لقد بدلت بهم أحلامي وحياتي

احصائياتى
الردود
1
المشاهدات
242

راجيه الرضا

مراقبة و متميزة أقسام نسوة
معلومات راجيه الرضا
إنضم
18 فبراير 2017
المشاركات
14,542
مستوى التفاعل
9,665
النقاط
113
لقد بدلت بهم أحلامي وحياتي
مرة، في نهاية التسعينيات، رأيتُ جارنا يدمع في منزلنا -وهو يشتكي لوالدي- خذلان أولاده له، قبل أن يردد عبارة ظلّت عالقة في خاطري أمدًا.. قال بحسرة: دا أنا بدلت بيهم أحلامي وحياتي.
ْ
في المساء، حكيتُ لأبي ما عَلق في ذهني من حديث الجار.. "أنا بدلت بيهم أحلامي وحياتي".. هتفتُ: شكله فعلا بيحب عياله وبيته!.. لكن أبي كشف لي أن المعنى كان أعمق من ذلك بكثير.. أو للأحرى، كان الرجل يقصد معنى آخر تماما!
ْ
ننسى أحيانا أن آباءنا وأمهاتنا كانوا هم أيضا شباب ومراهقون ذات يوم.. حلموا بالأحلام نفسها، وبالشغف والطموح ذاته.. أرادوا تغيير العالم وصناعة التاريخ.. استثنائيون، رغبوا رحلتهم -هي الأخرى- استثنائية على ظهر هذا الكوكب.
ْ
آباؤنا أيضا كتبوا في أوراق بيضاء ما يحلمون به، وضعوا الخطط وعانقوا فيها الخيالات حد السماء.. لم يكن ينقصهم الثقة ولا الإيمان بالأحلام.. لكنهم -مثلنا اليوم- كان ينقصهم الوعي بأن ثمة عدو يتربص بهم من بعيد.. الحياة وجريانها وأقدارها ومفاجآتها.. والأقدار التي تخط للناس طرائق لا مسارات فيها للاستدارة أو الرجوع!
ْ
ثم في مفترق أعمارهم، عند نهاية الشباب ومطلع المشيخ.. حصرتهم الحياة أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما الرهان على ما تبقى من أحلامهم، أو التخلي عنها لصالح أولادهم.. وفي كثير الحالات، اختار أباؤنا الاستدارة عن أحلاهم.. وراهنوا -إجبارا- على أولادهم، مستبدلين بأحلام الماضي، حلما واحدا يرون فيه بسعادة أولادهم بتحقيق أحلامهم، ما فاتهم منها في حياتهم..
ْ
كان جارنا يشعر بالخذلان لأنه اختبر ما خسره من رهان حياته.. ولأنه أضاع حقيبة أحلامه وذروة قوته وفوران شبابه عند مفترق الطريق الذي اختار فيه رهان أولاده.. وانفلت من تحت يديه عقد الزمن وهو يبحث في تقاسيم أولاده كل يوم عن جواب واحد: نعم، لقد كان الأمر يستحق! لكنه لم يقرأها أبدا..
ْ
أما نحن، فيدفعنا الغرور أحيانا للثقة في كون رحلتنا في الحياة هي الأجدر بأن تكون الفريدة، ويختالنا إيمان غير منطقي بأننا نمتلك القطعة الناقصة عن فسيفساء كل من سبقونا.. ونظن أن الكون يختبر للمرة الأولى معنى الطموح والشغف، حين اختبرناها نحن للمرة الأولى!
ْ
أحلام أهلنا التي تخلّوا عنها لأجلنا، ليست رخيصة.. وشبابهم المُهدر عند عتبات أولادهم ليس وقتا إضافيا في حياتهم.. والتضحية التي قضوا فيها سنوات أعمارهم لا يمكن ردّ مقامها أبدا.. وصندوق ذكرياتهم العتيق فوق حافظة الملابس، ليس أقل قيمة من قصاقات الأوراق اليافعة التي نعلقها فوق شاشة الحاسوب..
ْ
العزاء الوحيد الذي نملكه -نحن الأبناء- لهم، ليس سوى أن نفعل ما بوسعنا لنمنحهم الثقة في أن رهانهم لم يكن خاسرا.. وأن نخط فوق جباهنا لافتة واضحة -لا يحتاجون نظارات العدسات المُكبرة ليقرأونها- بأنه: نعم، كان رهانا صائبا، لقد كان الأمر يستحق!

عمار مطاوع
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه