معلومات راجيه الرضا
- إنضم
- 18 فبراير 2017
- المشاركات
- 14,542
- مستوى التفاعل
- 9,665
- النقاط
- 113
قصة الأسبوع "المتمردة"
المتمـــــــــــردة
هل تذكر رسالة البوح الجميل للسيدة التي ابتليت بالمرض اللعين فلم يفسد عليها صفاء قلبها.. وإنما زادها إيمانا بربها ورضا بقضائه.. وخلت نفسها من المرارة حتي راحت تعدد نعم الله الكثيرة عليها ؟ وهل تذكر ماقلته لها في تعليقك علي رسالتها من أن النفس الجميلة تخلو دائما من المرارات مهما تكن قسوة الحياة علي صاحبها ؟, لقد دفعتني هذه العبارة الأخيرة لأن أروي لك قصتي وأزيح عن صدري بعض همومها.. فأنا سيدة في الرابعة والثلاثين من عمري, نشأت في أسرة بسيطة بين أب عامل وأم ربة بيت غير متعلمة و7 أخوة من البنين والبنات, وكنا نعيش جميعنا في غرفتين ببدروم بيت متهالك, ويشقي أبي لكي يوفر لنا طعام يومنا.. وتصنع أمي المعجزات لكي تستر أجسادنا فلا نخرج إلي الطريق عراة أو مهلهلي الثياب.. وبسبب انشغال أبي بكفاحه في الحياة كان يغادر البيت في الصباح فلا يرجع إلا في منتصف الليل منهكا فلا نكاد نراه أو يرانا.. وقد وهبني الله منذ الصغر جمالا لافتا للنظر.. فكنت أجمل شقيقاتي, وشعرت منذ الطفولة بنفسي وتميزي عليهن وعلي بنات الجيران, وبدلا من أن أتقبل حياتي وأندمج معها كما يفعل أخوتي.. نشأت كارهة لحياتي وفقر أسرتي ومسكننا الحقير في البدروم.. وحاقدة علي سكان الأدوار العليا الذين ينظرون إلينا نظرة متعالية.. وتماديت في سخطي علي حياتي حتي خيل إلي في بعض الأوقات أنني أكره أبي.. وأكره مسحة المسكنة والاستلام البادية علي وجهه.. وكثيرا ماحاسبته في خيالي عن فقره وعن إنجابه لكل هذا العدد من الأبناء وهو لا يستطيع توفير الحياة الكريمة لهم.. ولم تنج أمي كذلك من سخطي عليها لزواجها من أبي واستجابتها له في الإنجاب بكثرة.. وكثيرا ماانفجرت فيها إذا رأيتها تتطوع لخدمة إحدي سيدات العمارة أو مساعدتها في أعمال المنزل, كما كنت أرفض دائما أن أذوق أي طعام تهديه لها إحدي هؤلاء السيدات في المناسبات الدينية مهما كنت جائعة.. في حين كان أخوتي يتصرفون ببساطة ويقبلون علي التهامه.. وشيئا فشيئا بدأت أشعر بأن أمي تتهيبني وتتجنب الاحتكاك بي, وبدأت ألاحظ كذلك أنها تخفي عني قيامها بمساعدة سيدات العمارة في أعمال البيت من حين لآخر مقابل أجر.. كما تخفي عني مايقدمنه لها من ملابس أبنائهن التي توزعها علي أخوتي دوني.. وتقتطع من رزق أسرتي ماتشتري به لي الملابس الجديدة فأسعد بذلك مهما تكن رخيصة الثمن.. كما بدأت أمي تنظر إلي في صمت في بعض الأحيان وت
قول لي إنها تشعر بالخوف علي أكثر من خوفها علي كل أخوتي.. لأن نفسي كبيرة.. ومتمردة وسوف يعرضني ذلك لمشاكل كثيرة في حياتي.., ولم يغير نصحها لي بالتواضع والرضا بحياتي شيئا, وكان الشيء الوحيد الذي يخفف من إشفاق أمي علي هو أنني كنت وعلي عكس كل أخوتي أنجح في دراستي كل سنة بلا تعثر.. وقد زادني سخطي علي حياتي إصرارا علي ألا أفشل في الدراسة.. وحين بلغت سن الصبا بدأ تهافت الشبان علي.. وكثرت معاكساتهم لي.. بل ومعاكسات بعض الرجال أيضا من الجيران.., وراح أكثر من واحد يحاول الاقتراب مني ويخطب ودي.. فكان رد فعلي علي ذلك دائما في غاية الشراسة, فألزمت كل فتي حده.. وجعلته يتردد ألف مرة قبل أن يفكر في مغازلتي, وأردت بذلك أن أقول لمن أغراهم فقري بالتحرش بي, إنني لست صيدا سهلا لأحد مهما تكن ظروفي..
وبلغت مرحلة الثانوية العامة.. واشتدت حاجتي إلي نفقات إضافية للدروس الخصوصية.. ولم يستطع أبي أن يقدم لي سوي القليل, فاعتمدت علي مجموعات التقوية.. والفصول الملحقة بالمساجد, ونجحت في الامتحان ولكن بمجموع ضعيف لا يؤهلني إلا للالتحاق بمعهد فوق المتوسط.., وسعد أبي وأمي بنجاحي, لكني تلقيت الخبر بحزن شديد.. ورفضت نصيحتهما لي بمراعاة الحال والإلتحاق بأي معهد.. وأصررت علي إعادة الثانوية العامة لتحسين مجموعي وفشلت كل جهودهما لإقناعي بالعدول عن ذلك, ولم يستجيبا لي إلا بعد أن هددتهما بالهرب من البيت والعمل في أي مكان لمواصلة الدراسة.. وكان أبي دائم الشكوي من عنجهيتي برغم الظروف القاسية, لتاجر للبويات والحدايد كان يساعده في بعض مواسم العمل مقابل أجر.. فطلب هذا الرجل أن يتحدث إلي لينصحني وأصطحبني أبي إليه.. وفوجيء الرجل بجمالي حين رآني لأول مرة, وتلطف معي وسألني عن سبب إصراري علي إعادة السنة الدراسية.. وأجبته فلم يعارضني طويلا, وإنما نصح أبي بالاستجابة لرغبتي واعدا بمساعدته علي نفقات الدروس الخصوصية.. وأقرضه بالفعل كما عرفت بعد ذلك رسوم إعادة القيد بالثانوية العامة.., وبدأ يسأل أبي عني
من حين لآخر.. إلي أن فوجئت بأمي ذات يوم تصارحني برغبة هذا الرجل في الارتباط بي, وبغير تردد رفضت العرض وثرت علي أمي ثورة عاتية واتهمتها بأنها تريد أن تبيعني لأول رجل يطرق بابها, ولم تفلح مبرراتها في إقناعي به.. ولم يؤثر في أي حديث عن أنه رجل ميسور الحال وفي الأربعين من عمره.. ومشهود له بالطيبة والاستقامة.. وأرمل منذ4 سنوات ولديه طفلان يعيشان في كفالة أمه, ولن يشاركاني حياتي إلخ.
كما لم تفلح محاولات أبي معي.. ولا مطالبته لي بأن أفكر في حال أخوتي الذين يكادون يتضورون جوعا!
وأصررت علي الرفض.. وواصلت استذكاري لدروسي وحياتي المتقشفة بعناد شديد.. ومن حين إلي آخر تفاتحني أمي في الأمر وتتحدث عن العز الذي سأتمتع به مع هذا الرجل.. والذي سيفيض بالضرورة جانب منه علي إخوتي فلا تجد مني أذنا صاغية.. ودخلت الامتحان ونجحت بمجموع أهلني للالتحاق بكلية نظرية مرموقة, وانتقلت إلي عالم الجامعة الجديد ورأيت دنيا مختلفة وازداد إحساسي بفقري ورثاثة ملابسي.. وقبلت تحت ضغط هذه الظروف الملحة الهدية التي أرسلها تاجر البويات لي بمناسبة الالتحاق بالجامعة وكانت خاتما ذهبيا بعته علي الفور واشتريت بثمنه ملابس لائقة.. وفي غمرة ضيقي بالظروف القاسية التي زادني التحاقي بالجامعة إحساسا بها بدأت أفكر في قبول خطبة هذا الرجل لكي ينفق علي تعليمي الجامعي.. ويخفف شيئا من جفاف حياتي وحياة إخوتي, وأعترف لك بأنني فعلت ذلك بدوافع مادية بحتة.. ولم أفكر لحظة واحدة في شخصية الرجل أو في الامتنان له لرغبته في وتمسكه بي رغم رفضي له, وأعطيت الإشارة لأمي فطارت فرحا, وبعد أيام جاء الرجل محملا بالهدايا.. واضطررت للتنازل عن خطتي السابقة في الاكتفاء بالخطبة إلي أن أنهي دراستي الجامعية أمام إصراره علي تعجل الزواج ووعده لي بمساعدتي علي الدراسة حتي أتخرج.. وخلال3 أشهر كنت قد تزوجت.. وانتقلت إلي مسكن جميل ومفروش بأثاث جديد وعرفت شكلا آخر للحياة غير الذي عرفته طوال حياتي السابقة وعرفت الملابس الأنيقة.. والطعام الشهي.. والنزهات الجميلة.. ووجدت في يدي لأول مرة نقودا كافية أنفقها فيما أريد وتحسنت صحتي كثيرا.. وتورد وجهي بدماء العافية, وعشت مع زوجي أتقبل كرمه.. ورغبته في إسعادي.. ومحاولاته الجاهدة لأن ينال إعجابي به, لكني ظللت في أعماقي قلبا مغلقا دونه.. ودون كل البشر ولا يشغلني إلا النجاح والحصول علي شهادتي الجامعية, والالتحاق بعمل مناسب, ثم يبدأ بعد ذلك التفكير في المستقبل!
ولاحظت أمي بإشفاق أنني لم أحمل بعد مرور عام علي الزواج.. وبدأت تشعر بالقلق, وتستحثني علي عرض نفسي علي الطبيب, لكني لم أفعل وشعرت بالارتياح لعدم حملي.. وسألني زوجي عما إذا كنت أرغب في استشارة الطبيب في ذلك فلم أتحمس.. ولم يكن هو متحمسا من الأصل للإنجاب من جديد فلم يلح علي, ومضت سنوات الدراسة الجامعية وحصلت علي شهادتي وبدأت أتطلع للعمل, ففوجئت بزوجي يعترض علي عملي بدعوي أنني لا احتاج إليه.. ووقع أول خلاف كبير بيننا فهجرت بيتي ورجعت إلي بيت أسرتي, وراح أبي يحاول إقناعي بطاعة زوجي ويذكرني بفضله علي وعلي إخوتي الذين ساعدهم في تعليمهم, كما ساعده أيضا في زواج أختي التي تليني ولكن دون جدوي, ولم يطق زوجي صبرا علي هجري له فرضخ لرغبتي ورجعت إليه, والتحقت بالعمل بإحدي الهيئات وبدأت حياتي العملية.. وأصبح لي دخل من ناتج عملي واجتهادي ومضت أربع سنوات.. وأحوالي المعنوية لا تشهد أي تغيير وكلما أمعن زوجي في التودد لي وإرضائي.. أمعنت أنا في الاغتراب عنه ولم يخف حالي عليه وقال لي ذات يوم إنني أعيش معه بجسمي فقط.. لكني سأعرف له قدره ذات يوم بعد أن يفارق هذه الحياة!
كما لم يخف حالي أيضا علي أمي.. فلامتني مرارا علي عدم تجاوبي مع زوجي, وعدم تقديري لما يفعله من أجلي وتكرر ذلك كثيرا حتي جاءت لحظة ضقت فيها بكل شئ فطلبت من زوجي الطلاق, وهجرت البيت ولم أشأ العودة إلي أسرتي لكي أستريح من إلحاحها علي.. فلجأت إلي زميلة لي في العمل زوجها مسافر إلي الخارج وأقمت لديها بصفة مؤقتة وأرسل إلي زوجي بعض أهله.. يسألونني عما انكره عليه فلا أجد ما أقوله سوي انني لا أنكر عليه شيئ لكنني أريد أن أغير حياتي! وأرسل إلي زوجي يعرض علي أن يؤمن مستقبلي ويكتب الشقة التي يقيم فيها باسمي, ويشتري لي بعض المصوغات الذهبية, فلم أجب سوي بالرفض والاعتذار, وانفجر في أبي قائلا لي: من تظنين نفسك.. إنك ابنة عامل فقير وربيبة بدروم فلماذا تتبطرين علي حياتك وهي أفضل من حياة كل إخوتك الراضين بأقدارهم؟.. ولم أجبه سوي بالدموع فانصرف ساخطا ومهددا بمقاطعتي وبعد أيام جاءني ابنا زوجي وهما ولد وبنت مهذبان وأبلغاني بأن أباهما في المستشفي ويسأل عني.. فتشككت في البداية في صدق حديثهما لكن ما شعرت به من خوفهما وحزنهما دفعني للذهاب معهما إليه.. وفي المستشفي دخلت عليه حجرته فوجدته ممددا في الفراش مصفر ال
وجه.. ل؟
المتمـــــــــــردة
