الفصل الأول:جريمة الزنا<<<أرجو التثبيت

احصائياتى
الردود
4
المشاهدات
957
معلومات درة الأكوان
إنضم
15 ديسمبر 2006
المشاركات
2,387
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
قطر
الفصل الأول:جريمة الزنا<<<أرجو التثبيت
الفصل الأول جريمة الزنا
لقد دعا الإسلام الحنيف إلى الزواج ورغب فيه ؛ لأنه هو أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية وهو الوسيلة المثلى لإخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، وغرس عواطف الحب والود والطيبة، والرحمة والنزاهة، والشرف والإباء، وعزة النفس، ولكي تستطيع هذه السلالة أن تنهض بتبعاتها وتسهم بجهودها في ترقية الحياة وإعلائها، وكما وضع الإسلام الطريقة المثلى لتصريف الغريزة منع في المقابل تصريفها في غير الطريق المشروع، فلذلك حرم الله تعالى مجرد الاقتراب من الزنا لأنه فاحشة وسبيل سيئ فقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [ الإسراء: 32 ].

قال العلماء: " ذلك أبلغ من أن يقول ولا تزنوا فإن معناه لا تدنوا من الزنى "

الفساد الناتج عن الزنا:

وإن ممارسة هذه الجريمة وشيوعها ليترك آثارا وأضرارا تشيب منها الرؤوس وتقشعر منها الأبدان، وأول هذه الأضرار:

1 - تدنيس العرض والشرف ونزع شعار الطهر والعفاف والفضيلة وتلطيخ فاعله بالعار والشنار.

2 - يكسو صاحبه ثوب المقت بين الناس.

3 - يشتت القلب ويمرضه إن لم يمته.

4 - يفسد نظام البيت ويهز كيان الأسرة ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرض الأولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه التشرد والانحراف والجريمة.

5 - وفي الزنا ضياع الأنساب واختلاطها وتمليك الأموال لغير أصحابها عند التوارث، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن يخلط النسب حينما أراد رجل أن يطأ جارية وكانت حاملا فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له، كيف يستخدمه وهو لا يحل له قال ابن القيم - رحمه الله -: " يعني إن استلحقه وشركه في ميراثه لا يحل له لأنه ليس بولده، وإن أخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد " قال: " وفي هذا دلالة ظاهرة على تحريم نكاح الحامل " انتهى.

فإذا كان نكاح الحامل محرما سواء كانت حرة فتزوجها، أو من السبايا فوطأها ؛ فما بالك إذا زاد الطين بلا فزنى، والزاني لا يفتش فيمن يزني بها، وهي إما أن تحمل منه فتدخل على قومها من ليس منهم، وإما أن تكون حاملا فماء الزاني يزيد في ولدها، وإما لا يعلم أمن زوجها الحمل أم من غيره، ومن هنا تختلط الأنساب والنطف.

وفي الحديث: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين

6 - الزنا علاقة مؤقتة لا مسؤولية بعدها، لذا فهي عملية حيوانية بحتة ينأى عنها الإنسان الشريف.

7 - والزنا أحد أسباب جريمة القتل فقد لا يجد الغيور على عرضه وسيلة يغسل بها العار الذي لحقه ولحق أهله إلا سفك الدم.

8 - يحطم المجتمعات ويفكك روابطها ويكثر فيها اللقطاء والضائعون حيثما يولد الولد وهو لا يدري أباه ولا أمه.

9 - الزنا يجلب الهم والحزن والخوف ويجعل الزانية والزاني بين خطرين، فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست رؤوسهم، فإن حملت من الزنا وقتلت ولدها جمعت بين جريمتي الزنا والقتل، وإن أمسكته أضافت إلى زوجها غير ولده.

10 - ظهور الزنا من أمارات خراب العالم، فقد ورد في الصحيحين من خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف أنه قال: يا أمة محمد، والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ثم رفع يديه وقال: اللهم هل بلغت ؟ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: " وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقب صلاة الكسوف سر بديع لمن تأمله، وظهور الزنا من أمارات خراب العالم " إذا تغير حال الشمس وذهاب ضوئها بالكسوف علامة من علامات تغير الحال من الأحسن إلى الأسوأ وقد يكون بسبب المعاصي والذنوب، لذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى في صلاة الكسوف.

11 - الزنا سبب مباشر في الأمراض الخطيرة التي تفتك بالبدن وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء وأبناء الأبناء، وسيأتي تقرير مفصل في نهاية الكتاب عن هذه الأمراض.

12 - الزنا يستجلب غضب الله ويستمطر عذابه، فقد جرت سنة الله تعالى أنه عند ظهور الفواحش يغضب الله سبحانه وتعالى ويشتد غضبه، وفي عصرنا فتح كل باب إلى الفاحشة، وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه، واتبعه العصاة والفجرة ففشا التبرج والسفور وعم انفلات البصر والنظر المحرم إلا من شاء الله، وانتشر الاختلاط وراجت مجلات الخنا وأفلام الدعارة والفحش، وكثر السفر إلى بلاد الفجور والفسق والإلحاد والكفر والعري والإباحية، وقام سوق تجارة الدعارة، وكثر انتهاك الأعراض بالاغتصاب أو بالتراضي، وازداد عدد أولاد الحرام وحالات قتل الأجنة، وهذا كله من دواعي غضب الله تعالى ومقته وعذابه، فإذا غضب سبحانه فإن غضبه لا بد أن يؤثر في الأرض عقوبة، قال عبد الله ابن مسعود: " ما ظهر الزنا في قرية إلا أذن الله بهلاكها ".

13 - كذلك فإن الزنا من الفتنة والبلاء الذي هو من أشراط الساعة، وذلك كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: لأحدثنكم حديثا لا يحدثكموه أحد بعدي سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد

الحيوانات تأبى الزنا وترفضه:

قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [ الإسراء: 32 ].

فأخبر تعالى عن فحش الزنا في نفسه وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر في العقول فحشه، حتى عند كثير من الحيوان.

فلو نظر المرء منا إلى حيوان ضعيف أليف وديع مثل الحمام فإنه يجد أن أنثى الحمام لا تسمح لغير ذكرها أن يعلوها وكذلك لا يسمح ذكرها لغيره أن يمتطيها، بل لا يفكر أصلا أي ذكر أن ينزو على غير أليفته ؛ بما فطره الله عليه فحافظ على هذه الفطرة بلا اختلال، فأين الشهامة يا رجال.. ؟ !

ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال. رأيت في الجاهلية قردا زنى بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا

فليتعلم أهل الإباحة من القرود وسائر الحيوانات إن لم يتعلموا من شرع الله، ليتعظ الذين تأثروا بالغرب وانسلخوا من هويتهم الإسلامية ورأوا في حدود الله وعقوباته - بزعمهم - شيئا من الشدة والقسوة لا تتفق مع روح العصر، وتعارض الحرية الشخصية وخاصة حرية المرأة التي أطلقها الغرب باسم التحرر والمساواة وتحت شعار الديموقراطية التي قررها لها القانون.

إلى هؤلاء الذين جعلوا الزنا حين يكون بالتراضي فلا جناح عليه ولا غبار إلا إذا كان إكراها أو اغتصابا، فالزنا في نظر الغربيين ليس جريمة وإن كان عيبا، فإذا زنى الرجل البكر بامرأة بكر فإن فعلهما ليحس بفاحشة مستلزمة للعقوبة إلا إذا كان ذلك بالإكراه فإنه يعاقب للإكراه بعقوبة خفيفة، وأما إذا زنى بامرأة متزوجة فللزوج أن يطالبه بتعويض مالي لأنه أفسد عليه زوجته.

بئست النظرة وبئست العقيدة وبئس من ساروا وراء الغرب يلهثون خلفهم ويتبعون سننهم حذو القذة بالقذة، شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه خلفهم، وهل بقيت مسحة خير أو حياء أودين فيمن يلهث وراء المفسدين العابثين ويعرض عن شرع العزيز الحكيم ؟

فعل الفواحش سلف ودين:

أرأيت الذي يأتي الفواحش ويطلق العنان لشهواته في بنات الناس وأولادهم ونسائهم يكون في معزل ومأمن من عقوبة الله تعالى له من جنس عمله ؛ فيرتد فعله على أهله وولده ؟ وهو بالطبع آخر من يعلم ثم يصير حديث الناس والمجالس وهو لا يعلم وقد خرب بيته وتنجست أركانه وهو لا يعلم.

فليحافظ المتهور الذي لا يبالي بالعواقب على عرضه وبيته أن يكون نهبة لكل لاهث وهو لا يدري، وصدق الإمام الشافعي - رحمه الله - حين قال:

عفوا تعف نساؤكم في المحرم

وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

إن الزنا دين فإن أقرضته

كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

من يزن يزن به ولو بجداره

إن كنت يا هذا لبيبا فافهم

وهذه قصة حدثت حول هذا المعنى وهي قصة الرجل الساقي مع امرأة الصائغ:

" حكي أن رجلا سقاء بمدينة بخارى كان يحمل الماء إلى دار صائغ مدة ثلاثين سنة، وكان لذلك الصائغ زوجة صالحة في نهاية الحسن والبهاء، فجاء السقاء يوما على عادته وأخذ بيدها وعرها - أي مسها بشهوة - فلما جاء زوجها من السوق قال: ما فعلت اليوم خلاف رضا الله تعالى ؟ فقال: ما صنعت شيئا، فألحت عليه، فقال: جاءت امرأة إلى دكاني وكان عندي سوار فوضعته في ساعدها فأعجبني بياضها فعصرتها، فقالت: الله أكبر هذه حكمة خيانة السقاء اليوم، فقال الصائغ: أيتها المرأة إني تبت فاجعليني في حل فلما كان الغد جاء السقاء وقال يا صاحبة المنزل اجعليني في حل فإن الشيطان قد أضلني، فقالت امض فإن الخطأ لم يكن إلا من الشيخ الذي في الدكان، فإنه لما غير حاله مع الله بمس الأجنبية غير الله حاله معه بمس الأجنبي زوجته "

وقصة أخرى: فلما قيل لبعض الملوك إن الزنى يؤخذ بمثله من ذرية الزاني فأراد تجربته بابنة له وكانت في غاية الحسن فأنزلها مع امرأة وأمرها ألا تمنع أحدا أراد التعرض لها بأي شيء شاء، وأمرها بكشف وجهها، فطافت بها في الأسواق فما مرت على أحد إلا وأطرق حياء وخجلا منها، فلما طافت بها المدينة كلها ولم يمد أحد نظره إليها رجعت إلى دار الملك، فلما أرادت الدخول أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها، فأدخلتها المرأة على الملك وذكرت له القصة فسجد شاكرا وقال: الحمد لله تعالى، ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة لأجنبية وقد قوصصت بها الآن، أي وقع القصاص به في ابنته

والقصة وإن كانت ليست محلا للقدوة - فلو سأل ربه العافية لكان أوسع له - لكنها يؤخذ منها عبرة، فهل يصدق الآن من يزني أن بيته مصاب لا محالة ؟ ! ! ويزداد الأمر قبحا وفحشا إذا استمر الزاني في زناه مع كبر سنه وشيب شعره واقترابه من القبر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر فمن يزكيهم وينظر إليهم بعين الرحمة إذا لم يفعل الله ذلك ؟ ! !

أيها الزاني: هل تعلم لماذا أنت منغمس في الزنا مكثر منه ؟

إنه بسبب موت الغيرة عندك على نسائك فلا تبالي بهن، وأنت قد استغنيت بالأجنبية الحرام عن امرأتك الحلال، فأصبحت ترى امرأتك تتزين ولا حاجة لك بها، ولا تشعر بالإقبال عليها كما تقبل على غيرها، فصارت تتزين هذه المرة ولكن ليس لك، وتخرج من بيتك ليلا ونهارا وتركب مع أي سائق وتذهب إلى حيث لا تعلم أنت، وتدخل على أي خياط وأي طبيب بدعوى العلاج، فهي ترى رجالا أجمل منك وأقوى منك وأحلى كلاما منك، فهذا يحادثها وذاك يسامرها وآخر يغازلها وكثيرا ما تمتد إليها الأيدي الخائنة، وهي ليست حجرا وإنما هي تشتهي من الرجال غيرك مثلما اشتهيته أنت من النساء غيرها، فهل سترد الدين أيها الزاني ؟ !

أيها الزاني ببنات الناس ونسائهم أفتحبه لأمك ؟ أفتحبه لابنتك ؟

أفتحبه لأختك ؟ أفتحبه لعمتك ؟ أفتحبه لخالتك ؟ طبعا لا ! !

فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ولا لبناتهم ولا لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم.

فإذا كنت لا تحبه لقرابتك فلم رضيت أن يزنى بقرابتك بزناك قرابة الناس ؟

إن الزنا دين فإن أقرضته

كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

اقتران الزنا بالشرك:

قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: " ولا أعلم بعد قتل النفس شيئا أعظم من الزنا ". وقد أكد سبحانه حرمته بقوله: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ الفرقان: 68 - 70 ].

فقرن الزنا بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح

اقتران الزاني بالمشركة وبالزانية:

معلوم أن الله تعالى قال:
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [ النور: 3 ].

والمعنى أن الزاني لا ينبغي له أن يتزوج إلا زانية مشركة ولا يقترن بالعفيفة الشريفة الطيبة وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [ النور: 26 ]، فيقع الزاني على من هي مثله وتقع الزانية على من هو مثلها زان أو مشرك، فاقتران الزاني بالمشركة والزانية بالمشرك إشارة إلى عظيم خطر الزنا وكبير ضرره.

قال العلامة الألوسي في قوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً [ النور: 3 ]:

" وفي هذا كله تقبيح أشد تقبيح لأمر الزاني بيان أنه مقابل رصا بالزنا لا يليق أن ينكح العفيفة المؤمنة، والزانية بعد أن رضيت بالزنا لا يليق أن ينكحها إلا من هو مثلها وهو الزاني أو من أشد حالا منها وهو المشرك، فأما المسلم العفيف فأفسد غيرته يأبى ورود جفرتها " 00 اه.

وتجتنب الأسود ورود ماء

إذا كان الكلاب ولغن فيه

حد ‌الزنا وشدة نكاله من بين سائر الحدود:

وقد خص الله سبحانه حد الزنى من بين الحدود بثلاث خصائص:

الأولى: القتل فيه بأشنع القتلات في حالة الزاني المحصن، وعندما يكون جلدا - أي للزاني غير المحصن - فقد جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.

جاء في الصحيحين: أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا ( أجيرا ) على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة ( جارية )، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني ( جلد مائة وتغريب عام ) وأن على امرأة هذا الرجل الرجم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، و اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "، فغدا عليها فاعترفت فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجمت

الثانية: نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن تأخذهم بالزناة رأفة في دين الله عند إقامة الحد، قال تعالى: وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ النور: 2 ].

الثالثة: أنه سبحانه أوجب عليهما الفضيحة رغم أنه تعالى " ستير " يحب الستر وعفو يحب العفو، لكن لقبح الزنا وبشاعته أوجب ذلك ردعا للغير، فأمر أن يكون الحد بمشهد من المؤمنين، ولا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر، وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ النور: 2 ].

وحد الثيب مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط بالإمطار بالحجارة وذلك لاشتراك الزنا واللواط في الفحش، ونعوذ بالله من ذلك.

شدة معاناة المرجوم دليل على عظم ما اقترفت يداه:

انظر هداني الله وإياك إلى حالة من يوضع على سمع الناس وبصرهم يشاهده المقيم والزائر والبر والفاجر، بل ويساهم كل الحضور في التنكيل به، فيحمل كل واحد ما جمع من أحجار ويرمي به ذلك المرجوم في المكان الذي يختاره، ومن رأسه وعينيه التي أبصرت ما حرم الله ورسوله، وأنفه الذي شم عطر الزانية وريحها، وشفتيه التي قبلت شريكته في الفاحشة، وبدنه التي احتضنها وتلذذ بضمها إليه، ويديه التي لمست وتحسست وتلذذت، إن كل هذا البدن وكل هذه الجوارح التي سعدت وتلذذت، ها هي الآن ترجم وتلقى العذاب الأليم، وتستقبل مكان كل قبلة حجرا بلا هوادة ولا رأفة، ولا شفقة أو رحمة.

وها هو الوجه الذي لم يستح من الله وقد بدا الآن شاحب اللون قد استحى أن يواجه الناس خزيا إنه - والله - لمشهد رهيب تشخص إليه العيون، وتخفق منه الأفئدة، إنه الوبال والنكال والعار والشنار وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [ النور: 2 ].

وأنت يا من ستر الله عليك جريمتك حدث نفسك وقل لها: يا نفس أما تستحين، أما تخجلين، وماذا ستقولين لرب العالمين ؟ معيشتك يا نفس على الأرض حرام، طعامك وشرابك وأنفاسك عليك حرام، يا نفس أنت الآن في حكم المقتول الذي حكم عليه بالإعدام لكنه أفلت، فإن كنت قد أفلت يا نفس من الإعدام والفضيحة فماذا ستفعلين أمام من لا تخفى عليه خافية، إن أجل عذابك وفضيحتك إلى يوم تبدو فيه الفضائح والقبائح والمخازي بين الأنام ؟ !

أعظم الزنا وأشده:

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره، فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما ينتهكه من الحرمة، فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب غيره عليه، وغير ذلك من أنواع أذاه، فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل. فإن كان زوجها جارا له، انضاف إلى ذلك سوء الجوار

وقد مر بك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل: أي الذنب أعظم فذكر الشرك ثم القتل ثم الزنا بحليلة الجار، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه

ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأته فإن كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم، فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالصلاة وطلب العلم والجهاد تضاعف الإثم.

حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة ويقال خذ من حسناته ما شئت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما ظنكم ؟ أن يترك له من حسنات قد حكم في أن يأخذ منها ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة حيث لا يترك الأب لابنه ولا الصديق لصديقه حقا يجب عليه.

فإذا اتفق أن تكون المرأة حليلة جاره رحما منه انضم إلى ذلك قطيعة رحمها، فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا، كان الإثم أعظم، فإن كان شيخا كان أعظم إثما وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فإن اقترن وقوعه في شهر حرام، أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم والعقوبة، والله المستعان

جاء في تفسير روح البيان للبروسوي الاستنابولي:

" وأشد الزنى الرجل يطلق امرأته وهو يقيم معها بالحرام ولا يقر عند الناس مخافة الفضيحة فكيف لا يخاف فضيحة الآخرة يوم تبلى السرائر يعني تظهر الأسرار، فاحذر فضيحة ذلك اليوم واجتنب الزنا ولا تصر عليه فإنه لا طاقة لك على عذاب الله. وتب إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [ النساء: 16 ].

زنا المحارم وعقوبته:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من وقع على ذات محرم فاقتلوه

ورفع إلى الحجاج رجل اغتصب أخته على نفسها فقال: احبسوه وسلوا من هاهنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألوا عبد الله بن مطرف فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تخطى حرم المؤمنين فخطوا وسطه بالسيف وفيه دليل على القتل بالتوسيط وهذا دليل مستقل في المسألة وأن من لا يباح وطؤه بحال فحد وطئه القتل، دليله من وقع على أمه أو ابنته، كذلك يقال في وطء ذوات المحارم ووطء من لا يباح له وطؤه بحال، فكان حده القتل كاللوطي.

وقد اتفق المسلمون على أن من زنى بذات محرمه فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني

ومعلوم أن المحارم كل من يحرم على الرجل الزواج منها حرمة أبدية لا يحللها شيء.

هل من توبة ؟

سبحان من يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.

قال العبد المذنب الذليل:

يا رب هل من توبة

تمحو الخطايا والذنوب

قال الله التواب الجليل:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [ طه: 82 ].

وقال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ الفرقان: 70 ].

ولكي يكون الأمر جليا نذكر قصتين عن توبة من ابتلي بالوقوع في هذه الفاحشة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لنرى كيف كانت التوبة فيهما، وهل قبلت أم لا ؟.

أولا: قصة ماعز الأسلمي:

وهي عند أبي داود من طريق نعيم بن هزال قال: كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: أئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ورجاء أن يكون لك مخرج، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم علي كتاب الله وفي لفظ البخاري من حديث أبي هريرة فناداه يا رسول الله إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال يا رسوله الله إني زنيت، فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أبك جنون ؟ " قال: لا يا رسول الله، فقال: " أحصنت ؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " اذهبوا فارجموه وفي حديث ابن عباس عند البخاري أيضا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت وفي رواية أبي هريرة المذكورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله باللفظ الصريح الذي معناه الجماع (... ؟ ) قال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ " قال: نعم، قال: " كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ؟ " قال: نعم، قال: " أتدري ما الزنا ؟ " قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: " فماذا تريد بهذا القول ؟ " قال: تطهرني، فأمر به فرجم وعند أبي داود من حديث جابر بن عبد الله قال: كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه قال - صلى الله عليه وسلم -: فهلا تركتموه وجئتموني به ليستثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما لترك حد فلا.

وفي رواية له أيضا عن أبي هريرة قال: فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقوله أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما - صلى الله عليه وسلم - ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: " أين فلان وفلان " فقالا: نحن ذان يا رسول الله، فقال: " انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار " فقالا: يا نبي الله من يأكل هذا، قال: " فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها

الله أكبر ! ما أجمل التوبة الصادقة النصوح ولو كان ثمنها قتل النفس، وإنها للحظات ثم ينغمس في أنهار الجنة، وصحيح أن الرجم عذاب ولكنه يطهر كما قال ماعز للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ".. فطهرني " فالتطهير في الدنيا يقي عذاب الآخرة وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ القلم: 33 ].

جاء في حديث عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أصاب من ذلك شيئا - أي من السرقة والزنى والقتل وغيره - فعوقب به - أي في الدنيا - فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فهل يدري من مات ولم يحد إلى أي مشيئة سيصير ؟

ثانيا: قصة الغامدية:

وروى مسلم في صحيحه عن بريدة أن امرأة تسمى الغامدية جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إني زنيت فطهرني فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك تردني كما رددت ماعزا ؟ فوالله إني لحبلى، فقال: " إما لا فاذهبي حتى تلدي " فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته، قال: " اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - سبه إياها فقال: " مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت

أيها المسرف على نفسك: أما آن لك أن تتوب فيتوب عليك غفار الذنوب ؟

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
[ الزمر: 53 - 49 ].
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه