(إنما أشكو بثي و حزني إلى الله )
***
وكانت من أخي يا أمي !
أخي الذي ما قصر يوماً في حقي ، الذي أكرمني أيّما إكرام ..!
أخي .. المفقود !
أخي .. الذي يعلم أن لا أحد لي من البشر غيره !
أخي الذي حمّله أبي كل شؤوني .. و تركني له !
و كأن أبي إذ كُلِمَ بفقدكِ .. آلى أن يدرّبنا على فقده قبل فقده !
أخي .. و بيننا اثنتي عشر عاماً .. أو تزيد !
و كنت طفلته !
كم دندنت عنده و قرب أذنيه : أريد عمرة !!
و كم قال أبشري ،
ثم يتبعها بخفض صوت: يجيب الله مطر !
***
و تلك الليلة لا أنساها يا أمي ..
_ و هي ليلة من ليااال _
و على مائدة السحور قلت و أنا أنظر إليه :
" ياااااااااا رب يسر لي عمرة !
ترى إذا تيسرت لك عمرة بروح معك ! "
نظرت زوجته إليه ، و نظر إليها في صمت .. و أكملوا طعامهم ..
و أصبح الصباح ..
قمت .. لإعداد شئ من الفطور ،
استغربت الركود في المنزل و أنا التي أصبحتُ يا أمي أسكن عندهم ..
لم أرها ، لم أره ..
مر اليوم ..
تأخر الوقت و اقترب الأذان .. طرقت بابهم !
حينها أخبرني والدي على استحياء أنهم ذهبوا ..
للعمرة !!!!
تجمّدت ملامحي..
و ألجمت !
***
توالت الاتصالات و الرسائل
منه و من زوجته التي عددتها يوماً ما .. أختي .. بل و أكثر !
_تلك التي عاملتها كما لم أعامل أحداً .. تلك التي قرّبتها و أقصيت الغير_
توالت رسائلهم و كأن شيئاً لم يكن !
ما استطعت الرد !
اجتاحني صمت قاتل ..
كل ما أذكره أن جسدي كان يرتجف يرتجف يرتجف
حتى اسناني كانت تصطك ببعضها
و كل شئ فيّ تحجّر !
استمرت هذه الحالة يوماً كاملا
قضيتها في الصلاة ،
يا رب ، مصدومة ،
مقهورة ، مكسورة !
***
أمي . . أنت تعرفينني ..
و تعرفين أني مذ حياتك و أنا ما طلبت إلا حاجاتي الأساسية ..
رفاهيتي ألبيها لنفسي و ليس لأحد منهم يد فيها ..
و دلّلت نفسي إذ لم يدلّلني سواك .. بعيداً منهم !
و عشت عالمي الخاص باستقلال عنهم ..!
ما خرجت معهم إلا إن عزموا عليّ ..
و ما سألتهم عن شئ إلا إن أخبروني ..!
ما تعرّضت لحياتهم قط يا أمي ..!!
فمالذي جرى ؟!
لم أحزن على العمرة ..أبداً .. لأنها لو قدّرت لي لتيسرت ..
حزنت منه هو ، لأنه أخي حزنت !
لأنه عزوتي حزنت !
لأنه كل ناسي حزنت!
لأنه المتكفل بي حزنت و حزنت و حزنت !
أ َستكثر عليّ السلام !
أ َستـثـقل وجودي لهذه الدرجة ؟!
هل كان صعباً أن يواجهني بما يريد ؟
أن يقول لي سأذهب أنا و زوجتي و لا أريد أحداً معنا ..
أو أخشى تعبك ،أو أخشى عليك من الزحام ، أو لا إمكانية لدي لتحمّل مسؤوليتك ، أو .... لأي مبرر كان ؟!
هل كان صعباً فعل هذا ؟
هل كان مضطراً حقاً لأن يتسلل خلسة
كوالد خشي أن يلحقه ابنه الصغير
فاستخفى منه و مضى ؟!
لقد هـمّـشني يا أمي .. و رحل دون التفات ....
إنه لا يريدني ، لا يريدني يا أمي ..
هو لا يريدني باختصار !
***
و لقد طُحنت يا أمي ..
تفـتّـتُّ ، تهشمت ، سُحقتُ تماماً ..!
و أنا أبدي أن الأمر لا يعنيني ، و أني أحيا حياة طبيعية !
و أني لا أحتاج أحداً .. بل ماكأن الذي جرى شيئاً ...!
أضحك علناً ، و أبكي في الخفاء !
زارني الجميع تلك الأيام ..
يأتون كالمعزين يا أمي ..
" الله أبقى لك ، الله بيعوضك ، الله بيرزقك "
يدسّونها مع حديثهم ليلتقطها قلبي خلسة!
لا أدري لمَ حزن الكل لأجلي ..
أ كنت مثيرة للشفقة لهذا الحد ؟!
***
و عادوا ..
هه عادوا يا أمي عادوا ..
ابتسمت لهم ، و اكتفيت بابتسام ،
تيبست كل التعابير سوى ذلك يا أمي .. و لم يبق لي منها شئ !
أتعلمين .. أجدني أضحك في داخلي ، كم كان تفكيرهم ضئيلاً !!
وكم كانت حركتهم تشي بـ " مبزرة" محترمة ..!
ليتك رأيت وجهيهما يا أمي ..
و هم يُغْضُون الطرف ،
ويبتسمون ابتسامة من فعل شيئاً يتوجّس منه خيفة منتظراً ردّة الفعل عليه ! ..
ليتك رأيت ما رأيت ،
لم يستطيعوا التحديق في عيني يا أمي ، و قد كنت ابتسم !!
ههه أعطاني أخي مالاً ، ظن أنها ترضيني !
و ما زلت أبتسم !
كانوا ينتظرون ردّة فعل مني .. أي شئ .. أي شئ ..
فما و جدوا إلا ثغراً يتلألأ ..!
جاءني يا أمي أكثر من مرة ، يسألني: ما بك؟
و أجيبه أن لا شئ !!!
ثم إنه أقـرّ بفعله ،، فقال : ألا تعرفينني ؟
قلت : مشكلتي أني أعرفك ......
***
لكني يا أمي ما استطعت احتمال الكبت ..
فمرضت ..!
مرضت بسببه يا أمي مرضت ..
كاد أن يقتلني ..!
لأني ما توقعتها منه ..
ما توقعتها يا أمي ...
ما توقعتها .....
***
و قالت لي زوجته يوماً ، أمامه :
أنتِ أصلاً تحسديننا !!
أنتَ_ وتوجه الكلام لأخي_لهالدرجة طيّب مافهمت نظراتها ، ما فهمت حركاتها و دقها بالكلام من يوم اعتمرنا !
قلت بابتسامة :
ما كان ذلك لي بشأن ، و لكني أشفق عليكم مما ستلقون غداً ....
الحياة أمامكم ، و كلٌّ سيجد ما قدّم فيها ، و الدَّيْن لا بد أن يُردّ !
و أمّا فضل الله فأوسع من أن تبخلوا به عليّ : )
العجيب يا أمي أن أخي ذهب يشكوني لأبي ، و أني أسأت لزوجته ، و أني أحتاج لتأديب!!
و قد أدّبني أبي ..
أبي الحنوووون أدبني يا أمي _لفظياً_أمامها ..
وقال كلاماً ما قاله لي و لا لأحد طيلة حياته وحياتي ،
عنّفني أمامها ، أمااااامها ،و لأجلها ،..و هي تستمع ، و تستمتع !
يحق لها ، حصلت على ماتريد !
ثم إني ضحكت !
و أضحك جداً ....
***
أمي ..
قد رأى الله كل شئ ..
لذا أنا في أحسن حال ..
فـ ربي معي ..
{ لا يضل ربي و لا ينسى }
***
و للدنيا وجه قبيح ..
تمحو بشاعته لذة الوجه الجميل منها ....
يتبع .....