هل سيطلع الصباح ؟ هل يطلع ؟ وأنا على قيد الحياة ؟ لم أكن واثقة أبدا . في كل ليلة كنت أستعد للموت والكفن ، لكنه لم يأتي ، فقط يخبرني بأنه قريب بهذه الحمى والألم الذي ينهشني ، يخبرني أنه قريب ، وقريب جدا ، لكن لا يأتي . فقط عندما تريد شيئا لا يحدث . كانت هذه المرة الأولى منذ مراهقتي التي أتمنى فيها الموت . لماذا كل شئ يبدو بلا معنى وسخيفا لدرجة غير معقولة ! أخذت أتذكر كل تلك المرات التي تمنيت فيها الموت في مراهقتي ، كنت شديدة الدلال ، أفهم ذلك الآن . منذ أن تجاوزت المراهقة لم أتمنى الموت أبدا ، في كل سنة أكبر فيها كان يكبر فيها حبي للحياة . كنت ميتة ! هراااااااء ، كنت حية ، وأتمسك بالحياة بشدة . أردت الانتحار ! هرااااااء ، أردت النجاة . عندما كان الموت يقترب كنت أهرب للجهة المقابلة . حب الحياة الغريزي كان يقودني لأن أنجو .
آخر ما يهمني هو هذا الرجل ، أنا أريد أن تعود الحياة ، حياتي . كانت لي حياة ، حياة حقيقية ، وإن لم تكن كما أتمنى وأحلم لكني كنت أمتلكها ، الحياة . كنت أبتسم وأضحك وآكل ، كنت أتنفس الهواء بعمق فأشعر به ، كنت أمر بالأشجار والأزهار فأحييها فترد تحيتي ، كنت أفرح لمرأى طفل ، وأسعد لرؤية الطيور ، وأتلذذ بطعم الشوكولا والآيس كريم ، وأغرق في عالم الكتب فأنسى همومي . لم يكن لدي الكثير من الأصدقاء ، ولم أكن الفتاة الأولى في العائلة ، لكني كنت أقضي وقتا سعيدا مع عائلتي ، ذهبت شقيقتي وأطفالها وأطفالي كما كنت أسميهم لكن بقي هناك الدلوع العسلي وسكرة البيضاء ، هناك ابني الأكبر أيضا ، وشبيهتي فراولة ، والفتى الغامض . لم أكن أمتلك أحلاما كبيرة كما تتمنى أمي ، لكني كنت أمتلك أحلاما تناسبني ، كوخ صغير حميمي ودافئ في جزيرة سرية أمام المحيط ، أنا فقط هناك ، أكتب بلا توقف أو أسير على طول الشاطئ ، أو أنام . كنت أحلم بعائلة ، بزوج محب يتفهمني ، شلة كبيرة من المشاغبين الذين أعاقبهم وأفرحهم بمزاجي .
كانت لدي أحلام ، هوايات ، عائلة ، وأصدقاء ، وأكلات أفضلها . كانت لدي أشيائي التي تسعدني ، كانت ، أقول كانت . الآن لم أعد أمتلك أيا من هذا ، لا ، أنا أمتلكه لكن لا أستطيع التفاعل معه ، أشعر بالشلل والاحتضار طوال الوقت . لا شئ سوى الخواء كمنزل قديم تخلى عنه أصحابه فبات مرتعا للرياح والأشباح ، لا شئ سوى الخواء ، لا شئ . كانت لدي حياة ، عرفت هذا بعد أن خسرتها ، كم من الأشياء يجب أن نخسر لنعرف قيمة ما بين أيدينا ؟! كم من الأشياء سنخسر أيضا بتركيزنا على ما نفتقد لا ما نملك ؟ علمت أيضا بأنني حتى ذلك الوقت لم أكن قابلت سوى رجال لطفاء ، كانوا يستحقون مني الأفضل . كنت طفلة حتى ذلك الوقت ، طفلة يدللها الآخرون ، ولأن الدلال لم يزدني سوى دلالا ، كان لا بد أن أتعلم قيمة ما أملك .
كنت أكثر كبرياء من أطلب العون من الآخرين ، وكنت أكثر خجلا من تقبل العون . كنت خجلى من نفسي ، خجلى منها بدرجة لا تصدق ، أردت أن أتلاشى ، كيف وقعت في هكذا أخطاء ؟ لطالما قسوت على نفسي ، وهذه المرة لم تكن استثناء ، جزء مني رآني أستحق كل ما أوصلت نفسي إليه .
كل يبكي على ليلاه ، لكم هذا صحيح! غروري بكى على غروره ، وكبريائي رثى نفسه ، وضميري ولول على حالته ، عقلي أيضا وقلبي ، كل وقف على قبره ، وأعلن الحداد على نفسه . وأنا ؟ وأنا ؟!! وأنا بقيت لوحدي ، لم يكن مسموحا لي حتى بأن أعلن الحداد فأنا من أوصلت الجميع إلى نهايته ، الجميع قاضاني وحكم علي ونظر إلي بشراسة .
الرحمة ...