هل تذكر رسالة البوح الجميل للسيدة التي ابتليت بالمرض اللعين فلم يفسد عليها صفاء قلبها.. وإنما زادها إيمانا بربها ورضا بقضائه.. وخلت نفسها من المرارة حتي راحت تعدد نعم الله الكثيرة عليها ؟ وهل تذكر ماقلته لها في تعليقك علي رسالتها من أن النفس الجميلة تخلو دائما من المرارات مهما تكن قسوة الحياة علي صاحبها ؟, لقد دفعتني هذه العبارة الأخيرة لأن أروي لك قصتي وأزيح عن صدري بعض همومها.. فأنا سيدة في الرابعة والثلاثين من عمري, نشأت في أسرة بسيطة بين أب عامل وأم ربة بيت غير متعلمة و7 أخوة من البنين والبنات, وكنا نعيش جميعنا في غرفتين ببدروم بيت متهالك, ويشقي أبي لكي يوفر لنا طعام يومنا.. وتصنع أمي المعجزات لكي تستر أجسادنا فلا نخرج إلي الطريق عراة أو مهلهلي الثياب.. وبسبب انشغال أبي بكفاحه في الحياة كان يغادر البيت في الصباح فلا يرجع إلا في منتصف الليل منهكا فلا نكاد نراه أو يرانا.. وقد وهبني الله منذ الصغر جمالا لافتا للنظر.. فكنت أجمل شقيقاتي, وشعرت منذ الطفولة بنفسي وتميزي عليهن وعلي بنات الجيران, وبدلا من أن أتقبل حياتي وأندمج معها كما يفعل أخوتي.. نشأت كارهة لحياتي وفقر أسرتي ومسكننا الحقير في البدروم.. وحاقدة علي سكان الأدوار العليا الذين ينظرون إلينا نظرة متعالية.. وتماديت في سخطي علي حياتي حتي خيل إلي في بعض الأوقات أنني أكره أبي.. وأكره مسحة المسكنة والاستلام البادية علي وجهه.. وكثيرا ماحاسبته في خيالي عن فقره وعن إنجابه لكل هذا العدد من الأبناء وهو لا يستطيع توفير الحياة الكريمة لهم.. ولم تنج أمي كذلك من سخطي عليها لزواجها من أبي واستجابتها له في الإنجاب بكثرة.. وكثيرا ماانفجرت فيها إذا رأيتها تتطوع لخدمة إحدي سيدات العمارة أو مساعدتها في أعمال المنزل, كما كنت أرفض دائما أن أذوق أي طعام تهديه لها إحدي هؤلاء السيدات في المناسبات الدينية مهما كنت جائعة.. في حين كان أخوتي يتصرفون ببساطة ويقبلون علي التهامه.. وشيئا فشيئا بدأت أشعر بأن أمي تتهيبني وتتجنب الاحتكاك بي, وبدأت ألاحظ كذلك أنها تخفي عني قيامها بمساعدة سيدات العمارة في أعمال البيت من حين لآخر مقابل أجر.. كما تخفي عني مايقدمنه لها من ملابس أبنائهن التي توزعها علي أخوتي دوني.. وتقتطع من رزق أسرتي ماتشتري به لي الملابس الجديدة فأسعد بذلك مهما تكن رخيصة الثمن.. كما بدأت أمي تنظر إلي في صمت في بعض الأحيان وت
قول لي إنها تشعر بالخوف علي أكثر من خوفها علي كل أخوتي.. لأن نفسي كبيرة.. ومتمردة وسوف يعرضني ذلك لمشاكل كثيرة في حياتي.., ولم يغير نصحها لي بالتواضع والرضا بحياتي شيئا, وكان الشيء الوحيد الذي يخفف من إشفاق أمي علي هو أنني كنت وعلي عكس كل أخوتي أنجح في دراستي كل سنة بلا تعثر.. وقد زادني سخطي علي حياتي إصرارا علي ألا أفشل في الدراسة.. وحين بلغت سن الصبا بدأ تهافت الشبان علي.. وكثرت معاكساتهم لي.. بل ومعاكسات بعض الرجال أيضا من الجيران.., وراح أكثر من واحد يحاول الاقتراب مني ويخطب ودي.. فكان رد فعلي علي ذلك دائما في غاية الشراسة, فألزمت كل فتي حده.. وجعلته يتردد ألف مرة قبل أن يفكر في مغازلتي, وأردت بذلك أن أقول لمن أغراهم فقري بالتحرش بي, إنني لست صيدا سهلا لأحد مهما تكن ظروفي..
وبلغت مرحلة الثانوية العامة.. واشتدت حاجتي إلي نفقات إضافية للدروس الخصوصية.. ولم يستطع أبي أن يقدم لي سوي القليل, فاعتمدت علي مجموعات التقوية.. والفصول الملحقة بالمساجد, ونجحت في الامتحان ولكن بمجموع ضعيف لا يؤهلني إلا للالتحاق بمعهد فوق المتوسط.., وسعد أبي وأمي بنجاحي, لكني تلقيت الخبر بحزن شديد.. ورفضت نصيحتهما لي بمراعاة الحال والإلتحاق بأي معهد.. وأصررت علي إعادة الثانوية العامة لتحسين مجموعي وفشلت كل جهودهما لإقناعي بالعدول عن ذلك, ولم يستجيبا لي إلا بعد أن هددتهما بالهرب من البيت والعمل في أي مكان لمواصلة الدراسة.. وكان أبي دائم الشكوي من عنجهيتي برغم الظروف القاسية, لتاجر للبويات والحدايد كان يساعده في بعض مواسم العمل مقابل أجر.. فطلب هذا الرجل أن يتحدث إلي لينصحني وأصطحبني أبي إليه.. وفوجيء الرجل بجمالي حين رآني لأول مرة, وتلطف معي وسألني عن سبب إصراري علي إعادة السنة الدراسية.. وأجبته فلم يعارضني طويلا, وإنما نصح أبي بالاستجابة لرغبتي واعدا بمساعدته علي نفقات الدروس الخصوصية.. وأقرضه بالفعل كما عرفت بعد ذلك رسوم إعادة القيد بالثانوية العامة.., وبدأ يسأل أبي عني
من حين لآخر.. إلي أن فوجئت بأمي ذات يوم تصارحني برغبة هذا الرجل في الارتباط بي, وبغير تردد رفضت العرض وثرت علي أمي ثورة عاتية واتهمتها بأنها تريد أن تبيعني لأول رجل يطرق بابها, ولم تفلح مبرراتها في إقناعي به.. ولم يؤثر في أي حديث عن أنه رجل ميسور الحال وفي الأربعين من عمره.. ومشهود له بالطيبة والاستقامة.. وأرمل منذ4 سنوات ولديه طفلان يعيشان في كفالة أمه, ولن يشاركاني حياتي إلخ.
كما لم تفلح محاولات أبي معي.. ولا مطالبته لي بأن أفكر في حال أخوتي الذين يكادون يتضورون جوعا!
وأصررت علي الرفض.. وواصلت استذكاري لدروسي وحياتي المتقشفة بعناد شديد.. ومن حين إلي آخر تفاتحني أمي في الأمر وتتحدث عن العز الذي سأتمتع به مع هذا الرجل.. والذي سيفيض بالضرورة جانب منه علي إخوتي فلا تجد مني أذنا صاغية.. ودخلت الامتحان ونجحت بمجموع أهلني للالتحاق بكلية نظرية مرموقة, وانتقلت إلي عالم الجامعة الجديد ورأيت دنيا مختلفة وازداد إحساسي بفقري ورثاثة ملابسي.. وقبلت تحت ضغط هذه الظروف الملحة الهدية التي أرسلها تاجر البويات لي بمناسبة الالتحاق بالجامعة وكانت خاتما ذهبيا بعته علي الفور واشتريت بثمنه ملابس لائقة.. وفي غمرة ضيقي بالظروف القاسية التي زادني التحاقي بالجامعة إحساسا بها بدأت أفكر في قبول خطبة هذا الرجل لكي ينفق علي تعليمي الجامعي.. ويخفف شيئا من جفاف حياتي وحياة إخوتي, وأعترف لك بأنني فعلت ذلك بدوافع مادية بحتة.. ولم أفكر لحظة واحدة في شخصية الرجل أو في الامتنان له لرغبته في وتمسكه بي رغم رفضي له, وأعطيت الإشارة لأمي فطارت فرحا, وبعد أيام جاء الرجل محملا بالهدايا.. واضطررت للتنازل عن خطتي السابقة في الاكتفاء بالخطبة إلي أن أنهي دراستي الجامعية أمام إصراره علي تعجل الزواج ووعده لي بمساعدتي علي الدراسة حتي أتخرج.. وخلال3 أشهر كنت قد تزوجت.. وانتقلت إلي مسكن جميل ومفروش بأثاث جديد وعرفت شكلا آخر للحياة غير الذي عرفته طوال حياتي السابقة وعرفت الملابس الأنيقة.. والطعام الشهي.. والنزهات الجميلة.. ووجدت في يدي لأول مرة نقودا كافية أنفقها فيما أريد وتحسنت صحتي كثيرا.. وتورد وجهي بدماء العافية, وعشت مع زوجي أتقبل كرمه.. ورغبته في إسعادي.. ومحاولاته الجاهدة لأن ينال إعجابي به, لكني ظللت في أعماقي قلبا مغلقا دونه.. ودون كل البشر ولا يشغلني إلا النجاح والحصول علي شهادتي الجامعية, والالتحاق بعمل مناسب, ثم يبدأ بعد ذلك التفكير في المستقبل!
ولاحظت أمي بإشفاق أنني لم أحمل بعد مرور عام علي الزواج.. وبدأت تشعر بالقلق, وتستحثني علي عرض نفسي علي الطبيب, لكني لم أفعل وشعرت بالارتياح لعدم حملي.. وسألني زوجي عما إذا كنت أرغب في استشارة الطبيب في ذلك فلم أتحمس.. ولم يكن هو متحمسا من الأصل للإنجاب من جديد فلم يلح علي, ومضت سنوات الدراسة الجامعية وحصلت علي شهادتي وبدأت أتطلع للعمل, ففوجئت بزوجي يعترض علي عملي بدعوي أنني لا احتاج إليه.. ووقع أول خلاف كبير بيننا فهجرت بيتي ورجعت إلي بيت أسرتي, وراح أبي يحاول إقناعي بطاعة زوجي ويذكرني بفضله علي وعلي إخوتي الذين ساعدهم في تعليمهم, كما ساعده أيضا في زواج أختي التي تليني ولكن دون جدوي, ولم يطق زوجي صبرا علي هجري له فرضخ لرغبتي ورجعت إليه, والتحقت بالعمل بإحدي الهيئات وبدأت حياتي العملية.. وأصبح لي دخل من ناتج عملي واجتهادي ومضت أربع سنوات.. وأحوالي المعنوية لا تشهد أي تغيير وكلما أمعن زوجي في التودد لي وإرضائي.. أمعنت أنا في الاغتراب عنه ولم يخف حالي عليه وقال لي ذات يوم إنني أعيش معه بجسمي فقط.. لكني سأعرف له قدره ذات يوم بعد أن يفارق هذه الحياة!
كما لم يخف حالي أيضا علي أمي.. فلامتني مرارا علي عدم تجاوبي مع زوجي, وعدم تقديري لما يفعله من أجلي وتكرر ذلك كثيرا حتي جاءت لحظة ضقت فيها بكل شئ فطلبت من زوجي الطلاق, وهجرت البيت ولم أشأ العودة إلي أسرتي لكي أستريح من إلحاحها علي.. فلجأت إلي زميلة لي في العمل زوجها مسافر إلي الخارج وأقمت لديها بصفة مؤقتة وأرسل إلي زوجي بعض أهله.. يسألونني عما انكره عليه فلا أجد ما أقوله سوي انني لا أنكر عليه شيئ لكنني أريد أن أغير حياتي! وأرسل إلي زوجي يعرض علي أن يؤمن مستقبلي ويكتب الشقة التي يقيم فيها باسمي, ويشتري لي بعض المصوغات الذهبية, فلم أجب سوي بالرفض والاعتذار, وانفجر في أبي قائلا لي: من تظنين نفسك.. إنك ابنة عامل فقير وربيبة بدروم فلماذا تتبطرين علي حياتك وهي أفضل من حياة كل إخوتك الراضين بأقدارهم؟.. ولم أجبه سوي بالدموع فانصرف ساخطا ومهددا بمقاطعتي وبعد أيام جاءني ابنا زوجي وهما ولد وبنت مهذبان وأبلغاني بأن أباهما في المستشفي ويسأل عني.. فتشككت في البداية في صدق حديثهما لكن ما شعرت به من خوفهما وحزنهما دفعني للذهاب معهما إليه.. وفي المستشفي دخلت عليه حجرته فوجدته ممددا في الفراش مصفر ال
وجه.. ل؟
اسم الموضوع : قصة الأسبوع "المتمردة"
|
المصدر : القصص والروايات الواقعية