نملة،،،،

احصائياتى
الردود
1
المشاهدات
271

Noufshamri

Well-known member
معلومات Noufshamri
إنضم
4 مايو 2020
المشاركات
1,036
مستوى التفاعل
1,141
النقاط
113
نملة،،،،
أزعجني منظر نملة تسير مترنحة على الأرض حينما كنت في طريقي إلى المطبخ، بدون تردد أو تفكير سحقتها بقدمي دون رحمة! ربما كانت عائدة إلى الخرم الذي جاءت منه لتنال قسطا من الراحة بعد يوم طويل من السعي والكدّ تحت الكنب، أو على حواف السجادة، أو في المطبخ بحثاً عمّا تساقط من فتات طعامنا. لم أكن أدري إن كانت قد استوطنت معي في البيت، أو أنها كانت مجرد عابرة سبيل.

ربما لديها عائلة! أو ربما كانت طليعة سرب نمل، وكانت تستكشف لهم المكان! أو لعلها ضلّت طريقها ودخلت البيت عن طريق الخطأ وكانت تبحث عن طريق للخروج! ربما كانت في إجازة قررت استغلالها في زيارة أماكن جديدة لتغيير الجو. بعد هذا الموقف الشنيع، شعرت بذنب كبير، وأسفٍ شديد على هذه النملة التي سويّتها بالأرض، أنهيت حياتها القصيرة دون أن يكون لديها مجال للهرب! لم ترتكب أي ذنب يذكر، هي لا تدري أنها دخلت ممتلكات خاصة، حتى مفهوم الملكية لا أظنه موجود في قاموسها! ولا أظنها تدرك أن شكلها قد يسبب الفزع لبني البشر، رغم أنها قد تكون أجمل نملة في قريتها!
أؤمن تماماً أن حالة من الوجع، وربما البكاء والنواح ستخيم قريباً على قرية النمل حزناً على الفقيدة، سيأتي رفاقها بحثا عنها بعد أن أحصوا سكان القرية ولم يجدوا قريبتهم، وستكون الفاجعة حين يجدونها أشلاءً مسحوقة! منظرها سيكون مشابهاً لمنظر آدمي دهسته شاحنة كبيرة بكامل عجلاتها، سيحاول الرفاق لملمة ما تبقى من جسدها المحطم والعودة بها إلى قريتهم لدفنها، أظن أن لديهم مراسم عزاء تشبه ما يفعله البشر، على الأغلب أنهم سيصلّون عليها الجنازة بطريقتهم الخاصة، وسيضعون أكاليل عشب على قبرها، وسيقيمون مأدبة قمح عن روحها، أمها المسكينة ستفقد وعيها من هول الصدمة، سيبكي عليها خطيبها بكاءً مُراً، ربما كان يُعد العدة لحفل زفاف كبير بعد يومين، وعلى الأغلب كان منهمكاً في تدبير تكاليف الزواج طوال الفترة الماضية، خطيبها قضى فترة شبابه كلها في تكوين نفسه، على الأرجح أنه عاش قصة حب كبيرة مع زوجته المستقبلية، كل هذا تبخر بدعسة قدم!!

النملة في آخر لحظاتها مع الدنيا كانت تمارس حياتها الطبيعية، ربما كانت تدندن بأغنيتها المفضلة! لعلها كانت ترقص، وربما كانت تمارس الأمنيات طوال الوقت، كيف لا وهي على بعد يومين فقط من أن تجتمع مع فارس أحلامها تحت ثقب واحد! ربما كانت تكلم صديقتها عبر هاتف خاص بالنمل وتأخذ رأيها في لون فستان الزفاف! ثانية فقط قبل أن تُسحق، كانت تعيش حياة طبيعية، حياة متفائلة، وبكامل زخرفها وزينتها وبهجتها وأحلامها ومشاريعها المستقبلية وخططها القادمة، تماما كما يفعل أي بشري تناسى أن الموت لا يستأذن أحداً.

لو خطر ببالي كل هذا قبل أن أتجرأ على دوس هذه المسكينة المسالمة لربما تريثت قليلا، وغالبت قرفي واشمئزازي منها، على الأقل كنت لأحضر منديلا وأمسكها به لألقي بها خارج البيت، قد أكون أطلت عليها المسافة، أو كسرت لها قدماً، ولعلي جعلتها تتوه قليلا عن قريتها، ولكنها على الأقل لا تزال حية ترزق، ولا زال لديها الفرصة لتستكمل مخططاتها وأحلامها. لو أني تجاهلتها وأكملت طريقي إلى المطبخ لشرب الماء، لكان خيرا لي ولها! على الأقل لن يكون هناك حزن وبيت عزاء في قرية النمل! ولاستكمل كل واحد منا حياته بشكل طبيعي! ربما تموت بسبب آخر، ولكن ليس بسببي أنا!

لقد تعلمت درساً قاسياً جداً جداً! أزهقت روحاً لديها حياة كاملة تشبه حياتي في لمحة بصر، سببت الحزن والألم لجماعة بأكملها، خربت على هذا المخلوقات سير حياتها الطبيعي، لم تكن العبرة بحجم هذا المخلوق المسالم، بل بكمية القسوة التي مارستها دون أن أدري!

قصتي القصيرة مع النملة ذكرتني بتصرفاتنا الهوجاء التي لا ندرك عواقبها، معظمنا يسحق في كل يوم نملة بقصد أو دون قصد، ودون أن يتوقف للحظة ليفكر فيما اقترقت يداه! معظمنا لا يعي أن الأخطاء لا تقاس بحجمها، بل بما يترتب عليه، نقطة حبر صغيرة تكفي لتشويه ثوب كامل! حجر صغير في الشارع قد يتسبب بانقلاب مركبة تفوقه بالحجم آلاف المرات، خربشة طفل صغير على لوحة الموناليزا تفقدها قيمتها، كلمات عابرة نقولها في لحظة لا وعي، ولا نلقي لها بالا، قد تصيب إنسانا بالشلل التام، وتقتل فيه رغبته في الحياة.

أنا متأكد أننا في كل يوم نمارس قسوة من نوع ما ونحن لا ندري، كلماتنا وأفعالنا قد تحمل بين ثناياها ولو دون وعي أو قصد رصاصات قاتلة تصيب حتى الذين نحبهم، فتنهي رغبتهم وشغفهم بالحياة، مشكلتنا الكبرى أننا لا ندرك حجم خطايانا إلا بعد أن نرى آثارها المدمرة، وبعد أن ننتبه أننا سحقنا نملة عاجزة، ذنبها الوحيد أنها ظهرت في المكان والمزاج الخاطئين!
 
اسم الموضوع : نملة،،،، | المصدر : الروايات

أنثى بعطر الورد

مراقبه سابقة / متميزات نسوة
معلومات أنثى بعطر الورد
إنضم
11 يوليو 2014
المشاركات
3,981
مستوى التفاعل
2,034
النقاط
113
لا اعرف كيف اوسيك او اواسي الوقت الي مكثث فيه لاقراء هذا الكم من الخيال من دعس نمله
واواسي حزني المتفاعل اني لا استطيع ان احضر عزاء قرية النمله عن فقدهم للفقيده ?واستعطفهم رحمة بانها لم تقصد الشر ?
انما هي من ظهرت في طريقها ..
كم هو محزن هذا الالم انك لا تستطيع فعل شيء امام هذا الموقف ...
ابدعتي نوف ..
فعلا غيرت يومي ?
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه