا إنوسنت الرابع إلى كيوك بن أوكيتاي خاقان التتار، فلما قرأ كيوك رسالة البابا وجد أن البابا بالإضافة إلى طلبه توحيد العمل العسكري ضد المسلمين فهو يدعوه إلى اعتناق النصرانية، أي: أن البابا إنوسنت الرابع القضية عنده عقائدية، فهو يحارب من أجل مبدأ.

فاعتبر خاقان التتار هذا تعدياً خطيراً من البابا، إذ كيف يطلب من خاقان أعظم دولة في الأرض في ذلك الزمن أن يغير من ديانته؟ مع أن الديانة النصرانية كانت قد بدأت تتغلغل في البلاط المغولي.

فاعتبر هذا تعدياً كبيراً جداً على خاقان التتار، فرد السفارة الصليبية ورفضها إلا أن يأتي أمراء الغرب الأوروبي جميعاً -إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها- إلى منغوليا؛ لتقديم فروض الولاء والطاعة للخاقان التتري، ثم بعد ذلك يتعاونون ويتفاهمون، فرفض ملوك أوروبا هذا الطرح، وبذلك فشلت السفارة الأوروبية الأولى.

لكن البابا الكاثوليكي إنوسنت الرابع لم ييأس، فأخذ يبحث في قواد الجيش التتري في مناطق العالم المختلفة على من عنده رغبة وحمية في غزو العالم الإسلامية، فوجد ضالته في قائد المنطقة الغربية من دولة التتار بيجو الذي هو كان متمركزاً في ذلك الوقت في منطقة أذربيجان وفارس، وكان من أشهر القواد التتريين في سنة ٦٤٥،

فأرسل البابا إنوسنت الرابع رسالة جديدة إلى بيجو في فارس بعد السفارة الأولى بسنتين، وكان عنده حب شديد للعدوان والهجوم، وكان يتوسع في أراضي المسلمين، وتلقى ترحيباً كبيراً جداً من بيجو، وتوقع بيجو أن هجوم الصليبيين على الشام ومصر سوف يشغل المسلمين في هذه المناطق عن الدفاع عن الخلافة العباسية، وبذلك يستطيع أن يتقدم داخل أراضي العراق، ولكنه لم يكن عنده الصلاحيات الكافية لإجراء المعاهدات والمفاوضات مع إنوسنت الرابع أو غيره، فاتصل بـ كيوك، ولكنه كان ما زال على رأيه في عدم التوسع، ومصراً على قدوم ملوك أوروبا إلى قراقورم لتقديم فروض الولاء والطاعة، ففشلت أيضاً هذه السفارة الثانية.

وفي هذا الوقت كان لويس التاسع ملك فرنسا يجهز الحملة الصليبية المشهورة على مصر، والمعروفة بالحملة الصليبية السابعة، وكان متمركزاً في جزيرة قبرص؛ لتجميع الجيوش الفرنسية وغيرها لغزو بلاد الإسلام، وذلك في سنة ٦٤٦ من الهجرة، يعني: بعد سنة من السفارة الصليبية إلى بيجو، ولم ينقطع أمله بعد في التعاون مع التتار،

فأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لـ كيوك يعرض عليه من جديد التعاون، وزود هذه السفارة بالهدايا الثمينة وغيرها، فوصلت هذه السفارة إلى العاصمة التترية قراقورم، فوجدت أن كيوك قد مات سنة ٦٤٦، وتولى الحكم بعده أرملته أوغول قيميش؛ لأن أولاده الثلاثة كانوا صغاراً جداً لا يصلحون للحكم، فتولت الوصاية عليهم، وبالتالي تولت حكم التتار ثلاث سنوات من سنة ٦٤٦هـ إلى سنة ٦٤٩هـ،

فتوجهت السفارة الصليبية الثالثة المرسلة من لويس التاسع إلى ملكة التتار، فاستقبلتها بحفاوة، ولكنها اعتذرت عن إمكانية التعاون مع السفارة الصليبية؛ لأنها مشغولة بالمشاكل الضخمة التي طرأت في مملكة التتار نتيجة موت كيوك،

بالإضافة إلى أن عامة قواد جيوش التتار وقواد المدن لم يكونوا موافقين ببساطة على أن يحكم دولة التتار امرأة، فدولة التتار تعتمد في الأساس على البطش والإجرام والقوة، وكانت الأوضاع غير مستقرة في منغوليا وفي غيرها من البلاد، فمطلوب أن يتولى القيادة رجل حازم، فردت السفارة الصليبية الثالثة وعادت دون نتيجة تذكر.

ومع ذلك أصر لويس التاسع على الحرب وغزا بالفعل مصر ونزل سنة ٦٤٧ في دمياط واحتلها، وبدأت الحملة الصليبية السابعة





يتبع ?..
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه