ما أكثر ما يشتكي البعض من تعسر السعادة في بيته وما أكثر ما يشعر الناس بهروب السعادة من حياتهم بعد أن كانوا يتملكونها، بل هناك من لا يعرف للسعادة معنى فيظن أن السعادة في المال أو في الجاه أو في السفر الكثير أو في البيوت الفارهة، ولم يخطر بباله أن السعادة الحقيقية بين يديه لكنه لا يراها، فأين هي السعادة الحقيقية التي يتمناها الناس وكيف يحصلون عليها؟ وما أسباب التعاسة التي ترفرف فوق حياة الشكائين وما العلاقة بين مشكلات الحياة وهمومها وبين التعاسة؟
تساؤلات كثيرة أجاب عليها فضيلة الدكتور سلمان بن فهد العودة - الداعية والمشرف العام على موقع الإسلام اليوم - من خلال الحوار الذي اجرته معه مجلة الدعوة حول (قوانين السعادة)، اشتمل الحوار على الكثير من التوجيهات والمعالجات في موضوع السعادة والتي يحتاجها المسلم والمسلمة خاصة في هذا الزمان التي حاصرت فيه الفتن الناس واختلطت فيه مفاهيم السعادة.
السعادة مصدرها القلب:icon26: :icon26: :icon26:
* ما هي السعادة ومن أين تنبع؟
- في دراسة أعدها أحد الأطباء النفسيين على مجموعة من الرجال والنساء لمحاولة فهم تعسر السعادة بين كثير من بني الإنسان وتوصلت الدراسة إلى أن النساء أقدر من الرجال على استيعاب السعادة، وهن أيضا أقدر من الرجال على استيعاب التعاسة، فإذا أتيت للمرأة مقومات السعادة من الصحة والحياة الطيبة والبيت الفسيح والزوج الصالح والذرية، فإنها تكون أكثر سعادة من الرجل، وعلى النقيض من ذلك فإنها إذا حرمت من هذه الأشياء فإنها تتجشم من البؤس والتعاسة والاكتئاب أكثر مما يتجشمه الرجل.
إذن السعادة هي الشعور النفسي بالرضا وهذا المعنى مهم جدا بعد أن اختلفت التفاسير ونظرة الناس إلى السعادة فإذا رضي الإنسان بواقعه حتى لو كان صعبا أو مرا فهو سعيد، وإذا رضي الإنسان بواقع جميل فلا شك أنه سيكون أسعد، لكن إذا سخط الإنسان واقعا طيبا فلن يكون سعيدا وإذا سخط واقعا سيئا فسيكون أكثر شقاء أيضا.. فالسعادة شعور ينبعث من دواخلنا ولا يأتينا من الخارج.. فالمال مثلا ليس هو الذي يصنع السعادة ولكنه بدون شك أحد العوامل التي نستفيد منها حين نكون سعداء، الأهل، الزوج، والزوجة، الولد .. هذه الأشياء لا تصنع لنا بذاتها سعادة ما لم يكن هناك رضا نفسي من الداخل. ونفس الشيء، الموهبة، النجاح، الإنجاز، السفر، الأكل، الشرب، والنوم ما لم يستشعر الإنسان السعادة من داخله فلا قيمة لهذه الأشياء.
فالسعادة مصدرها القلب وليس البنك والرصيد النقدي ولا المعدة، ولهذا كانت السعادة معنى وشعورا خاصا بالإنسان وحده لا يشاركه في ذلك بقية المخلوقات.. فهو معنى مرتبط بالنفس والقلب والشعور التي ميز الله بها الإنسان عما سواه وليس مرتبطا بوجود الأشياء أو الحرمان منه.. فالطاووس مثلا قد يكون في شكله أحسن وأجمل من الإنسان، والورود والزهور والتي تمتلئ الحدائق بروائحها الزكية وألوانها الزاهية هي أجمل أيضا من الإنسان، لكن لا يمكن أن توصف هذه الأشياء والمخلوقات غير الإنسان بأنها سعيدة.
نخلص من هذا أن الأشياء هي عوامل مساعدة لكن لا يمكن أن تجلب السعادة للإنسان.. فالسعادة ليست نزوة عابرة وإنما هي شعور دائم وإحساس نبيل وطويل.
هروب السعادة
* لماذا تهرب منا السعادة وكيف السبيل إلى اللحاق بها؟
- إن الإنسان دائما ما يبحث عن المزيد في هذه الدنيا، المزيد من المال، المزيد من المناصب، المزيد من السعادة والنجاحات، المزيد من الجمال والحسن كما هو عند المرأة بالتحديد، وهذا ما يجعله يقوم بمقارنات بينه وبين الآخرين، فالمرأة على سبيل المثال تجد نفسها تلقائيا تقارن نفسها بالأخريات فتقول الآخرين أسعد مني، أو جيراننا أغنى منا أو زميلتي أجمل مني أو أختي حظيت بأمور أكثر مني، وهكذا نحن نركز على الأشياء المظهرية الشكلية التي نراها بعيوننا ونظن أنها هي مصدر السعادة فقط، ولهذا تهرب منا السعادة بهذه المقارنات، إلى أين تهرب؟ تهرب إلى هذه الأشياء وتختص في هذه الأشياء التي نتحدث عنها حين لا نملكها، وربما إذا ملكنا هذه الأشياء وأصبحت بين أيدينا لم نجد فيها أثرا لتلك السعادة التي كنا نظنها، بل حين نحكم على قلوب الآخرين لأنهم سعداء نجد أننا نحكم على قلوبهم من خلال أمور شكلية.. فنقول فلان أو فلانة طول عمرها - ما شاء الله - تضحك وتبتسم ولم نرها مهمومة أو غاضبة، هذا حكم على المظهر فربما يكون ضحك هذا وهذه أو الابتسامة الظاهرة على الوجه ليس من الضروري أن يكون تعبيرا عن السعادة في داخل الإنسان، فربما يهرب الإنسان بضحكه وابتسامه الدائم من واقع أليم أو معاناة أو مشكلات حياتية.
فالسعادة ليس من الضروري أن تكون في المظهر أو تظهر على شكل الإنسان، وإنما السعادة الحقيقية هي شعور قلبي وجداني تجعلنا نفرح بالأشياء التي من حولنا ونستفيد منها أكثر.
خطأ التعميم في حياتنا
* ما هي الأسباب التي تجعل بعض الناس يميل إلى الشعور بالتعاسة في حياته لأسباب بسيطة؟
- إن من الأخطاء التي ربما تجلب التعاسة للإنسان هذا التعميم على الأمور في حياة الكثيرين خاصة إذا كان التعميم حول الأمور السلبية فقد يستيقظ الرجل في الصباح فيجد ملابسه ليست جاهزة للخروج ثم قد يجد كرسي من كراسي البيت مقلوبا أو مكسورا ثم قد ينظر في الجوال فيجده غير مشحون، وغير ذلك وهذا الشخص نجده ربما يتشاءم من هذه الأمور ويخرج بحكم عام وتعميم سلبي على الحياة، ويقول هكذا هي الحياة لم نجد فيها غير المتاعب والمشكلات والآلام، وهذا التعميم في الحكم ربما أصبح جزءا من شخصيتنا نردده يوما بعد يوم، وهذا التعميم خطأ خاصة إذا كان سلبيا ونتج عنه نظرة متشائمة إلى الحياة.. فالشخص يحكم على اللحظة فقط ولا يحكم على الحياة كلها، فربما أصابه غم أو هم أو وقع في مشكلة فلا يأخذ ذلك على أن كل حياته هكذا لأن هذا الغم أو الهم ربما زال وجاء به راحة واطمئنان والعسر يأتي بعده اليسر إذا تعلق الإنسان بربه ولجأ إليه وسأله حاجته.. ولا بأس أن يعمم الإنسان الحكم إذا كان إيجابيا بمعنى أن يكون متفائلا دائما إذا رأى أمرا أو وقع له أمر واحد يدعو إلى التفاؤل ويكون لسانه حامدا لله وشعوره بالرضا على ما يحدث له وراء سعادته وتفاؤله الدائم، ولنحذر من التعميم السلبي الذي يدمر عوامل المقاومة والبناء في النفس البشرية..
اللسان سبب التعاسة
* يقال إن الإنسان ربما يجلب لنفسه التعاسة أو السعادة بسبب تعابير يتفوه بها كيف يكون ذلك؟
وما علاقة اللسان والكلام في سعادة البعض وتعاسة البعض الآخر؟ اللسان والكلام يؤثران تأثيرا بليغا وكبيرا في حياتنا، فضلا عن تأثيره على آخرتنا.. يقول الله جل وعلا: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: 53]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تقول للسان اتق الله فينا فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا)، يعني الكلام الذي يقوله لسانك ليس كلاما يذهب في الهواء، وليس فقط أنه محسوب عليك يوم القيامة وإن الملكين عن يمينك وعن شمالك يسجلان عليك هذا الكلام وإنما قبل ذلك كله وقبل الحساب في الآخرة فإن هذا الكلام يؤثر في حياتك وواقعك فإذا كان كلاما إيجابيا متفائلا ولد عند الإنسان شعور بالرضا، وإذا كان كلاما سلبيا متشائما حطم ودمر عوامل المقاومة والسعادة عند الإنسان..
وليس أمرا محمودا أن يقول الإنسان كل ما يخطر بباله بل يجب أن نتعود على انتقاء الألفاظ والعبارات وأن نعلم أن كل كلمة رديئة أو قاسية لها ما يقابلها ويتفوق عليها من الكلمات الطيبة الجميلة {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} [إبراهيم: 24].
فالتعود على الكلمة الطيبة واستقبال مشكلات الحياة بالرضا وعدم التذمر والتأفف في كل موقف كل ذلك يساعد على حياة سعيدة طيبة راضية.
التغلب على الهموم
* يشعر الإنسان مهما كانت مكانته بالهم أحيانا ولكن تأثير الهم على المؤمن قد يكون أخف من غيره. ما هو تعليقكم على ذلك؟
- حتى النبي كان في حياته هموم.. كل واحد منا في حياته هموم وفي حياته مشكلات لها حل أو ليس لها حل، بل وفي حياة كل أحد منا اخفاقات ومحاولات فاشلة ومعاناة وآلام حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حياتهم معاناة وآلام وصدود من أقوامهم وسخرية واستهزاء. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب من هم ولا غم ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ولما نزل قول الله جل وعلا: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]. وشق ذلك على المسلمين وسأل أبوبكر - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي بكر: (ألست تحزن ألست تنصب ألست تصيبك الأهواء والهم والغم) إذن فالهم والغم والمعاناة ومشكلات الحياة تصيب أبابكر وعمر بل وتصيب محمدا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه في يوم من الأيام انطلق ومشى مسافة عشرات الكيلومترات على قدميه وهو مهموم لا يحس بما حوله، ومع ذلك فقد ظل صلى الله عليه وسلم عبدا شكورا حتى أنه قال لربه في قمة معاناته وهمه: (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي).
ولكن نلفت هنا إلى أن هموم ذلك القرن وهموم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء هي هموم للدين وللدعوة وليس للدنيا كما يحصل لنا الآن فأكثر ما يهمنا ويغمنا ويكدر حياتنا في العصر هي همومنا الدنيوية وقليل منا من يجعل همه الدين والدعوة وما يحصل للآخرين من أخواننا.
المهم في الأمر ألا نجعل همومنا ومصابنا في هذه الحياة يسيطر علينا ويكدر حياتنا ويحيلها إلى تعاسة على الدوام.
لا تؤجل مشكلاتك!
* يلجأ بعض الأشخاص إلى التهرب من التصدي للمشاكل التي تعترض حياتهم دون الإسراع إلى معالجتها فهل يعني ذلك الرضا بالواقع، أم أن ذلك مصدر لمزيد من البلاء؟
- نصيحتنا هي عدم تأجيل حل المشكلات التي قد يعاني منها المرء. فالتراكم يؤدي إلى تصعيد هذه المشكلات، ولهذا فالمشكلة لا بد أن تحل فورا سواء كانت في البيت أو العمل أو في المدرسة، وإلى جانب حل المشكلة علينا أن ننساها بمجرد حلها، فإن من الخطأ الكبير أن بعض الناس وإن كانوا يعيشون في الحاضر إلا أن عقولهم مرتبطة بالزمن الماضي.. أحد الأشخاص نقل من مؤسسة إلى مؤسسة أخرى وقد أغضبه هذا النقل فظل في المؤسسة الجديدة يكافح ويبذل طاقته وجهده لكي يبدع في المؤسسة الجديدة ليس بهدف الإبداع وحبا في ذلك ولكن لأنه يريد أن يعاقب المؤسسة الأولى ويريدها أن تندم على هذا النقل.. ينبغي أن ننظف قلوبنا أولا بأول ولا نجعلها قلوبا مملوءة بالأشياء الرديئة والمنغصات.. اجعل قلبك كأفئدة الطير خالية نقية وعندما تضع رأسك على وسادتك فلا تحمل حقدا ولا ضغينة لأحد واجعل الصفح والتسامح ونسيان ذنوب الآخرين ديدنك في الحياة تعيش السعادة الحقيقية ومما يساعدك على الشعور بهذه السعادة انظر في نفسك وأصلح عيوبك فربما التعاسة التي تحملها بين جنبيك سببها تصرفاتك أنت، كذلك مما يساعدك على تحقيق السعادة كما قلنا في البداية الشعور بالرضا في هذه الحياة، فالقناعة بما عندك من مال وجمال وحال وأسرة وأولاد أو حتى لو كان هناك حرمان من هذه الأشياء.
الرضا والقناعة نفسها سعادة وبدلا من أن تحصى النعم التي حرمت منها، احصي النعم التي أعطيتها وتأكد أن عطاء الله كله خير سواء كان خيرا أو شرا، وفي الحديث النبوي يقول عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن كل أمره كله خير، إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن). فمن أراد أن يقترب من ربه ويهنأ بالإيمان عليه أولا بطاعته لربه والتزام أوامره والانتهاء عما نهى سبحانه وتعالى.. ثم إن الإنسان لا بد أن يجعل لنفسه أهدافا عليا ومفيدة يحققها وينشغل بالسعي إليها بدلا من أن يعيش مع الأمور والأشياء الصغيرة ويجعل منها أهدافا كبرى وهي في الواقع تنغص عليه حياته ويضيع وقته في ملاحقة أمور سطحية أو أمور لاهية ثم يغضب ويخاصم ويغتم إذا لم تتحقق.. كلما كانت أهدافك راقية وعالية كلما كنت أقرب إلى السعادة.
فاسعد الناس أنفعهم للناس فلا تعش لنفسك وعش للآخرين وقدم الخير والنفع لهم.
- منقول -