? سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٩٤ــلقة






?معالجة قطز لتردد الأمراء عن الجهاد:

لقد سلك قطز طريقين من أعظم طرق التربية ومن أبلغ وسائل التحميس والتحفيز على عمل قد يستصعبه كثير من الناس لينزع الخوف والرهبة من القلوب، وليقنع قادة جيشه بأمر يعتقدونه مستحيلاً.

?التربية بالقدوة

الطريق الأول: طريق التريبة بالقدوة، ففعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل،

فقال لهم في شجاعة وعزم: أنا ألقى التتار بنفسي، فـ قطز رحمه الله الذي يجلس على عرش الدولة العظيمة مصر، والذي لم يستمتع أو يستفد بعد من كرسيه ومنصبه، والذي ما زالت أمامه الحياة طويلة، فهو ما زال شاباً سيخرج بنفسه للقاء التتار وللجهاد وللموت في سبيل الله، ولن يرسل جيشاً لمقابلة التتار، ويبقى هو في قصره الآمن في القاهرة، بل سيتحمل مع شعبه ما يتحمل، وسيعاني مع جيشه ما يعاني.

ولو أنه أرسل جيشاً وبقي هو في القاهرة لما لامه أحد، فهو قائد المسلمين، والآمال معقودة عليه، ولو مات فقد ينفرط عقد الأمة، ولكن قطز لم يجد وسيلة أفضل من هذه الوسيلة؛ لتحميس القلوب الخائفة، ولتثبيت الأفئدة المضطربة،

كما أنه كان يشتاق إلى الجهاد وإلى الشهادة والجنة، وهو لن يموت قبل الموعد الذي حدده الله عز وجل له، فلقد فقه عملياً ما أدركه كل المسلمين نظرياً، وهو أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها،

ولكن مَنْ مِنَ المسلمين يعيش واقع حياته فعلاً بهذا المفهوم الذي عرفه نظرياً؟ فالناس عادة يتصارعون دائماً لأجل زيادة الرزق والعمر، ولكن الذي لا يعرفه كثير من الناس أن الشجاعة لا تقلل أبداً من الأرزاق، ولا تقصر مطلقاً من الأعمار، وأن الجبن لا يكثر من المال المقسوم للإنسان، ولا يخلده أبداً في الحياة.

فقه قطز رحمه الله هذه الحقيقة الرائعة، وفقه كذلك أن الحياة بعزة ولو ساعة خير من البقاء أبد الدهر في ذل وهوان،

فلما رأى الأمراء قطز رحمه الله الأمير الممكن الذي يجلس على العرش يقول: أنا ألقى التتار بنفسي، تحركت الحمية في قلوبهم، وتحمسوا حماسة كبيرة جداً، وهذا هو فعل القدوة، فقد تحركت الحمية في قلوب الأمراء، وقاموا جميعاً يوافقون قطز رحمه الله على لقاء التتار.

والقائد مهما قام بجولات بين جنوده وقواده وشعبه يحمسهم ويشجعهم، وهم يعلمون أنه عند الضوائق والشدائد لن يخرج معهم، بل سيتركهم ويؤمن نفسه وأحبابه فقط، فإن هذه الجولات والخطب لا تؤثر شيئاً مطلقاً في الناس.

وقد تحدثنا قبل ذلك عن محمد بن خوارزم وعن ابنه جلال الدين بن خوارزم وغيرهما من الزعامات التافهة، وكيف كانوا يتكلمون ويخطبون ويتحمسون، ثم عند اللقاء هم أول من يفر.

إذاً: هذه كانت أول طريقة استخدمها قطز رحمه الله في تحفيز الناس وتحميسهم على القتال في سبيل الله، وهذه هي التربية بالقدوة.



يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold




الحـ٩٥ــلقة








?تعظيم غاية الإنسان وهدفه في الحياة:

الطريق الثاني الذي اتخذه قطز رحمه الله: هو التذكير بعظم الهدف الذي من أجله خلق الإنسان، وبنبل الغاية التي من أجلها يعيش على الأرض، فارتفع بنفوس الناس من مطامعهم المادية البحتة إلى آفاق عالية جداً، وكان يربط كل عمل يعملونه بإرضاء الله عز وجل وبنصرة الدين.

وإذا عظم كل واحد منا أمر الإسلام في قلبه، فإنه سيستصغر أي تضحية في سبيل نصرة هذا الدين، وهذه من أبلغ وسائل التحميس والتحفيز، تعظيم الغاية والهدف إلى أقصى درجة، فيصبح جهادنا واستعدادنا وحركتنا نوعاً من العبادة لله رب العالمين فـ قطز لم يحفزهم لاتباع شخص معين، ولم يحفزهم بقومية مصرية أو عربية أو غيرها، ولم يحفزهم حتى بحب البقاء في هذه الحياة، والدفاع عن النفس ضد الموت، بل إنه حفزهم على الموت.

وشتان يا إخواني! بين من يجاهد وهو حريص على أن يموت، ومن يجاهد وهو حريص على ألا يموت.

واسمعوا ما قال قطز للأمراء المسلمين في هذا الاجتماع الخطير، قال لهم في صراحة: (يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه).

أي: أنا لن أحاسبكم أو أراقبكم، إنما الذي سيراقبكم ويحاسبكم هو الله عز وجل.

ثم قال: وخطيئة حريم المسلمين -فهو يحرك في قلوبهم النخوة- في رقاب المتأخرين عن القتال).
وهذا كلام في منتهى الدقة والروعة، فالقضية بوضوح قضية إيمان، وإذا علمت أن الله عز وجل مراقب لك وخالفت، فإن وبال ذلك عليك، ورسول الله لم يكره منافقاً على الخروج معه للقتال أبداً، بل كان يترك الأمر على السعة، فالذي يريد يخرج يخرج، والذي لا يريد أن يخرج لا يخرج، بل في غزوة تبوك ذكر له أن رجلاً تخلف، فقال: (دعوه، فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه).

وهكذا فعل قطز رحمه الله، فمن أراد أن يخرج للجهاد في سبيل الله فليفعل، ومن أراد النكوص على عقبيه والركون إلى الدنيا، فليعلم أن الله مطلع عليه، وليعلم أن حرمات المسلمين والمسلمات التي تنتهك في رقبته.

وهنا شيء مهم جداً، ولا يخفى علينا الإشارة المهمة التي ذكرها قطز رحمه الله من أن هؤلاء الأمراء والوزراء قد عاشوا سنوات يأكلون من بيت مال المسلمين، بل ويكثرون من الأكل والجمع، حتى فقدت وظائفهم كل معنى، ولم يبق لها إلا معنى واحد، وهو استغلال المنصب إلى أقصى درجة لزيادة الثروة من الحلال وغير الحلال على السواء، ولم يعد الوزير يعتقد أنه موظف عند الشعب، وليس سيداً عليهم أبداً، وأن له حقوقاً كما أن عليه واجبات، وأنه مسئول ومحاسب من الله عز وجل ومن شعبه على كل خطوة، وعلى كل درهم ودينار.

فكانت هذه الكلمات من قطز رحمه الله إلى كل وزير وأمير تهدف إلى أيقاظ الضمير وإحياء الأمانة، وكشفت هذه الكلمات الوزراء أمام أنفسهم.

ثم تحركت المشاعر بصورة أكبر وأكبر في صدر قطز رحمه الله، حتى وقف يخطب في الأمراء وهو يبكي ويقول: يا أمراء المسلمين! من للإسلام إن لم نكن نحن.

وهذه كلمة رائعة هائلة، تصلح أن تكون منهجاً للحياة، إذا قالها كل مسلم فلن تسقط أمة الإسلام أبداً، فأحياناً ينتظر المسلم أن يأتي النصر من مسلمين آخرين، وينتظر أن يتحرك للإسلام فلان أو غيره، وقليلاً ما يفكر هو في التحرك،

بل كثيراً ما يقوم بعملية تحليل وتعليق على أفعال وأقوال العاملين للإسلام، وهو لا يتحرك، وينتظر أن يخرج صلاح أو خالد أو قطز أو القعقاع من بيت جاره أو من بلد آخر، ولا يفترض أن يخرجوا من بيته هو شخصياً، فلماذا لا يكون هو صلاح الدين الأيوبي أو يوسف بن تاشفين أو نور الدين محمود الشهيد؟ وهؤلاء لا يزيدون ولا يقلون عن البشر شيئاً، إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل، وساروا في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونحن معنا كتاب الله عز وجل ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم، فلماذا ننتظر أن يكون التغيير من غيرنا وليس منا، فمن للإسلام إن لم نكن نحن؟ وقعت هذه الكلمات في قلوب الأمراء فضجوا جميعاً بالبكاء، وخشعت قلوبهم، ومن خشع قلبه فيرجى منه الخير كله، فقام بعض الأمراء وتكلموا بخير، وقام البقية يعلنون موافقتهم على الجهاد، وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن.

وهكذا نجح قطز في خطوة هي من أصعب وأعظم خطوات حياته، ومن أصعب القرارات فعلاً، فهو قرار الجهاد، وأعلنت مصر الحرب على التتار، فكان هذا القرار من أخطر القرارات في تاريخ مصر مطلقاً، وهو قرار لا ينفع أن يرجع فيه القائد أو الجيش أو الشعب.



يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ٩٦ــلقة






?قتل قطز لرسل التتار:

كان قطز رحمه الله يعلم أن قلوب الأمراء وافقت تحت تأثير القدوة والتذكير بالله وبالواجب نحو الإسلام، ومن الممكن لهذه القلوب أن تتردد أو تخاف، فأراد رحمه الله أن يفعل أمراً يقطع به خط الرجعة تماماً على الأمراء، ويقطع به الأمل في الاستسلام، ولا يبقي أمامهم غير الخيار العسكري فقط، فقرر بعد أن استشار مجلسه العسكري أن يقتل رسل هولاكو الأربعة الذين جاءوا بالرسالة التهديدية، وأن يعلق رءوسهم على باب زويلة في القاهرة؛ حتى يراها أكبر عدد من المسلمين في مصر، وكان يرمي بذلك إلى طمأنة الشعب بأن قائدهم لا يخاف التتار، ويرفع من معنويات الشعب بذلك، والإعلان للتتار أنهم قادمون على قوم يختلفون كثيراً عن الأقوام الذين قابلوهم من قبل، ولا شك أن هذا سيؤثر سلباً على التتار، ويلقي في قلوبهم ولو شيئاً من الرعب أو التردد،

وكان الهدف الأكبر من قتل هؤلاء الرسل الأربعة هو قطع التفكير في أي حل سلمي للقضية، والاستعداد الكامل والجاد للجهاد بعد قتل الرسل الأربعة، فلن يقبل التتار استسلام مصر حتى لو قبل بذلك المسلمون، فقد انتهت القضية، وأصبحت الحرب معلنة تماماً، كان هذا هو اجتهاد قطز رحمه الله والأمراء.



?حكم قتل الرسل في الإسلام:

لنا وقفة مع هذا الحدث، فأنا لا أدري حقيقة ما هو السند الشرعي لـ قطز رحمه الله في عملية القتل للرسل، وأرى أن هذا الفعل كان هفوة وخطأ من قطز رحمه الله ومن معه من الأمراء، فالرسل في الإسلام لا تقتل، لا رسل المسلمين، ولا رسل الكفار، ولا حتى رسل المرتدين عن الإسلام.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: (جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي ﷺ فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟)

وقد كانا مسلمين وارتدا مع مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، فقال رسول الله: (أتشهدان أني رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما.

قال: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل)
رواه الإمام أحمد والحاكم وأبو داود والنسائي رحمهم الله جميعاً،

وفي رواية لـ أحمد وأبي داود عن نعيم بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما).

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه القيم (نيل الأوطار): هذان الحديثان حديث عبد الله بن مسعود وحديث نعيم بن مسعود رضي الله عنهما يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار، وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين.
إذاً: فالحكم الشرعي في الإسلام أن الرسل لا تقتل.

ولا أدري ما هو دليل قطز الشرعي على قتل هؤلاء الرسل، ولا أدري لماذا سكت العلماء في زمانه عن هذه القضية، أو لعلهم تكلموا ولم يصل إلينا قولهم، ولعل قطز رحمه الله اجتهد في أن التتار قد هتكوا كل الأعراف والقوانين والمواثيق فقتلوا النساء والأطفال والشيوخ غير المقاتلين، وبأعداد لا تحصى، فقد قتلوا في بغداد وحدها مليون مسلم قبل سنتين فقط، وهذا من غير المدن التي سبقت أو لحقت ببغداد، ولعله اجتهد هذا الاجتهاد بعد أن أساء الرسل الأدب معه، وأغلظوا له في القول وتكبروا عليه، ولعل هذا كان اجتهاده وإن كنت أقول: إننا لا يجب أبداً أن نجر إلى أخلاق الكفار.

فإذا قتل الكفار أطفال المسلمين مثلاً فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوا أطفال الكفار بحجة العقاب بالمثل، وإذا قتل الكفار النساء المسلمات وهتكوا أعراضهن، فليس هذا مبرراً أبداً لقتل النساء الكافرات غير المقاتلات وهتك أعراضهن، فهتك العرض غير مقبول سواء للمقاتلة أو غير المقاتلة.

وإذا خان الكفار العهد فلا يجوز للمسلمين خيانة عهودهم، وعلى نفس الوتيرة لا يقتل المسلمون الرسل، ولا الكفار الذين أخذوا أماناً من المسلمين، وكل هذا ليبقى دين الإسلام نقياً خالصاً غير مختلط بسلبيات القوانين الوضعية، وليظل المثل الإسلامي الرفيع والخلق الإسلامي العالي وسيلة باقية لدعوة شعوب الأرض إلى هذا الدين الرائع دين الإسلام.

لكل ما سبق فإني أعتبر أن ما حدث من قطز رحمه الله والأمراء في هذه الخطوة هفوة وخطأ في الاجتهاد، ولا بد لكل إنسان مهما عظم قدره أن يكون له أخطاء إلا الأنبياء المعصومين، ويكفي المرء فخراً أن تعد معايبه.




يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٩٧ــلقة






?تجهيز الجيش لقتال التتار:

بعد هذا الاجتماع الخطير والقرار الصعب وقتل الرسل بدأ قطز رحمه الله في التجهيز السريع للجيش، فقد اقتربت جداً لحظة المواجهة، ووصلت الرسالة إلى التتار بأن المسلمين في مصر سيقاتلونهم حتماً، ولا مهرب من القتال.

إن قطز تولى الحكم في (٢٤) من ذي القعدة سنة (٦٥٧) من الهجرة، ورسالة هولاكو جاءته قبل أن يغادر هولاكو أرض الشام عائداً إلى منغوليا، بعد وفاة زعيم التتار منكو خان وبعد سقوط حلب بقليل وقبل سقوط دمشق، ثم فتح دمشق كتبغانوين، وحلب سقطت في صفر سنة (٦٥٨ هـ)، ودمشق سقطت في ربيع أول (٦٥٨ هـ

يعني: أن الرسالة وصلت لـ قطز رحمه الله إما في آخر صفر أو في أول ربيع الأول، يعني: بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه الحكم رحمه الله.

فكل هذه الترتيبات والخطوات التي عملها قطز رحمه الله لم تستغرق إلا ثلاثة أشهر فقط، فكل المشاكل التي قابلها وحلها أخذت منه ثلاثة أشهر فقط، وهذه المشاكل تحتاج إلى سنوات، بل إلى عقود كاملة حتى يتم حلها على الوجه الأمثل، ولكنه استعان بالله عز وجل، وبدأ يتعامل بحمية ونشاط مع المشكلة تلو الأخرى، وكان الهدف في ذهنه واضحاًَ جداً، فلا بد من القضاء على هذه القوة الهمجية -قوة التتار-، وتحرير كل بلاد المسلمين.

إذاً: فكل ما قلناه في الدرس الماضي: من استقرار الوضع الداخلي، وتوحيد الصف، وعفوه عن المماليك البحرية، واستقدامه لهم من بلاد الشام وتركيا وغيرها، ومراسلة أمراء الأيوبيين، وتجميع الجيش، وتجهيز الشعب لقضية الجهاد في سبيل الله، وتحميس الأمراء كل هذا المجهود كان في ثلاثة أشهر فقط.

?المشكلة المالية في تجهيز الجيش وحلها
ظهرت لـ قطز مشكلة جديدة ضخمة فوق كل المشاكل التي فاتت، وهي المشكلة الاقتصادية، فلا بد من تجهيز الجيش المسلم وإعداد التموين، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار، وهذه أمور ضخمة جداً، وكانت تمر بالبلاد أزمة اقتصادية طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية، فالتتار على الأبواب في غزة، على بعد (٣٥) كيلو متر فقط من سيناء.

وأما كيف عالج قطز المشكلة الاقتصادية الكبيرة، ووفر المال لتجهيز الجيش الكبير وبناء الحصون والقلاع والسلاح، وتوفير المؤن والذخيرة للشعب الذي قد يحاصر من التتار حصاراً طويلاً،

فقد عقد رحمه الله مجلساً استشارياً، وكان كل شيء بشورى في حياته رحمه الله، ودعا إلى هذا المجلس كبار القادة والأمراء والعلماء والفقهاء،

وكان على رأس العلماء( الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله)، وبدءوا جميعاً يفكرون في حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بالبلاد، وكيفية توفير الدعم لهذا الجيش الكبير الخارج لملاقاة التتار،

ففتح قطز رحمه الله الكلام، واقترح فرض ضرائب على الشعب للإنفاق على الجيش الذي سيخرج للجهاد في سبيل الله، ولكن هذا القرار كان يحتاج إلى فتوى شرعية؛ لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة، ولا تدفع إلا بشروط خاصة معروفة، وأما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة ومؤقتة جداً، ولا بد من وجود سند شرعي يبيح ذلك، وإلا صارت هذه الضرائب مكوساً، وفارضها بغير حق عقابه عند الله عز وجل أليم جداً،

فقد روى الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مكس)، أي: فارض الضرائب.

ولما زنت المرأة الغامدية ورجمت بالحجارة بعد أن اعترفت بالزنا لتطهر نفسها من الذنب، قال رسول الله معظماً من شأن توبتها: (فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له).
وهذا الحديث في صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا فيه تقبيح شديد جداً لعملية فرض الضرائب، إن فرضت بغير حق وصرفت في غير حق.

يقول الإمام النووي رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: إن المكس -الضرائب- من أقبح المعاصي، ومن الذنوب الموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.

فـ قطز رحمه الله اقترح فرض الضرائب للقضية الكبيرة جداً، قضية الجهاد في سبيل الله، ومع أن الغاية نبيلة والمال مطلوب لتجهيز الجيش للقتال في سبيل الله، ومقاتلة التتار أعتى قوة في الأرض في ذلك الزمن، إلا أنه ينتظر رأي العلماء في هذه القضية.



يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ٩٨ــلقة






?فتوى الشيخ العز بن عبد السلام حول اقتراح قطز بفرض الضرائب على الشعب:

كان للشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله تحفظ خطير على قرار فرض ضرائب على الشعب لتجهيز الجيش، ولم يوافق عليه إلا بشرطين عسيرين جداً،

فقال رحمه الله: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم يعني: كل العالم الإسلامي وجب عليه أن يقاتل العدو؛ لأنه احتل بلداً من بلاد المسلمين، فتعين الجهاد عند ذلك، ولم يصبح فرض كفاية، ولكن أصبح فرض عين.

ثم يقول: وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم -يعني: فوق الزكاة- بشرطين:
?الشرط الأول: ألا يبقى في بيت المال شيء، فإذا استنفذت أموال الدولة وفنيت في تجهيز الجيش جاز فرض الضرائب بالقدر الذي يسمح فقط بتجهيز الجيش لا أكثر من ذلك.

?الشرط الثاني: أن تبيعوا ما لكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.
وهذه فتوى في منتهى الجرأة، يقولها أمام سلطان مصر وأمرائها ووزرائها.

وهذه الفتوى وإن كانت عجيبة في جرأتها فاستجابة قطز رحمه الله كانت أعجب من الفتوى، فقد قبل رحمه الله كلام الشيخ العز بن عبد السلام ببساطة، فبدأ بنفسه فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك فانصاع الجميع، وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية من أموال الوزراء والأمراء، وما احتاجوا أن يفرضوا ضرائب على الشعب.

واكتشف المسلمون في مصر اكتشافاً عجيباً، اكتشفوا أن مصر غنية جداً، وأن البلد ليس فقيراً، بل فيه أموال هائلة برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فقد امتلأت جيوب كثير من الوزراء والأمراء بأموال البلد الهائلة، وأصبحت ثروات بعضهم تساوي ميزانيات بعض الدول، وتكفي لسداد الديون المتراكمة على البلد، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وإصلاح الوضع الاقتصادي، ومع ذلك كانوا يحتفظون بهذه الأموال، فأصبحت البلاد ضعيفة وفقيرة مع غناها وعظم مصادرها.

وللأسف الشديد فإن كثيراً من هذه الأموال الطائلة دخلت جيوب الأمراء والوزراء بطرق غير مشروعة، وبغير وجه حق، فهذا يختلس، وهذا يرتشي، وهذا يظلم، وهذا يأخذ نسبة، وهذا ينفق في سفه، وهذا يعطي من لا يستحق، وهكذا بُددت أموال الدولة العظيمة مصر وأصبحت دولة فقيرة نامية، بينما إمكانياتها تسمح لها بأن تكون من دول الصدارة.

فجاء قطز رحمه الله فغير كل هذه الأوضاع، وبدأ رحمه الله في عملية تنظيف منظمة للبلد، تنظيف الأيدي والقلوب.

فاصطلح القائد مع شعبه أخيراً بعد سنوات من القطيعة بين الحكام والشعوب، فكانت النتيجة تجهيز جيش عظيم مهيب، غايته نبيلة، وأمواله حلال، ودعاء الناس له مستفيض، وإعداده جيد، وكيف لا يُنصر جيش مثل هذا؟! فمعادلة النصر في الإسلام ليست صعبة، بل تقول: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].
ونصر الله عز وجل لا يكون إلا بتطبيق شرعه.

فالجيش المسلم الذي يخالف قاعدة شرعية لا يمكن أن ينصره الله عز وجل، فالأمر واضح جداً، والبداية بيد المسلمين، انصروا الله عز وجل ينصركم الله عز وجل، وهكذا جُهّز الجيش المصري المسلم، وأعد إعداداً عظيماً وبأموال حلال.


?وجهات نظر قطز والأمراء حول الخروج لحرب التتار في فلسطين:

جاء وقت إعداد الخطة، ووضع تحركات الجيش المسلم، فاجتمع قطز كالمعتاد مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وأفضل الظروف التي تحقق الانتصار عليهم،

وقام قطز رحمه الله بإلقاء البيان الذي يوضح فيه الخطة العسكرية التي يراها، وبمجرد أن ألقى برأيه قام المجلس ولم يقعد، وأحدث رأيه دوياً هائلاً في المجلس العسكري،

فقد أراد قطز رحمه الله أن يخرج بجيشه لمقابلة جيش التتار في فلسطين، وألا ينتظر في مصر حتى يأتي التتار، واعترض أغلب الأمراء على ذلك، وأرادوا بقاء قطز في مصر ليدافع عنها، فمصر في رأي الأمراء هي مملكته، أما فلسطين فهي مملكة أخرى.

فنظر الأمراء إلى القضية نظرة قومية بحتة، بمعنى أنه لو لم يدخل التتار مصر فإننا نكون قد تجنبنا لقاءً دموياً هائلاً، أما إذا ذهبنا نحن إليهم فلا خيار حينئذ في المعركة، بل لا بد أن نقاتل، فقد ذهبنا إليهم بأرجلنا.



يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ٩٩ــلقة






?نظرة قطز رحمه الله في مواجهة التتار خارج مصر:

كانت نظرة قطز رحمه الله أوسع من نظرة الأمراء، وبدأ رحمه الله يناقش الأمراء، ويشرح لهم مزايا خطته، وأبعاد نظرته، وأهداف الحرب في رأيه، ومهمة الجيش في اعتقاده، وأفهمهم رحمه الله حقائق غابت ولمدة سنوات طويلة جداً عن أذهان الكثيرين منهم، ومن هذه الحقائق مثلاً:

?أولاً: أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه، وإلا فكيف يأمن المصريون على أنفسهم وإلى جوارهم في فلسطين دولة قوية معادية: التتار أو غيرهم؟!

فالعقل يؤكد أنه من المتوقع جداً أن تنتهز هذه الدولة المعادية أي فرصة ضعف، وتجتاح مصر من شرقها، وستأخذ سيناء في أيام معدودات، ثم تهدد مصر في عمقها، فلا بد إذن من إضعاف الجيش المعادي الرابض في فلسطين، إما بقتاله هناك، أو على الأقل بمساعدة من يقاتلونه هناك.
هذا هو التفكير العقلي والمنطقي حتى دون الدخول في حديث الشرع والدين الآن.

?ثانياً: من الأفضل عسكرياً أن ينقل قطز المعركة إلى ميدان خصمه؛ لأن ذلك سوف يؤثر سلباً على نفوس أعدائه، كما أنه سيجعل له خط رجعة إذا حدثت هزيمة للجيش المسلم، فلو غلب في فلسطين فعنده فرصة للرجوع إلىمصر، ولو غلب في مصر فسيفتح الطريق إلى القاهرة لا محالة، وستسقط البلاد بكاملها.

?ثالثاً: من الأفضل عسكرياً كذلك أن يمتلك المسلمون عنصر المفاجأة، ويختارون هم ميعاد ومكان المعركة بدلاً من أن يختار العدو ذلك، وعنصر المفاجأة هذا ليس للقيمة العسكرية فقط، بل له قيمة معنوية عالية جداً، فالهزيمة النفسية ستكون كبيرة جداً في صف الفريق الذي يفاجأ بالقتال، ولم يعد له العدة الكافية.

?رابعاً: أن على المسلمين في مصر دوراً هاماً جداً ناحية إخوانهم المسلمين في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وأفغانستان وأذربيجان والشيشان، وفي كل المناطق التي ابتليت بالتتار،

فلا يستقيم أبداً أن تُقام المذابح للمسلمين في هذه البلاد وتُنتهك الحرمات وتُهدم الديار ولا يتحرك المسلمون في مصر، فحركة المسلمين في مصر لنجدة إخوانهم في فلسطين وغيرها ليست فضلاً أو نافلة أبداً، وإنما هي فرض عليهم،

وليست فرض كفاية إنما فرض عين؛ لأن العدو قد دهم فعلاً أرض فلسطين فتعيّن القتال على أهلها لدفعه، فإن لم يكفِ أهلها للقتال تعيّن القتال على من جاورهم من الأقطار الإسلامية، يعني: مصر والأقطار الأخرى لها، سوريا والأردن ولبنان وغيره، فإن لم يكفِ أهل مصر والأقطار الأخرى تعيّن على الأقطار الأبعد، وهكذا وهكذا حتى لو احتاج القتال لكل مسلم على وجه الأرض.

فالقضية في منتهى الخطورة، فانتهاك حرمات المسلمين في بلد ما، وسكوت المسلمين في البلاد الأخرى عن هذا الانتهاك جريمة كبرى، ومخالفة شرعية هائلة، ولذلك قرر قطز رحمه الله الخروج لنجدة أهل فلسطين وسوريا وغيرها حتى لو لم يفكر التتار أصلاً في غزو مصر، وهذا هو التفكير الشرعي السليم الذي كان عند قطز رحمه الله، والذي أيده بعد ذلك علماء مصر عندما قال هذا الرأي.

?خامساً: أن على المسلمين دوراً ناحية التتار أنفسهم، فهم إن رفضوا الإسلام أو الجزية وجب على المسلمين قتالهم، ثم إن التتار ليسوا في بلادهم، وإنما هم الآن في بلاد المسلمين، فوجود التتار بهذه المعتقدات الفاسدة والحروب الهمجية يمثل فتنة كبيرة جداً في الأرض، ولا بد للمسلمين أن يقمعوا هذه الفتنة، ودور المسلمين في الأرض أكبر بكثير جداً من مجرد تأمين حدود القطر الذي يعيشون فيه، فإن عليهم نشر هذا الدين في ربوع الدنيا كلها، وعليهم أن يعلموا الناس الإسلام، ويأخذوا بأيديهم في كل بقعة من بقاع الأرض إلى الله عز وجل.

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
[آل عمران:١١٠].

فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتم على قطز رحمه الله وعلى جيش مصر وشعبها أن يقاتلوا التتار وغيرهم ممن أفسد في الأرض.

وهكذا اقتنع الحضور في هذا المجلس العسكري الكبير بحجة قطز رحمه الله، وبأهمية القتال في أرض فلسطين وليس في أرض مصر، وبدءوا بالفعل في تجهيز الجيش وإعداده لعبور سيناء ولقاء التتار في فلسطين.



يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ١٠٠ــلقة







?توعية الشعب المصري بالجهاد في سبيل الله:

بدأت حملة إعلامية تربوية في غاية الأهمية، حملة ليست للقادة والجيش فقط بل للشعب بكامله، فلا بد أن يجهز الشعب لهذا اللقاء الهام،

ولا بد أن يعيش الشعب حياة الجد والكفاح ويترك حياة اللهو واللعب، ولا بد أن يحب الشعب الجهاد وتتضح في عينه الأهداف، ولا بد أن يقوم بالحملة الإعلامية رجال مخلصون، وليس بعض المنافقين الذين يتحدثون عن الجهاد، ويشرحون مآسي المسلمين في قطر ما لمصلحة سياسية مؤقتة، فإذا انقضت هذه المصلحة انقطع الوازع وانقطع معه الكلام عن الجهاد والحرب،

فهؤلاء الخطباء المنافقون وهذه الأقلام المأجورة لا تصلح لهذه المهمات النبيلة، لذلك كان لا بد أن يحمل مسئولية الدعاية الإعلامية لحرب التتار علماء الأمة وفقهاؤها.

فانطلق الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله ومن معه من علماء الأمة يصعدون منابر المساجد، ويلهبون مشاعر الناس بحديث الجهاد -وما أجمل حديث الجهاد! -،

ورغّبوا الناس في الجنة، وزهّدوهم في الدنيا، وعظّموا لهم أجر الشهداء، وحدثوهم عن عظماء المسلمين المجاهدين كـ خالد والقعقاع والزبير والنعمان وطارق بن زياد وموسى بن نصير ويوسف بن تاشفين وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي،

وذكّروهم بأيام الله، كيوم بدر والأحزاب وفتح مكة، واليرموك والقادسية ونهاوند، وذكّروهم بموقعة حطين الخالدة التي لم يمضِ عليها إلا (٧٥) عاماً، وبموقعتي المنصورة وفارسكور اللتين لم يمض عليهما سوى عشر سنين.

فاشتعل الحماس في قلوب الشعب، فلا بد من تأهيل الشعب لهذا اليوم، وأن يُربى الأطفال والشباب على حب الموت في سبيل الله، وعلى تعظيم أمر الجهاد، وعلى حب الجنة، ولا بد أن يُربى الآباء والأمهات على أن يشجعوا أبناءهم على الجهاد، لا على أن يبعدوا أبناءهم عن كل ما يسبب المشاكل كما يقول الناس، ولا على أن يبعدوهم عما يهدد الروح ولو كان الدين.

ولابد أن تُربى الزوجات على حياة الجهاد، فتحفز الزوجة زوجها على الخروج للجهاد في سبيل الله، وترعى أولادها حق الرعاية في غياب زوجها، وتُربى على استقبال خبر الشهادة بصبر واحتساب، بل وبفرح، فلقد صعد الشهيد من أرض الموقعة إلى الجنة مباشرة، وهذا يدعو للفرح.

وإعداد الشعب ليوم الجهاد مهمة عظيمة، وليست سهلة أو بسيطة أبداً، بل هي صعبة جداً، وتحتاج إلى مجهود كبير وإلى مناهج مكثفة وإخلاص عميق ووقت طويل، وبدون هذا التأهيل لن يصبر الشعب على حياة الجهاد، والحروب والحصار.

والأمر في غاية الجدّية، فليس هناك وقت للترفيه ولا للّعب ولا للمزاح، وليس معنى هذا أن الترفيه واللعب والمزاح بالضوابط الشرعية حرام، لا، ولكن حياة الأمة المجاهدة تختلف عن حياة غيرها من الأمم، فهي أمة جادة فيها شيء من الترفيه، ولسنا أمة لاهية فيها شيء من الجد.

وهذه التربية المركزة جداً تحتاج إلى تغيير جذري في كيان الشعب وفي طريقة تفكيره، وهذا يحتاج إلى مربين من نوع خاص، ولابد من تفعيل دور العلماء للقيام بهذا الواجب العظيم.

وانطلق علماء الأزهر ليقوموا بمهمتهم النبيلة جداً، فقد فقه علماء الأزهر أن عملهم بالأزهر ليس مجرد وظيفة تدر دخلاً لمجابهة متطلبات الحياة، ولا لمجرد الظهور في المحافل المختلفة، ولا لإرضاء حاكم أو أمير، وإنما هي لتعبيد الناس لرب العالمين، وبالطريقة التي أرادها رب العالمين.

فانطلقوا يقومون بالدور الذي طالما قاموا به منذ أن أقر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله المذهب السني في مصر، وهو الدور الذي قاموا به أيام الحملات الصليبية والتتار، والذي قاموا به بعد ذلك في معارك المسلمين اللاحقة مع الصليبيين، ومع الحملة الفرنسية على مصر، ومع الاحتلال الإنجليزي لمصر، ومع الاحتلال اليهودي لها.

ونسأل الله عز وجل أن يضع أقدام علماء الأزهر على الطريق الصحيح لقيادة الأمة في قضاياها الحرجة، وفي مواقفها الخطيرة.

وأصبح شعب مصر مؤهلاً تماماً ليوم اللقاء، واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر، من شهر ربيع الأول سنة (٦٥٨) هجرية عندما جاءت الرسالة من هولاكو إلى نهاية شهر رجب من نفس السنة.




يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold




الحـ١٠١ــلقة







?مشكلة وجود الإمارات الصليبية في طريق الحرب مع التتار وحلها:

في أثناء إعداد هذا الجيش وفي هذه الشهور الخمسة ظهرت أيضاً مشكلة جديدة أمام قطز رحمه الله، فقد كانت المشاكل كثيرة جداً، فالجهاد صعب.

وهذه المشكلة هي أن هناك أجزاء ليست بالقليلة من فلسطين ولبنان وسوريا، وبالذات على ساحل البحر الأبيض المتوسط محتلة من قبل الصليبيين،
فقد كان هناك إمارات صليبية في عكا وحيفا وصيدا وصور وبيروت واللاذقية وأنطاكية وغيرها وغيرها

وكانت أقوى هذه الإمارات مطلقاً هي إمارة عكا في فلسطين، وهي تقع في طريق قطز إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين، ففكر قطز بالآتي:

?أولا: الصليبيون أعداء الأمة كما أن التتار أعداؤها، بل إن الصليبيين أشد خطراً على الإسلام من التتار، لأن حروب التتار حروباً همجية، ليست لها جذور ولا أهداف ولا قواعد، بل لمجرد التدمير، لا لشيء غيره

وأما المشروع الصليبي في أرض الإسلام فهو مشروع مختلف، فالصليبيون يحاربون المسلمين حرباً عقائدية، والكراهية شديدة في قلوبهم للمسلمين، وتخطيطهم هو لحرب الإسلام نفسه، فهم يحاربون الإسلام لذات الإسلام، وأما التتار فهم يحاربون أي بشر وأي حضارة.

والمشروع الصليبي مع أنه يحارب الإسلام لذاته، فهو يهدف إلى الاستيطان في بلاد المسلمين، وإحلال النصارى مكان سكان البلد المسلمين الأصليين، سواء في فلسطين أو في سوريا أو في لبنان أو في غيرها، وشتان بين احتلال الشعوب واحتلال الجيوش، فالجيوش التترية ستغادر البلاد في المستقبل لا محالة

وأما الشعوب الصليبية المستوطنة فقد جاءت لتعيش في هذا المكان، فكون الصليبيين يحاربون من منطلق عقائدي، ويحاربون ليستوطنوا البلاد ويعيشون فيها يجعل خطورتهم أكبر من خطورة التتار
مع أن الحروب التترية في ظاهر الأمر أشد فتكاً وأكثر تدميراً من حروب الصليبيين، فكلاهما مر، فـ قطز يعلم أن الصليبيين أعداؤه كما أن التتار أعداؤه، ولا بد أن يوضع هذا في الحسبان.

?ثانياً: تاريخ التعاون الصليبي مع التتري قديم، فالتتار رغبوا في بلاد المسلمين عن طريق الصليبيين من أيام جنكيزخان، والنصارى الصليبيون هم الذين ساعدوا هولاكو في إسقاط بغداد ومدن الشام، وما تحالف التتار مع الأرمن والكرج وأنطاكية ببعيد، وقد رأينا كل ذلك، ومن المحتمل جداً أن يصل التتار إلى تحالف إستراتيجي خطير مع الصليبيين في الإمارات الصليبية في فلسطين والشام،وهذه نقطة ثانية مهمة جداً.

?ثالثاً: مع كون هذا التحالف الصليبي التتري أمر وارد، إلا أن قطز كان يعلم أن الصليبيين في عكا يكرهون التتار أيضا كما يكرهون المسلمين، وهم لا يكرهونهم فقط، بل يخافون منهم كذلك؛ لأنهم لا عهد لهم، وممكن أن يتفقوا اليوم على شيء وغداً يخالفونه، ومذابح التتار الجماعية مشهورة، وفظائعهم في شرق أوروبا وفي روسيا النصرانية كثيرة جداً ولا تنسى، وأعداد النصارى الذين قتلوا على أيدي التتار لا تحصى

هذا كله بالإضافة إلى الحقد الصليبي الرهيب على هولاكو؛ لأنه فرض بطريركاً أرثوذكسياً يونانياً على كنائس أنطاكية الكاثوليكية الإيطالية في سابقة لم تحدث قبل ذلك أبداً، وكل الناس يعرفون العداء المستحكم بين الأرثوذوكس والكاثوليك، ونصارى عكا كانوا من الكاثوليك المتعصبين جداً، ولا يتصورون أن يحدث ذلك في أنطاكية فضلاً عن أن يحدث في عكا نفسها.
كل هذه الخلفيات كانت تجعل الصليبيين في عكا يتوجسون خيفة من التتار، ويعاملونهم في حذر شديد، ففكر قطز بأن التتار قد يتحالفون مع الصليبيين، ولكن الصليبيون في عكا لن يرغبوا في التحالف مع التتار إلا إذا أرغموا على ذلك، فلو أراد أن يعاهدهم فمن الممكن أن يسبق التتار
?رابعاً: أن الصليبيين في ذلك الوقت في سنة (٦٥٨) هجرية يعانون من ضعف شديد.
فعكا وإن كانت هي أقوى الإمارات الصليبية في ذلك الوقت، إلا أنها كانت تعاني من ضعف شديد منذ هزيمة المنصورة سنة (٦٤٨) هجرية، ومنذ رحيل لويس التاسع ملك فرنسا إلى بلده، وقتل عدد كبير جداً من الجنود الصليبيين في هذه المعركة، وأسر كل الجيش الباقي،
فمنذ كل هذه الأحداث والصليبيون في تدهور مستمر، وهناك هبوط كبير جداً في إمكانيات ومعنويات الجيش الصليبي في عكا، وكان قطز يعلم أنه وإن كان يتعامل مع عدو شديد الكراهية، لكنه عدو ليس شديد القوة بل ضعيف

?خامساً: إن إمارة عكا إمارة حصينة جداً، وهي أحصن مدينة على الإطلاق في الشام وفلسطين، وقد استولى عليها النصارى سنة (٤٩٢) هجرية، يعني: قبل (١٦٦) سنة، ومنذ ذلك التاريخ والقواد المسلمون بما فيهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يفشلون دائماً في فتحها،فكان قطز يعلم أن فتح المدينة صعب جداً، حتى وإن كانت الإمارة في أشد حالات ضعفها،وجد قطز أفضل الحلول عقد هدنة سلام مؤقتة مع الصليبيين ،وتم ذالك





يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ١٠٢ــلقة







?هروب المتخاذلين من الجيش المصري:

برغم كل هذا الإعداد المادي والدبلوماسي والمعنوي والاقتصادي لهذا الجيش، وبرغم التحفيز العظيم الذي قام به العلماء لحث الناس على الجهاد، إلا أنه كان هناك بعض المسلمين الضعفاء، لم يصدقوا أن القتال أصبح أمراً واقعاً،

وهؤلاء هم ضعفاء القلب لا ضعفاء البدن، فطوال هذه الفترة السابقة كان هؤلاء الضعفاء يعتقدون أن هذه مجرد نفرة حماسية، وسوف تهدأ الأمور بعدها، ولم يصدقوا أنه سيكون هناك قتال مع التتار، وكانوا يعتقدون أن هذه مجرد كلمات تقال من قطز كعادة الزعماء في الضحك على شعوبهم؛ لمجرد التنفيس عن الضغوط؛ لكي لا يحدث انفجار، ولم يعتقدوا أبداً أن قطز رحمه الله يعد العدة الحقيقية للقتال،

فلما اقتربت ساعة الصفر وعلموا أن القتال حقيقياً وقريباً تزعزعت قلوبهم، وبدءا يفكرون في الهرب من الجيش، وهرب بعضهم فعلاً، واختبأ عن أعين المراقبين, بل إن منهم من خرج بالكلية من مصر ليهرب إلى قطر آخر، فمنهم من هرب إلى الحجاز، ومنهم من هرب إلى اليمن, بل إن منهم من وصل في هروبه إلى بلاد المغرب.

وبعض المحللين يعتقد أن ذلك خسارة، وأن الجيش فقد بعضاً من عناصره الهامة، أو أنه على الأقل سيصبح قليلاً في أعين الأعداء، لكن كان الخير كل الخير في هروب هؤلاء في هذه اللحظات الحقيقية في القتال، والله عز وجل يصعب أحياناً جداً من أمر اللقاء قبل أن يحدث؛ حتى ينقي الصف المسلم، فلا يخرج إلى القتال إلا من ينوي أن يثبت في أرض القتال

وأما ماذا كان سيحدث لو خرج هؤلاء المتذبذبون في جيش المسلمين؟ فقد وضح الله عز وجل ذلك في سورة التوبة، فقال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ}
[التوبة:٤٧]،
أي: هؤلاء المتذبذبون المنافقون،
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}
[التوبة:٤٧].

فهؤلاء المذبذبون لو خرجوا في الجيش المسلم لأضعفوا قوته، ولبثوا فيه الاضطراب والقلق، وتارة يفعلون ذلك عن غير عمد بخوفهم وجبنهم، وتارة عن عمد بغية إثارة الفتنة، والمشكلة الكبرى كما قال ربنا في كتابه:
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}
[التوبة:٤٧].

أي: أن بعض المسلمين الصادقين سيستمعون لهم، وسيتشككون، وسيقتنعون بكلامهم، وهذه مصيبة كبيرة جداً.

ولذلك كان خروج هؤلاء من الصف في هذا الوقت المبكر مصلحة عظيمة جداً للجيش المسلم، وبذلك طهر الجيش المسلم وأصبح نقياً خالصاً، فكل من خرج إلى عين جالوت كان يعلم أنه سيلقى التتار، ويتمنى أن يموت شهيداً في سبيل الله.


?تجمع الجيش المصري واستعداده للخروج لجهاد التتار:

بدأ تجمع الجيش المسلم في معسكر الانطلاق في منطقة الصالحية في المحافظة الشرقية الآن، وهي منطقة صحراوية واسعة، تستوعب الفرق العسكرية الضخمة التي تأتي من كل مكان، وكانت نقطة انطلاق للجيوش المصرية المتجهة إلى الشرق.

وتجمعت الفرق العسكرية من معسكرات التدريب المنتشرة في القاهرة والمدن الكبرى، ثم أعطى قطز رحمه الله إشارة البدء والتحرك في اتجاه فلسطين.

ترى كيف عبر الجيش المسلم سيناء؟ وماذا فعل في أرض فلسطين؟ وما موقف الصليبيين في عكا؟ ثم ماذا حدث مع التتار في الموقعة الهائلة عين جالوت؟
وما هي تفصيلات المعركة؟ وما هي خطة قطز رحمه الله؟ وما هو رد فعل التتار؟ وما هي نتيجة هذه الموقعة الخالدة؟






يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

المحـ١٠ـاضرة





عين جالوت



عين جالوت من أعظم معارك الإسلام الخالدة، فقد حررت بلاد الإسلام من التتار، وقضت على الجيش الذي اجتاج نصف الكرة الأرضية، وسفك دماء الملايين، وأعادت للمسلمين هيبتهم، وهي خير دليل على أن تمسك المسلمين بدينهم بصدق، وعودتهم إلى ربهم عز وجل مفتاح نصرهم وإن قل عددهم وعدتهم.





?اهم العنواين الرئيسية :

-خروج الجيش المصري إلى غزة

-موقعة غزة
-فلسطين أرض الانتصارات
-أهمية الانتصار في موقعة غزة
-تأكيد الهدنة بين المسلمين والصليبين

-رعب كتبغا من المسلمين
-توجه الجيش الإسلامي إلى عين جالوت
-التحاق المتطوعين بالجيش الإسلامي
-رسول صارم الدين أيبك إلى المسلمين
-أحداث ليلة ويوم
٢٥رمضان ٦٥٨هجري
-نزول مقدمة الجيش الإسلامي
-دور فرقة الطبول العسكرية الإسلامية
-بداية معركة عين جالوت
-سحب التتار إلى داخل السهل

-محاصرة جيش التتار
-تراجع الجناح الأيسر للجيش الإسلامي
-مقتل قائد التتار
-هزيمة التتار وهروبهم
-معركة بيسان وإبادة التتار
-قطز رحمه الله في ميزان الإسلام

 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ١٠٣ــلقة







?خروج الجيش المصري إلى غزة:

في المحاضرة السابقة تحدثنا على القرار الجريء الذي أخذه قطز بالجهاد والقتال ضد التتار، وعن قراره الأصعب وهو الجهاد في فلسطين، وكيف بدأ بالفعل في تجميع الجيوش في منطقة الصالحية بمحافظة الشرقية، وأخذ فعلاً قرار التحرك إلى فلسطين

وهذا التحرك كان في أوائل شعبان سنة (٦٥٨هـ)
الموافق شهر يوليو سنة (١٢٦٠م)أي:
أن هذا التحرك كان في أشد شهور السنة حراً، فكان السفر من الصالحية باتجاه الشمال الشرقي إلى سيناء، ثم سلوك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط حتى غزة شديد المشقة، لأن الجيش سيخترق الصحراء الشرقية في مصر، ثم يخترق صحراء سيناء بكاملها حتى يصل إلى غزة،

ومع ذلك صبر الجيش المجاهد،وتذكر الجميع غزوة تبوك وما صاحبها من صعوبات شديدة الشبه بما يصاحب هذه الموقعة

فالمسلمون في تبوك كونهم في الحر، والأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بالمدينة، وقطع المسافة الصحراوية الطويلة كانوا ذاهبين لقتال قوة هائلة من قوى الأرض في ذلك الزمن، وهي قوة الرومان،

وفي هذه المرة كذلك قطع المسلمون المسافة الطويلة في هذا الحر،وفي هذه الأزمة الاقتصادية؛ ليقابلوا جيشاً هائلاً كذلك هو جيش التتار،والتاريخ يكرر نفسه،غير أن المسلمين في تبوك لم يجدوا الرومان في انتظارهم،فلم تتم المعركة، وأما في موقفنا هذا فالتتار كانوا في الانتظار، وستتم الموقعة كما تعلمون

تحرك قطز وقد رتب جيشه الترتيب الذي سيقاتل به لو حدث قتال،وذلك حتى إذا فاجأه أحد جيوش التتار كان مستعداً للقتال

فوضع رحمه الله على مقدمة جيشه ركن الدين بيبرس القائد العسكري الفذ؛ ليكون أول من يصطدم بالتتار، وقطز كان يهدف من ذلك أن يجعل الفرقة الأولى التي تصطدم بالتتار على رأسها قائد عسكري فذ، حتى تُحدث هذه الفرقة نصراً ولو جزئياً، وهذا النصر وإن كان صغيراً إلا أنه سوف يرفع من معنويات الجيش المسلم لا شك
ولذلك جعل أقوى فرق الجيش هي الفرقة الأمامية الأولى التي تتقدم الجيش،وليس هذا فقط،

بل وأيضاً فصل المقدمة تماماً عن بقية الجيش، وجعل المقدمة على مسافة طويلة من الجيش بحيث إذا كانت هناك عيون للجيش التتري تراقب خط سير الجيش المسلم، فستكتشف المقدمة فقط وتظن أنها هي كل الجيش المسلم، وبذلك يستطيع قطز أن يخفي بقية الجيش ويناور به ويحاور ويختبئ، ويفعل خططاً قد لا تخطر على بال التتار




?موقعة غزة:

اجتاز ركن الدين بيبرس الحدود المصرية في (٢٦) يوليو سنة (١٢٦٠م) ودخل فلسطين، وكان بقية الجيش المسلم لا يزال في الطريق، وبمجرد دخول المقدمة الإسلامية أرض فلسطين، اجتازت بسرعة رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا جداً من غزة

ورآهم التتار هناك بعد أن اكتشفت عيونهم هذه المقدمة، وحدث ما توقعه قطز، ظنوا أن المقدمة هي كل الجيش، والتقت الحامية التترية التي كانت في غزة مع مقدمة الجيش المسلم في موقعة غزة،

كانت مقدمة الجيش المسلم مقدمة قوية والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، والجيش التتري الرئيسي معسكر على مسافة بعيدة جداً، على مسافة حوالي (٣٠٠) كيلو متر من غزة في سهل البقاع في لبنان،وكانت كل الحسابات تعطي فرصة كبيرة للجيش المسلم أن يحقق انتصاراً ولو بسيطاً

وبالفعل انتصر ركن الدين بيبرس بمن معه من الجنود على الحامية التترية الصغيرة وقتلوا منها بعضها، وفر الباقون إلى الشمال؛ليخبروا《 كتبغا
الذي يعسكر في سهل البقاع بالهزيمة النسبية التي وقعت للحامية التترية في غزة، ويخبرونه كذلك أن الجيوش الإسلامية تتقدم في اتجاه الشمال.
الحامية التترية في غزة فوجئت بالجيش المسلم، وكانت مفاجئة كبيرة جداً لهذه الحامية، ولم تكن المفاجأة مفاجأة المباغتة أو الخطة العسكرية، وإنما كانت المفاجأة الحقيقية أن التتار اكتشفوا أن هناك طائفة من المسلمين ما زالت تقاتل وتحمل السيوف،وتدافع عن دينها وعن أرضها وعن شرفها
وكان قد ألِف التتار في كل السنوات السابقة أن يروا المسلمين يفرون،و زعماء المسلمين يطلبون دائماً التحالف المخزي، وما توقعوا أبداً أن تظل هناك طائفة مسلمة تدافع عن دينها وحقها
ولكن هذه الأمة مهما ضعفت فإنها لن تموت، ومهما ركع منها رجال فسيظل منها آخرون يدافعون عنها ما بقيت الحياة،واسمعوا هذا الحديث الجميل الذي رواه الإمام مسلم عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله:(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق،لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله)وستظل هذه الطائفة موجودة إلى يوم القيامة
وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله عن أبي أمامة رضي الله عنه زاد زيادة هامة جداً، فقد سأل بعض الصحابة عن هذه الطائفة فقالوا:(أين هم يا رسول الله؟ قال:ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)





يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ١٠٤ــلقة







?فلسطين أرض الانتصارات:

مع أن الذين قاتلوا في غزة ثم بعد ذلك في عين جالوت لم يكن معظمهم من أهل بيت المقدس ولا من أهل فلسطين، إلا أن الله جعل هذا المكان الطاهر فلسطين موطناً لانتصارات متكررة للمسلمين، وانظروا التاريخ، فقد تكون هناك هنات وسقطات، ولكن حتماً ما يكون هناك قيام، وكثيراً ما يكون القيام على أرض فلسطين، مهما اشتدت الأزمة بالمسلمين
فعلى أرض فلسطين وما حولها من أرض الشام وجّهت ضربات إسلامية موجعة للإمبراطورية الرومانية،في أجنادين وبيسان واليرموك وغيرها.
وعلى أرض فلسطين وما حولها وجّهت ضربات إسلامية موجعة للصليبيين في حطين وطبرية وبيت المقدس
وعلى أرض فلسطين وجّهت ضربات إسلامية موجعة للتتار في غزة ثم في عين جالوت ثم في بيسان
وعلى أرض فلسطين وجّهت ضربات إسلامية موجعة لبقايا الصليبيين بعد ذلك في عكا وعسقلان وحيفا
وعلى أرض فلسطين وجّهت ضربات إسلامية موجعة للفرنسيين في عكا
وعلى أرض فلسطين وجّهت كذلك ضربات إسلامية موجعة للإنجليز في الثورات المختلفة، وأشهرها ثورة (١٩٣٦م) التي استمرت قرابة أربع سنوات
وعلى أرض فلسطين وجّهت وما زالت توجه ضربات إسلامية موجعة لليهود،وسيكون هلاك اليهود بإذن الله على هذه الأرض،
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله:(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)


?أهمية الانتصار في موقعة غزة:

انتصر المسلمون على التتار في غزة، وهذا الانتصار كان انتصاراً جزئياً أو مرحلياً،وبعض المؤرخين يقللون جداً من شأن معركة غزة، حتى يتغافلها تماماً بعضهم
وأنا في الحقيقة أرى أنها من أهم المواقع الحربية في تاريخ المسلمين، ليس لكثرة قتلى التتار، فقد كان القتلى قليلين جداً،ولا لأهمية غزة الإستراتيجية في ذلك الوقت،ولكن لأنها أساساً عالجت الهزيمة النفسية عند المسلمين، فالمسلمون رأوا بأعينهم أن التتار يفرون،وسقطت المقولة التي انتشرت في تلك الآونة:من قال لك:إن التتار يهزمون فلاتصدقه
فالآن من الممكن أن تصدقه، وهذه أول مرة يهزم فيها التتار منذ سنين طويلة، فموقعة غزة كان لها أثر إيجابي هائل على الجيش المسلم، وكذلك كان لها أثر سلبي هائل على جيش التتار،
فعلى المسلمين ألا يستصغروا أبداً أي عمل من الأعمال،فلا يستصغر مسلم أن تلقى حجارة على يهودي فيجري اليهودي ويهرب، فهذه كبيرة جداً، ولا يستقلنّ مسلم أن يُقتل جندي يهودي أو أمريكي في فلسطين أو في العراق أو في غيرها،
فالهزيمة الحقيقية هي هزيمة الروح والنفس، والانتصارات المرحلية البسيطة -وإن كانت عسكرياً لا تمثل الكثير- تفيد كثيراً جداً في رفع الروح المعنوية للأمة، والجيش المحبط من المستحيل أن ينتصر


?تأكيد الهدنة بين المسلمين والصليبين في عكا:

اتجه الجيش المسلم بعد انتصار غزة إلى ناحية الشمال، ومشوا بحذاء البحر المتوسط،يعني: في غرب فلسطين، ومروا على المدن الإسلامية العظيمة الواحدة تلو الأخرى،فمروا على عسقلان ثم على يافا ثم مروا غرباً بطولكرم، ثم حيفا،ثم اتجهوا شمالاً بعدها إلى عكا المدينة المسلمة المحتلة من قبل الصليبيين
وعسكر قطز خارج عكا في الحدائق المحيطة بحصن عكا، وبدأت المراسلات بين قطز وبين أمراء عكا الصليبيين،يريد أن يؤكد على الاتفاقيات السابقة،ويرى هل ما يزال الصليبيون عند عهودهم؟
فأرسل وفداً من الأمراء المسلمين فدخلوا حصن عكا، وأحسن الأمراء الصليبيون استقبال المسلمين، وأكد الطرفان على ما سبق الاتفاق عليه، وتكررت الزيارات أكثر من مرة، واطمأن الطرفان إلى استقرار الوضع، ومن ثم عزم قطز على الرحيل واختيار مكان مناسب للقاء الهام الذي سيجري بعد أيام مع التتار
وعندما بدأ قطز يغادر منطقة عكا، أشار عليه أحد الأمراء المسلمين الذين قاموا بالسفارة بينه وبين الأمراء الصليبيين أن عكا الآن في أشد حالات الضعف، وأنهم مطمئنون إلى المعاهدة الإسلامية، وغير جاهزين للقتال، فإذا انقلب عليهم قطز فجأة فقد يتمكن من إسقاط حصن عكا وتحرير المدينة الإسلامية،وهذه المدينة الإسلامية محتلة منذ (١٦٦) سنة،فقال الأمير لـ قطز: هذه فرصة أن نحرر هذه المدينة المحتلة،
فرد عليه قطز رداً صارماً بقوله: نحن لا نخون العهود، فالرؤية واضحة جداً في عين قطز، فقد كان يأخذ بأسباب النصر الحقيقي، التي منها: اتباع شرع الله عز وجل، وحفظ العقود، وعدم نقض المواثيق من صميم شرع الله،
يقول الله عز وجل في كتابه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
[المائدة:١]
فهذا هو الدين والشرع الإسلامي،وهذه هي قوانين الإسلام،وهؤلاء هم قادة الإسلام




يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ١٠٥ــلقة







?رعب كتبغا من المسلمين:

ترك قطز رحمه الله عكا واتجه إلى الجنوب الشرقي؛ ليبحث عن مكان يصلح للمعركة القادمة، وفي هذه الأثناء وصلت الأخبار إلى كتبغا بعد أن وصل إليه فلول جيش التتار الذي هُزم في غزة، فغضب غضباً شديداً، فهذه أول مرة تُهزم الجيوش التترية في هذه المنطقة بكاملها، ومن قبل هذا لم نسمع هزيمة للتتار،

فجهّز جيشه وبدأ يأتي من اتجاه الشمال إلى الجنوب ليقابل الجيش المسلم في فلسطين، والمسافة بين سهل البقاع وبين الحدود الفلسطينية اللبنانية شمال فلسطين حوالي (١٠٠) كيلو متر، وبين أول سهل البقاع إلى غزة (٦٠٠) كيلو متر، (١٠٠) كيلو متر من أرض لبنان والباقي في فلسطين،

والجيوش تقطع هذه المسافة عادة في يومين أو ثلاثة، ولكن كتبغا قطعها في أكثر من شهر، فقد علم أن هناك رجالاً يقاتلون من المسلمين فتثاقلت خطاه، والرسول يقول في الحديث الشريف: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).

وهذا الرعب كثيراً ما يكون غير مبرر بالأسباب المادية، وليس له تفسير إلا أن الله عز وجل ألقاه في قلوب أعدائه، كما قال ربنا في كتابه الكريم في سورة الأنفال:
{ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}
[الأنفال:١٢]

وقال سبحانه وتعالى في آل عمران: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}
[آل عمران:١٥١]

فالله عز وجل يلقي الرعب في قلوب الجيوش الضخمة الهائلة إذا رأت أمامها جيشاً مؤمناً يقاتل في سبيل الله عز وجل، وهذه حقيقة كونية متكررة في كل مواقع المسلمين، فالجيش التتري جاء إلى هذه المنطقة بعد مرور شهر من علم كتبغا بتجمع المسلمين لقتاله في فلسطين



?توجه الجيش الإسلامي إلى عين جالوت:

انتهز الجيش الإسلامي هذه الفرصة وغادر عكا باتجاه الجنوب الشرقي وأسرع قطز باجتياز مدينة الناصرة وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل إلى منطقة تعرف بسهل عين جالوت.

وعين جالوت سهل يقع في الوسط تقريباً بين مدينتي نابلس في الجنوب وبيسان في الشمال، وهي بالقرب جداً من معسكر جنين الآن، ومنطقة جنين هذه دارت فيها بعد ذلك بقرون موقعة هائلة بين المجاهدين الفلسطينيين وبين اليهود، وزاد فيها شهداء المسلمين على (٥٠٠) شهيد بعد أن صبروا في قتالهم صبراً عجيباً

وهذا السهل موقعه موقع فريد، فهو على مسافة (٦٥) كيلو متر جنوب منطقة حطين، التي دارت فيها الموقعة الخالدة حطين سنة (٥٨٣ هـ)، يعني: قبل (٧٥) سنة من موقعة عين جالوت، وكذلك يقع على مسافة حوالي (٦٠) كيلو متر إلى الغرب من منطقة اليرموك التي تمت فيها موقعة اليرموك الخالدة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه منذ أكثر من ستة قرون، وهكذا ساهمت الذكريات الجميلة حول منطقة عين جالوت في تحميس وتحفيز الجيش المسلم الصابر هناك.

وجد قطز أن سهل عين جالوت منطقة مناسبة جداً للقتال؛ لأنه عبارة عن سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي، فهو مفتوح من الجانب الشمالي، كشكل حدوة الحصان، وأما من الغرب والشرق والجنوب فهو عبارة عن تلال متوسطة منخفضة مليئة بالأحراش والأشجار التي تصلح تماماً لتكون مخبأً للجيوش الإسلامية، فيستطيع أن يعمل فيها كمائن كبيرة، ويستطيع أن يحاصر الجيش التتري في داخل هذا السهل الواسع، وعمل مناورات كثيرة جداً، فوجد الأرض مناسبة فرتب جيوشه، وكتبغا لم يأت بعد.

انتهى قطز من ترتيب جيشه ووضع على فتحة السهل الشمالية المفتوحة مقدمة الجيش القوية، التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس، وأخفى كل الجيش بعد ذلك وراء الأحراش في الشرق والغرب والجنوب، وانتهى رحمه الله من هذا الإعداد والترتيب في (٢٤) رمضان سنة (٦٥٨هـ)، أي: أنه كان في العشر الأواخر من شهر رمضان، في الشهر الذي وقعت فيه بدر وفتح مكة وفتح الأندلس.
وانتظر المسلمون على تعبئة في هذا الجو الإيماني الجميل جداً.



يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ١٠٦ــلقة







?التحاق المتطوعين بالجيش الإسلامي:

بينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم،وقد تيقنوا أن حرباً حقيقية ستحدث قريباً

ولا بد أن نقف هنا وقفة ونحلل الموقف الغريب هذا؛ وهو كيف قعد هؤلاء قبل ذلك؟ وكيف قاموا الآن؟ولماذا تحركوا الآن إلى سهل عين جالوت؟
والإجابة في منتهى البساطة، فهذا أمر رأيناه كثيراً جداً في التاريخ الإسلامي، فهؤلاء القاعدون كانوا يفتقدون إلى القدوة

فالكثير من المؤمنين الصادقين الذين يريدون خدمة الدين لا يجدون قدوة صالحة يقلدونها، ولا يجدون قائداً مخلصاً يتّبعونه فيقعدون، فقد ألف هؤلاء البسطاء في فلسطين أن يروا قوّادهم في الشام يعقدون الأحلاف المهينة مع التتار، ويفتحون لهم الحصون والديار،فافتقد هؤلاء المسلمون البسطاء القدوة الصالحة، فلم يظهر الخير الكثير الذي بداخلهم

فلما جاء قطز ومن معه من المؤمنين الصادقين، وقطعوا الطريق كله إلى أرض الموقعة، وهم يتقدمون في ثبات،لما رأوا كل ذلك تحمست قلوبهم، وخرجت العواطف الكامنة في صدورهم، وتحركت فيهم الحمية لهذا الدين، وهانت عليهم التضحية، وهان عليهم الجهاد

وهؤلاء لم يكونوا كالجيش النظامي في قدراته ومهاراته، ولكنهم متحمسون متشوقون إلى العمل في سبيل الله، وهذه الحماسة في ميدان القتال تنفع كثيراً، فـ قطز رحمه الله استخدمهم في سلاح الخدمات، ووفر الجنود الذين كانوا في سلاح الخدمات في أعمال أخرى قتالية، وبالإضافة إلى ذلك كان لهم أهمية أخرى كبيرة جداً في تكثير سواد المسلمين،ولا شك أن هذا يبث الرعب في قلوب الكافرين

ثم اجتمع الكثير من الفلاحين من القرى المختلفة ممن لا يستطيع قتالاً ولا خدمة واصطفوا بأعداد كبيرة على طرفي سهل عين جالوت وقد علت أصواتهم بالتكبير والدعاء للمسلمين، وارتفعت صيحاتهم التأييدية للقوات الإسلامية، وتحركت ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم بالدعاء لرب العالمين أن ينصر الإسلام وأهله،ويذل الشرك وأهله

كل هذه الأحداث كانت في يوم (٢٤) رمضان من سنة (٦٥٨هـ) وهو اليوم السابق مباشرة للموقعة الرهيبة عين جالوت،وكل هذا كان تأييداً للجيش المسلم،ورفعاً لمعنوياته إلى أقصى درجة



?رسول صارم الدين أيبك إلى المسلمين يحمل خبر تعاون صارم الدين مع المسلمين:

في نفس اليوم أيضاً قبل الموقعة بيوم حدث شيء غريب جداً،فبينما هم في سهل عين جالوت جاء رجل من أهل الشام وهو يُسرع المسير يطلب أن يقابل أمير القوات الإسلامية قطز

وقال: إنه رسول من قبل صارم الدين أيبك، وهو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو قبل ذلك عند غزوه بلاد الشام، ثم قبِل أن يعمل في الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة، وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت، ولا ندري إن كان قد قبِل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قبل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين؟ لا ندري هذا، فهذا بينه وبين رب العالمين،

ولكن ما نعلمه أنه قبيل موقعة عين جالوت، وفي هذا اليوم الذي سبق الموقعة مباشرة قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع،
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}
[المدثر:٣١]

فهذا الرجل صارم الدين أيبك لا يعرفه قطز ولا يعرفه أمراء الجيش الإسلامي، ولكن الله وضعه في هذا المكان؛ ليقدم للمسلمين خدمات جليلة، وليأتي النصر من حيث لا يحتسب المسلمون، وسبحان الذي ساقه في ذلك التوقيت الفريد كما ساق نعيم بن مسعود قبل ذلك في غزوة الأحزاب؛ليكون سبباً رئيسياً في انتصار المسلمين يوم الأحزاب!
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}
[المدثر:٣١]

فقد أتى رسول صارم الدين أيبك بثلاث معلومات:
أولاً: جيش التتار ليس بقوته المعهودة؛ فـ هولاكو قد أخذ معه عدداً كبيراً من الجيش وهو راجع إلى تبريز بعد أن وصله نبأ موت منكو خان خاقان التتار، فالجيش الذي سيقابل المسلمين الآن ليس على نفس الهيئة التي دخل بها الشام، فلا تخافوهم،وهذه معلومة في غاية الأهمية؛ فقد طمأنت الجيش المسلم على أنه سيقابل جيشاً أصبح إلى حد ما أضعف من السابق، فيستطيع الجيش المسلم تحقيق الانتصار

ثانياً: ميمنة التتار أقوى من الميسرة، فعلى جيش المسلمين أن يقوي من الميسرة؛ لأن الميسرة الإسلامية ستقابل الميمنة التترية

ثالثاً: أن الأشرف الأيوبي أمير حمص، وهو من الأمراء الموالين للتتار سيكون في جيش التتار، ولكنه راجع نفسه وسيُظهر التعاون مع التتار، بينما في الواقع سينهزم بين يدي المسلمين

فاجتمع الخبراء العسكريون الإسلاميون،وخافوا أن تكون كل هذه الأمور مجرد حيل من التتار، ليخدعوا به المسلمين ويضلوهم، وبدءوا بالفعل يرتبون صفوفهم مع اعتبار أن هذه الأمور قد تكون من الأمور الحقيقية




يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold



الحـ١٠٧ــلقة






?أحداث ليلة ويوم ٢٥ رمضان سنة ٦٥٨هـ:

انتهى يوم ٢٤من رمضان،وقضى المسلمون هذه الليلة في القيام والابتهال والدعاء،وكانت هذه من أعظم ليالي السنة
أولاً: لأنها ليلة وترية، وثانياً وهذا هام جداً: لأنها ليلة تسبق يوم الجهاد في سبيل الله، وفي صباحها سيكون اللقاء العظيم الذي يثأر فيه المسلمون لدماء الملايين من المسلمين التي سفكت على أيدي هؤلاء التتار الهمج، فكانت ليلة خالدة حقاً، ومتعة حقيقية لا يشعر بها إلا المجاهدون في سبيل الله،
كان قطز قد اجتهد كثيراً في تربية الزرع وغداً هو يوم الحصاد، وستكون نتائج جميع الأعمال الضخمة التي قام بها قطز قبل ذلك
جاء وقت الفجر، وصلى المسلمون الفجر في خشوع، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة،فهو عيد في السماء وعيد في الأرض، وسيكون عيداً للنصر من أعظم أعياد المسلمين إن شاء الله.
فيوم الجمعة (٢٥) من رمضان سنة (٦٥٨هـ) تاريخ من الواجب على جميع المسلمين ألا ينسوه، فهو من أعظم تواريخ المسلمين مطلقاً، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار من اتجاه الشمال
جاء الجيش التتري المهول الذي دوّخ العالم، واقترب من سهل عين جالوت،وعلى أبواب السهل في الناحية الشمالية وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعدته القوية
ولم يكن بالسهل أحد من رجال المسلمين، فقد كان السهل خالياً تماماً،فكل المسلمين كانوا مختبئين خلف التلال،حتى المقدمة التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس كانت مختبئة في ذلك الصباح


?نزول مقدمة الجيش الإسلامي إلى عين جالوت ورعب التتار منهم:

بدأت القوات الإسلامية بعد أن أشار لهم قطز تنزل إلى سهل عين جالوت بالتدريج أمام الجيش التتري،لم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة، وإنما نزلت على مراحل وفي صورة عجيبة
واسمعوا وصف صارم الدين أيبك الرجل المسلم الذي في جيش التتار، والذي انضم بعد ذلك إلى جيش المسلمين بعد انتهاء الموقعة، وكان يقف إلى جوار كتبغانوين القائد النصراني للجيوش التترية، فوقف يصف هذا النزول لمقدمة الجيش المسلم
ويقول:فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر الإسلام - وكان أول سنجق أحمر وأبيض -وسنجق يعني: كتيبة، فأول كتيبة نزلت كانت لابسة أحمر وأبيض- وكانوا لابسين العدد المليحة،فكان موقفاً في غاية الروعة
نزلت الكتيبة الإسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة جداً حمراء وبيضاء،وكان كل الفرقة لها زي خاص بها،وكانوا يلبسون العدد المليحة.
يعني: أن الدروع والسيوف والرماح والخيول كانت في هيئة جميلة، فنزلوا بخطوات ثابتة وبنظام بديع إلى ساحة المعركة في غاية الأناقة، وكأنهم في عرض عسكري،لهم هيبة وعليهم جلال، يوقعون في قلوب من يراهم الرهبة،هذه هي الكتيبة الأولى
يقول صارم الدين أيبك وهو يتكلم عن كتبغا السفاح التتري الجبار:فبُهت كتبغا وبُهت من معه من التتار،
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[البقرة:٢٥٨].

وهذه أول مرة يرى فيها كتبغا جيش المسلمين على هذه الصورة،وقد كان معتاداً أن يراهم وراء الحصون والقلاع يرتجفون،أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب،أو يراهم وهم يسلمون رقابهم للذبح الذليل بسيوف التتار،كان كتبغا معتاداً على رؤية المسلمين في أحد هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة فهذا ما لم يحسب له حساباً أبداً
قال كتبغا في فزع وهو يسأل صارم الدين أيبك: يا صارم! رُنك من هذا؟ ورُنك: كلمة فارسية تعني: لون، أي: كتيبة من هذه؟ إنها كتيبة مرعبة.
فقال صارم الدين أيبك: رُنك سنقر الرومي، أحد أمراء المماليك
ومهما صورنا من عظمة هذه الفرقة وحلاوة تنظيمها وإبداع نزولها، فلا يمكن أبداً أن نفهم أن القائد التتري السفاح الجبار صاحب الجيش المهول يُرعب من رؤية كتيبة هي إحدى فرق المقدمة،
ولا يمكن أبداً أن نفسر هذا الرعب إلا في ضوء ما ذكرناه قبل ذلك من قوله ﷺ(نُصِرت بالرعب مسيرة شهر)فالله هو الذي ألقى الرُعب بنفسه سبحانه وتعالى في قلب كتبغا وقلب الجيش التتري الرهيب
ثم بعد قليل نزلت كتيبة ثانية تلبس الملابس الصفراء،وعليها من البهاء والجمال ما لا يوصف، فتزلزل كتبغا وقال لـ صارم: هذا رُنك من؟ فقال صارم: هذا رُنك بلبان الرشيد أحد أمراء المماليك الآخرين
ثم تتابعت الكتائب الإسلامية، وكل هذا كان مقدمة ركن الدين بيبرس تنزل على دفعات، وكل كتيبة تنزل بلون آخر، وكلما نزلت كتيبة يسأل كتبغا: رُنك من هذا؟ يقول صارم الدين أيبك: فصار أي شيء يجري على لساني قلته.
أي: أنه بدأ يقول أسماء مخترعة، ويذكر أسماء لا أصل لها، يريد أن يكثّر من أسماء المماليك؛ لكي يوهم كتبغانوين أن هذا اتحاد المماليك المصرية والشامية وغيرها، فيوقع الرهبة في قلبه




يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ١٠٨ــلقة






?دور فرقة الطبول العسكرية الإسلامية في عين جالوت:

بعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس واكتملت، بدأت فرقة الطبول العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية، وتعمل دوراً في غاية الأهمية في موقعة عين جالوت، فقد كانت هذه الضربات بمعان معينة
وكانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء، فقد كان هناك ضربات معينة للميمنة، وضربات معينة للميسرة، وضربات معينة للقلب، وهناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وهناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية، وبذلك يستطيع القائد قطز رحمه الله أن يقود المعركة من مكان بعيد
وأيضاً يشعر الجنود بمعية القائد معهم، وأنه يرى كل خطوة من خطوات الجنود، ويستطيع أن يسد الثغرات من على بعد وهو يراقب الموقف، كما أن هذه الضربات القوية كانت تزلزل قلوب الأعداء، وتثبت قلوب المسلمين
ووقف الأمير ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خالياً من خلفه، واقتربت جداً ساعة الصفر
وكان جيش المماليك بكامله مختفياً خلف الأشجار والأحراش وفوق التلال، والذي يظهر منه هو جيش ركن الدين بيبرس فقط، وكانت المعلومات التي جاءت إلى كتبغا قبل ذلك من غزة قد وصفت له الجيش بهذا العدد، فكان كتبغا معتقداً أن جيش المسلمين كله هو فرقة المقدمة الإسلامية التي تقف أمامه، في حين أنها كانت جزءاً قليلاً من الجيش المسلم الكامل.
وللأسف الشديد لم نجد إحصاءً دقيقاً في أي كتاب من الكتب التي روت قصة التتار عن أعداد جيش التتار أو أعداد جيش المسلمين، لكننا نعلم أن الأعداد كانت هائلة في هذه الموقعة الضخمة


?بداية معركة عين جالوت:

نظر كتبغانوين إلى القوات الإسلامية فوجدها قليلة، فأراد أن يحسم الموقعة من بدايتها، صحيح أنهم كانوا في هيئة حسنة، ومنظرهم مهيب عند كتبغا وعند جيش التتار، ولكن أعدادهم قليلة، فأراد أن يحسم الموقعة بكاملها، فدخل بجل جيشه أو كله إلى سهل عين جالوت.
وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله.
وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته، وانهمرت جموع التتار الرهيبة، وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين، وكانت أعداداً هائلة من الفرسان ينهبون الأرض نهباً في اتجاه القوات الإسلامية
أما القائد المحنك ركن الدين بيبرس رحمه الله فكان يقف في رباطة جأش عجيبة, ووقف معه الأبطال المسلمون في ثبات ولم يتحركوا، وقد ألقى الله عز وجل عليهم سكينة وأمناً واطمئناناً، فكانوا يرون جحافل التتار الضخمة لا تعدو أن تكون حفنة قليلة من الرجال، {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
[الأنفال:٤٤].

حتى إذا اقتربت جموع التتار من مقدمة الجيش الإسلامي أعطى القائد المحنك الظاهر ركن الدين بيبرس رحمه الله إشارة البدء لرجاله، فانطلقوا في شجاعة نادرة باتجاه جيش التتار، ولا ننسى أن هذه المقدمة الإسلامية قليلة جداً بالنسبة لجيش التتار.
وارتطم الجيشان ارتطاماً مروعاً بمعنى الكلمة، وارتفعت سحب الغبار الكثيف في ساحة المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول وأصوات الآلات المملوكية، وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الفلسطينيين الواقفين على جنبات السهل، وامتزجت قوات المسلمين بقوات التتار، وسرعان ما تناثرت الأشلاء وسالت الدماء، وارتفع صليل السيوف وغطى على كل شيء.
احتدمت المعركة في لحظات، ورأى الجميع من الهول ما لم يرونه أبداً في حياتهم قبل ذلك.
وكانت هذه من أكبر المواقع في تاريخ الأرض، وكانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وقد أحسن قطز رحمه الله اختيار أفرادها واحداً واحداً، حتى تستطيع أن تقف هذه الوقفة الجسورة أمام هذه الجحافل من التتار، وثبتت القوات الإسلامية ثباتاً رائعاً مع قلة عددها،
فلما رأى كتبغانوين القوات ثابتة ضغط بصورة أكبر وبدأ يستخدم كل الطاقة، وأدخل كل الجنود إلى داخل السهل ولم يترك أي قوات للاحتياط خلف الجيش التتري.
كل هذا وقطز يرقب الموقف عن بعد، ويصبّر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة
ومرت الدقائق والساعات كأنها الأيام والشهور.
ومع أن الفجوة كانت هائلة في العدد والعدة بين الفريقين، إلا أن اللقاء كان سجالاً حتى هذه اللحظات.
وكان هم المسلمين إلى هذه اللحظة هو استنزاف القوات التترية في حرب مرهقة، والتأثير على نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم.
هذا كان الجزء الأول من الخطة الإسلامية الصبر قدر المستطاع من الجيش حتى تستنزف الطاقات التترية عن آخرها.




يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


الحـ١٠٩ــلقة







?سحب قوات التتار إلى داخل سهل عين جالوت:

جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية البارعة، ودقت الطبول دقات معينة؛لتصل بالأخبار من قطز إلى بيبرس ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني الخطير من الخطة

وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، ويا حبذا لو سُحب الجيش بكامله! بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها والقضاء عليها

وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ مهمة صعبة جداً، فكان عليه أن يُظهر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعاً جداً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع تحت الضغط التتري الرهيب، وهذا الميزان في الانسحاب يحتاج إلى قدرة قيادية فائقة، كما يحتاج إلى رجال أشداء مهرة في القتال، ويحتاج فوق كل ذلك وقبل كل ذلك إلى توفيق من رب العالمين

وهذه العوامل بفضل الله كانت متوافرة في هذا الجيش، والمحلل لهذه الخطة يجد أنها نفس الخطة الإسلامية في موقعة نهاوند الشهيرة، التي كانت ضد القوات الفارسية وذلك في سنة (١٩هـ)، وكان يقوم فيها بدور ركن الدين بيبرس من عملية سحب الجيش التتري إلى داخل السهل الصحابي القائد الإسلامي الفذ القعقاع بن عمرو التميمي، وكان يقوم بدور قطز الصحابي الجليل والفارس العظيم النعمان بن مقرن

وقام في وقتها القعقاع بن عمرو التميمي بسحب قوات الفرس الرهيبة في الكمين الإسلامي الخطير، الذي قضى على قوات الفرس تماماً، وهنا في عين جالوت استفاد قطز رحمه الله من التاريخ، ومن تجارب المسلمين السابقة، وطبق خطة موقعة نهاوند بحذافيرها

وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة في السهل تقدم جيش التتار مكانها، وقام المسلمون بتمثيلية الانهزام خير قيام

وتحمس كتبغا ومن معه للضغط على المسلمين، وبدءوا يدخلون السهل وبأعداد كبيرة، ومر الوقت ببطء على الطرفين، ولكن في النهاية دخل جيش التتار بكامله إلى داخل سهل عين جالوت, وانسحب ركن الدين بيبرس بمقدمة الجيش إلى الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت،

وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين لم يترك كتبغا كما أشرنا قبل ذلك أياً من قواته الاحتياطية خارج السهل لحماية مؤخرة الجيش، بل أخذ معه كل الجنود إلى داخل السهل.

كيف فعل كتبغا ذلك وهو بكل وضوح خطأ عسكري شنيع لا ريب ولا شك في ذلك، وهو قائد عسكري بارع، وذو خبرة طويلة جداً في مجال الحروب، فهو على الأقل في هذه الموقعة قد جاوز الستين أو السبعين من عمره؛

فـ كتبغانوين من القواد الذين عاصروا جنكيز خان مؤسس دولة التتار، أي: أنه قديم جداً في المعارك، وكان قائداً أيام جنكيز خان، وجنكيز خان قد مات قبل هذه الموقعة بأربع وثلاثين سنة، وهذه السنوات الطويلة كلها قضاها كتبغا في حروب وقيادة؟

لقد كان من المفروض عليه كقائد محنك أن يترك قواتاً احتياطية خارج السهل؛ لتؤمّن طريق العودة في حال الخسارة، ولتمنع التفاف الجيش الإسلامي حول التتار، ولتراقب أي تحركات مريبة لجيوش أخرى قد تأتي لمساعدة الجيش الإسلامي.
لكن كل هذا لم يحدث.

توقفت العقلية التترية عن التفكير السليم في هذا الوقت الحساس من أوقات المعركة، وقد يفسر بعض المحللين ذلك برغبة كتبغا في القضاء الكامل على قوات المسلمين وبحسم.

ويفسره بعضهم بأنه ضعف من المخابرات التترية التي لم تدرك حجم الجيش الإسلامي الحقيقي.
ويفسره آخرون بأنه الغرور والصلف الذي كان يملأ كتبغا من أم رأسه إلى أخمص قدميه.
ويفترض بعض المحللين أن هناك أهدافاً تكتيكية معينة في ذهن القائد العجوز الخبير كتبغا لا نعرفها.

وقد يُفسر الموقف بأي شيء من هذا أو بغيره.
ولكن كل هذه التفاسير لا تعطي مبرراً مقبولاً لهذا الخطأ العسكري الفادح الذي لا يقع فيه مقاتل مغمور في مطلع حياته العسكرية.

ولكن يبقى التفسير الوحيد المقبول عندي في مثل هذا الموقف هو أن الله عز وجل دفعه إلى هذا دفعاً؛ ليخرج عن قياسات البشر، فهو سبحانه وتعالى الذي يدفع أشخاصاً بعينهم لأفعال معينة في ظروف معينة، ولو تكرر نفس الظرف ألف مرة فلعل الرجل لا يأخذ نفس هذا القرار أبداً،

ولكن الله عز وجل أراد لهذا الجيش التتري الهلكة، فدفعه إلى أخذ قرار لا يتناسب مطلقاً مع قدرات وخبرات القائد الفذ كتبغا الذي يقود جيوش التتار أبداً، وهذا من مكر رب العالمين سبحانه وتعالى، يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
الأنفال (30)




يتبع?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold




الحـ١١٠ــلقة







?محاصرة جيش التتار:

بدأ تنفيذ الجزء الثالث بالغ الأهمية في الخطة.
وجاءت إشارة البدء من قطز عن طريق الطبول والأبواق، ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة المعركة من كل جوانب الميدان،بل وأسرعت فرقة عسكرية قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت،وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم

واكتشف كتبغا الخطة الإسلامية،ولكن بعد فوات الأوان،فقد حصر هو والتتار في داخل سهل عين جالوت،وبدأ الصراع المرير في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ بصفة عامة

فلا مجال للهرب،فالسهل منبسط والمساحات مكشوفة،،فلا بد من القتال حتى الموت،وكانت حرباً ضارية بشعة،أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وبدءوا يقاتلون بحمية بالغة،والمسلمون بفضل الله صابرون ثابتون


?تراجع الجناح الأيسر للجيش الإسلامي ونزول قطز إلى ميدان المعركة:

ظهر تفوق الميمنة التترية كما أخبر بذلك من قبل رسول صارم الدين أيبك،وبدأت هذه الميمنة تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وظهر تأثر القوات الإسلامية بذلك،وأخذت ميسرة المسلمين تتراجع تدريجياً تحت الضغط الرهيب للتتار،وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية،وازداد تساقط الشهداء،وظهرت الأزمة الكبرى،

حين شاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين،فدفع إليها بقوات احتياطية الواحدة تلو الأخرى،ولكن الضغط التتري استمر،وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، وبدأت معنويات البعض تنهار

كان قطز يشاهد كل ذلك، ويدفع بقوات إضافية إلى الميسرة،ولكن الموقف تأزم جداً، وهنا لم يجد قطز إلا حلاً واحداً لا بديل له، فقرر أن ينزل بنفسه رحمه الله إلى ساحة القتال، ويُثبت لجنوده بالطريقة التي اعتادها معهم أن الجهاد في سبيل الله عز وجل أُمنية، وأن الموت في سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق، ويعلمهم بالطريقة التي اعتاد أن يعلمهم بها،وهي طريقة التربية بالقدوة،

فنزل رحمه الله إلى أرض الموقعة، ولم ينزل بهيئته العسكرية الكاملة، وإنما خلع خوذته وألقاها على الأرض؛ تعبيراً عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت،وأطلق الصيحة الشهيرة التي قلبت الموازين تماماً في أرض المعركة،فصرخ قطز رحمه الله بأعلى صوته والجميع يسمع:
وا إسلاماه! وا إسلاماه!

وألقى السلطان المظفر القائد العظيم رحمه الله بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر، وفوجئ الجنود الإسلاميون بوجود القائد الملك المظفر قطز في وسطهم، يعاني مما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون،فأي تأييد نزل عليهم، وأي تثبيت،وأي سكينة،

وأصبحت القضية واضحة جداً أمام الجميع، القضية قضية الإسلام،القضية قضية وا إسلاماه، القضية ليست أبداً حفاظاً على ملك أو حماية لكرسي أو حرصاً على توريث لابن أو عائلة، فالقتال لله عز وجل

ويمكن أن تكون نهاية قطز ويمكن أن يموت وهو في زهرة شبابه، فهو يقاتل في سبيل الله حقيقة، هكذا شعر الجنود، وشتان بين القائد الصادق الذي يعيش لدينه ولشعبه، والقائد الكاذب الذي يتكلم كثيراً عن فضائل الأعمال، وهو لا يعيش إلا لنفسه،

فالتهب حماس الجنود،وهانت عليهم تماماً جيوش التتار،وحملوا أرواحهم على أكفهم، وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، فهي ليست هجمة على ذواتهم، بل هي هجمة على الإسلام

واشتعل القتال في سهل عين جالوت، واستحر القتل،وعلت أصوات تكبير الفلاحين على كل شيء، ولجأ المسلمون بصدق إلى ربهم،وقاتل قطز قتالاً عجيباً

ثم صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطأه السهم،وأصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرس من ساعته،فترجل قطز على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له وما تردد، وما نكص على عقبيه،وما حرص على حياته رحمه الله

ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً،وتنازل له عن فرسه،إلا أن قطز امتنع، وقال:ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، وظل يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.

وبعد هذه الموقعة لامه أحد الأمراء على هذا الموقف،وقال له:لم لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك،وهلك الإسلام بسببك.
فانتفض قطز وقال في يقين رائع: أما أنا لو قتلت فكنت أذهب إلى الجنة،وأما الإسلام فله رب لا يضيعه،وقد قُتل فلان وفلان،حتى عد خلقاً من الملوك، مثل: عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام، فرحمه الله فقد كان وما زال قدوة للمسلمين، وعلى أكتاف أمثاله تنهض الأمم

نتيجة مثل هذا الموقف أدت القوات الإسلامية أداءً راقياً جداً في القتال، وأخرجت كل إمكانيتها، ولم تكن قضيتها قضية موت أو حياة كالتتار، بل كانت إما نصر أو شهادة.





يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold

الحـ١١١ــلقة







?معركة بيسان وإبادة جيش التتار:

كان التتار يقطعون الأرض شمالاً، والمسلمون لا يتركونهم، ووصل التتار الفارون إلى بيسان، وهي على بعد حوالي (٢٠) كيلو متر شمال شرق عين جالوت، فوجدوا أن المسلمين جادون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد للقتال
ولتدور موقعة أخرى عند بيسان، أجمع المؤرخون على أنها أصعب من عين جالوت وقاتل التتار قتالاً رهيباً، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين, وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية مطلقاً
ورأى قطز كل ذلك،فهو لم يكن أبداً قريباً من الأحداث، وإنما كان في وسطها رحمه الله، فانطلق رحمه الله يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة مرة أخرى وقال: وا إسلاماه، وا إسلاماه، وا إسلاماه، قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرع: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار.
الله أكبر، ما أحسن اعترافك يا قطز بعبوديتك في هذا المقام! فلستُ أنا الملكَ المظفر، ولستُ أنا أميرَ المسلمين، ولستُ أنا سلطانَ مصر، وإنما أنا عبدك.
ويا أيها المؤمنون الصادقون! كيف يلجأ العبد بصدق إلى الله عز وجل ويتركه الله عز وجل؟ هذا أبداً لا يكون
دق قطز على الباب الذي ما طرقه صادق إلا وفُتح له، وتقرب رحمه الله إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، وعندما يخشع ملوك الأرض فلابد أن يرحم جبار السماوات والأرض، وكان خشوع قطز الصادق هو الجبل الذي وقع على جيش التتار، فأهلكهم بكاملهم، فما إن انتهى من دعائه وطلبه رحمه الله إلا وخارت قوى التتار تماماً، وبدأ الجنود الذين روعوا الأرض قبل ذلك يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، وقضى المسلمون تماماً على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار
وجاءت اللحظة التي انتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو يزيد،
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
[الروم:٤ - ٥]

وتخيلوا أنه في موقعة عين جالوت أُبيد جيش التتار بكامله، هل سمعتم عن هذا؟! أو هل سمعتم عن مثل ذلك؟! لقد أبيد جيش التتار بكامله! ولم يبق على قيد الحياة من هذا الجيش أحد أبداً، وفني الجيش الذي اجتاح نصف الكرة الأرضية، وسفك دماء الملايين وخرّب مئات المدن، وعاث في الأرض فساداً، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم

فهنيئاً لكم أيها المسلمون! بالنصر العظيم،وهنيئاً لك يا قطز!فقد حان وقت قطف الثمار.

ولما رأى قطز جموع التتار صرعى على أرض بيسان المباركة، لم يفق ليتلقى التهنئة في ذلك الوقت ويرفع رأسه ويفتخر،
بل إن أول شيء فعله رحمه الله أن نزل من على فرسه، ومرّغ وجهه على الأرض يسجد لله شكراً، ولم يدخله غرور المنتصرين، أو يرفع رأسه بزهو المتكبرين،ولم يشعر أنه قد فعل شيئاً، بل إن الفضل والمنة لله عز وجل، فهو الذي أنعم عليه واختاره ليكون مجاهداً،وهو الذي منّ عليه بالثبات،وهو الذي ألهمه الحكمة في القتال،والصواب في الرأي،وهو الذي هداه السبيل
وهنا أيها المؤمنون! بيت القصيد،أن تعرف أنك عبد لله عز وجل،لا تُنصر إلا بنصره، ولا تنجو إلا برحمته، ولا تتحرك إلا بإرادته {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:٤]


?قطز في ميزان الإسلام:

إذا أردتم أن تعرفوا قيمة قطز في ميزان الإسلام،فانظروا إلى كثير من الزعماء الذين ينتفخون كِبراً وزهواً وفخراً،ويتطاولون على خلق الله،ويُصَعِّرون خدودهم للناس،ويمشون في الأرض مرحاً،وكأنهم يخرقون الأرض أو يبلغون الجبال طولاً! وما فعلوا لأمتهم معشار ما فعله قطز،بل على العكس كانوا وبالاً على شعوبهم،وكانوا مصيبة على أممهم.وهنا تبرز قيمة قطز الحقيقية،وبضدها تتميز الأشياء
ومن هنا فلا عجب أبداً أن يُنصر قطز ولا عجب أيضاً أن يُخذل غيره،والله لا يظلم أحداً أبداً،يقول تعالى في كتابه:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:١٠]فالإنسان هو الذي يختار
فلم يأت قطز في زمان تمكين ولا سيادة،ولا في ظروف طيبة ومريحة،ولم يحكم البلاد وهي قوية قاهرة،بل كانت كل الظروف تقريباً ضده،لكنه استعان بالله،
وعمل بصدق وإخلاص،فكان لابد من الوصول
ويوم يعمل المسلمون كما عمل قطز سيصلون حتماً إلى ما وصل إليه،وليس بالضرورة كما تبين لنا في هذه القصة-أن يحتاج التغيير إلى سنوات أو قرون أو عقود، فقد كانت عين جالوت بعد عشرة أشهر فقط من تولي قطز مقاليد الأمور،ولكن من الضروري فعلاً أن يوجد المخلصون الصادقون العالمون العاملون ووعد الله لا يُخلف أبداً، وقد قال ربنا في كتابه:
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}
[غافر:٥١]





يتبع ?...
 

Lena Dareen

مجموعة الإدارة
طاقم الإدارة
معلومات Lena Dareen
إنضم
28 مايو 2015
المشاركات
16,064
مستوى التفاعل
5,444
النقاط
113
الإقامة
In City Of Gold


المحـ١١ـاضرة





عين جالوت في الميزان:

للنصر أسباب يجب علينا الأخذ بها لتحقيقه، كما أن للهزيمة أسباباً ينبغي تجنبها، وبجملة تلك الأسباب أخذ المظفر قطز رحمه الله، فانتصر على التتار، وحرر بلاد الشام، وكان لانتصاره هذا آثار عظيمة على الإسلام والمسلمين.



?اهم العنواين الرئيسية :

-أسباب تسلط التتار على المسلمين

قبل موقعة عين جالوت
-تحرير دمشق من التتار
-دخول قطز والجيش المصري لدمشق
-تولية القاضي نجم الدين أبو بكر بن السني قضاء دمشق
-تحرير بلاد الشام من التتار
وتوحيدها مع مصر
-تعيين قطز للأمراء على بلاد الشام

✍آثار معركة عين جالوت
✍أسباب النصر في عين جالوت

 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه