معلومات راجيه الرضا
- إنضم
- 18 فبراير 2017
- المشاركات
- 14,541
- مستوى التفاعل
- 9,665
- النقاط
- 113
قصة الأسبوع "ألسنة اللهب "
سيدي أكتب إليك بعد أن انتهيت من قراءة رسالة ( القلب المحفور )، التى يروى فيها كاتبها قصة حبه الرائعة مع زوجته وكفاحهما معاً لبناء عشهما من شقة ليس فيها سوى 3 أكلمة وبطانية ووسادة ، إلى أن أثمر كفاحهما وأنعمت الدنيا عليهما بالنجاح والوفاق وإن كانت قد حرمتهما من الإنجاب.
وصدقني يا سيدي أنني بكيت وأنا أقرأ عن هذا الحب الكبير ، الذى يجمع بين قلبيهما وعن هذا الإيثار ، الذي يتبادلانه إلى حد أن تقترح عليه زوجته أن يتزوج عليها أخرى لكيلا تحرمه من الأطفال مع بقائها على حبها وإخلاصها له .. وبكيت وهو يشرح لك كيف رفض وأصر على الرفض متمسكاً بها إلى النهاية . لأن هذه القصة جددت أحزانى وأشعرتني بعمق المأساة التى أعيشها ..
فلقد كانت لى قصة حب وزواج مماثلة بدأت بعد أن تخرجت من الكلية منذ عشرين سنة وعملت فى وظيفة مرموقة لها بريق يخدع الأبصار عن حقيقة وضعها المادى ، وبهذا البريق وحده تحدد مصيري إذ تعرفت بفتاة جميلة أحببتها بكل شبابي وحرماني وأحبتني باندفاع ، وحين أردنا الارتباط واجهتنا المشاكل ، فاصطدمت أولاً بموقف أسرتها التى لم تتحمس للزواج لكنها لم ترفض صراحة ، خوفا من ابنتهم العنيدة القوية وهى أسرة من عالم غير عالمى تعتز بعضويتها القديمة جداً فى نادى الجزيرة وسكانها منذ الأربعينيات فى حى الزمالك وبعلاقاتها الاجتماعية العريضة مع من يسمون بالطبقة الراقية ، مع أنها أسرة ليست ثرية فى النهاية .
أما أنا فقد كنت أحد أبناء موظف صغير جداً فى قرية كافح كفاح الأبطال لتعليم أبنائه وأرسلني إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة ، معتبرا أنه قد أدى رسالته بذلك ، وكان يرسل لى حوالة بمبلغ خمسة جنيهات لأعيش بها طوال الشهر فى المدينة الجامعية ، معتمداً على وجبات الطعام فيها التى لا يزيد ثمن الواحدة منها – أيامها على 3 قروش .
وعندما تخرجت وجدت بسهولة سكنا مشتركا فى شقة من 3 حجرات مع زميل لى نتقاسم إيجاره ونفقاته .. إلى أن عرفتها بالمصادفة فى بوفيه كلية الآداب القديم ، وكانت تزور إحدى صديقاتها ، لأن فتاتى لم تحصل سوى على الثانوية العامة ، فبدأت العلاقة وأحببتها حباً ملك على نفسي .. وأحبتني حباً جنونياً وحين أردنا الزواج قررت أن تعرضنى على أسرتها ، ويوم قدمتنى إليها غسلت بدلتى الوحيدة وكويتها وارتديت أحسن قمصانى وذهبت إلى بيت أسرتها فى الموعد المحدد .
واستقبلى الأب فى روب دى شامبر مترفعا متحفظا .. وكذلك الأم والشقيقات وأحسست من اللحظة الأولى أنى غير مرغوب فى .. وأن الأسرة لا ترانى من مستواها .. لكن فتاتى جلست فى الصالون متنمرة لأي حركة من أسرتها ضدي .. ولاحظت ذلك وانتهى الموقف بتسليمهم برغبة ابنتهم .. كأنهم قد يئسوا منها فتركوها تفعل ما تريد .. وأقنعت زميلي فى الشقة بأن يبحث لنفسه عن مسكن آخر لأتزوج فيها .. وكان شهما فقبل خصوصاً أنه كان من السهل أيامها العثور على سكن آخر .. ورتبت فتاتي كل شىء لنتزوج ..
واعتصرت أنا وأبى وإخواتى ليعطونى كل ما معهم لأقدم به شبكة مناسبة له ، واقترضت من كل أصدقائي وأعطيتها كل ما معى ، واشتريت الشبكة التى تراها لائقة أمام الأهل ، وأنفقت أنا كل ما معي لأحافظ على المظهر المطلوب وكانت خطتها أن نتزوج ثم نسدد ديوني ونستكمل مطالب بيتنا من حصيلة ( الصباحية ) التى سوف يقدمها لنا أقاربها العظام .
وبدأنا حياتنا الزوجية وليس فى جيبي سوى ثلاثة جنيهات ، وبدأ الأهل توافدون علينا لتقديم هدايا الزواج المالية ، ولاحظت بدهشة أن هدايا عائلتها كانت خمسين جنيها من كل أسرة .. وكانت مبلغاً كبيرا فى الستينات ، ولم يفتني أن ألحظ الفارق المؤلم بين هدايا أسرتها وهدايا أسرتي التى لم تزد الواحدة منها على خمسة جنيهات ،كما لم يلفتني أيضا أن ألحظ أن إخواتى وأقاربى كانوا يبدون كالغرباء وسط أسرتها وأقاربها ، الذين لم يبدون أية رغبة فى الاقتراب منهم ، وتألمت لكنى كتمت ألمى وانتهى ( المولد ) بعد أيام ، وأسفر عن حوالي 600 جنيه أكثر من 500 منها جاءت من أسرتها .
وبدأت زوجتي تستكمل شراء الأشياء الناقصة وأعطتني خمسين جنيهاً لتسديد ديون، وغرقنا فى بحر السعادة بلا حدود ، ولاحظت من الأيام الأولى أن زوجتي لا تكاد تعرف شيئاً عن أعمال البيت كما أنها لا تدخل المطبخ إلا نادراً ولصنع فنجان من ( النسكافية ) أو الشاى .. أما الطعام فمن السوق يوما بيوم ،
ولم ألتفت لذلك طويلاً لأني كنت غارقا فى حبي لها وسعادتي بها ، وحملت زوجتي واقترب موعد الولادة فطلبت منى زوجتي أن أحجز لها فى المستشفى الذى تلد فيها فتيات الأسرة ، وهو مستشفى غال .. فسافرت إلى بلدتي وقابلت أبى وشرحت له الموقف وطلبت مساعدته فأشفق على ، وأقترض من رئيسه مبلغا وأعطاه لى ، مع ما تبقى من راتبه وعدت للقاهرة فبعت ساعتي وحجزت لزوجتي فى المستشفى الفاخرة ، ووضعت زوجتي طفلة وخرجت من المستشفى إلى بيت أبيها لكى تتولى أمها إرشادها لرعاية الطفلة ، وعشت وحيداً لمدة شهرين أتردد عليها كل يوم ..
وكلما سألتها عن موعد العودة تقول لى عندما أسترد صحتي ، واطمئن إلى أن الطفلة بخير . ثم أخيراً عادت تاركة الطفلة فى رعاية أمها لكى تعود إليها كل يومين فتمضى بجوارها ثلاثة أيام ، وهكذا وكلما طالبتها بإحضار الطفلة لبيتنا والاستقرار معى فيه ، رفضت فى البداية بهدوء ثم بشدة ، ثم بعنف ، ثم صرخت فى : ( تيجى تعيش فين ، فى شقة ما بتدخلهاش الشمس بالخمسة وعشرين جنيه بتوعك ) !
واتضحت الحقيقة المؤلمة أمامي لأول مرة ، لقد هدأت نار الحب الذى جمعتها بى .. وبدأت حبيبتي تضيق بمتاعب الحياة معى وبضآلة راتبي ، وصدقني يا سيدى أن قصة سعادتي معها انتهت بالفعل بعد زواجي منها بسنة وثلاثة شهور ، فمنذ ذلك الحين لم تستقر الحياة بنا أبدا ..
وخلال السنوات الثلاث التالية كانت تصفو لى أحيانا ويتجدد الحب فى قلبها فتعود لتقيم معى شهوراً .. ثم تضيق بمتاعب الحياة فجأة فتعود إلى بيت أسرتها وأعيش وحيداً مشرداً وهكذا ، والعجيب أنها حين تصفو تصبح كالنسمة الرقيقة تفيض حباً وحناناً .. وحين تنقلب تصبح كالقطة المتوحشة التى تخمش من يقترب منها ولا تخفى رأيها فى أنها أخطأت بالزواج منى لأنى لم أكن لها ، وأن شقيقاتها ينعمن بأزواج أثرياء ويتقلبن فى النعيم وهى تعانى شظف العيش معى ، وليس غريباً طبعا أنها قاطعت أهلي بعد الزواج بقليل ونفرتهم من زيارتي .
وهكذا مضت بى الحياة معها .. حتى جاءتنى الفرصة للعمل فى الخارج فذهبت إليها وأبلغتها بأن مشاكلنا سوف تحل ، وأننى سأحقق لها كل مطالبها .. فشجعتنى على السفر وسافرت فعلا ، واستدعيتها بعد 3 شهور فجاءت فرحة مقبلة على الحياة وعلى التجربة ، ووجدتنى قد استأجرت شقة من 3 غرف وأثثتها بالأثاث المناسب لغريب سيعمل عدة سنوات ثم يبيع كل شىء ويعود لبلاده ، فرفضت هذا ثم نزلت إلى الأسواق لتشترى أثاثاً فاخراً يليق بها .. ولم تكف نقودى فطالبتني بالاقتراض من البنك بضمان راتبي لاستكمال الأثاث .. وفعلت راغماً ، وهكذا عدت مدينا فى غربتى رغم ضخامة راتبى .. ونفذت ما أرادت وأصبحت لنا شقة كشقة أسرتها فى مصر .
وهدأت الأحوال بيننا لمدة 4 سنوات عشتها فى هذا البلد .. لم تكف خلالها عن الشراء وإقامة الولائم ، ودعوة الأصدقاء والمعارف . ولولا أنى أخفيت عنها موردا من مواردى هناك لما استطعت أن أدخر مليماً ، ولما استطعت أن أعود فى إحدى الأجازات وحيدا لاستأجر شقة من 4 غرف فى حى راقي قريب من حى الأسرة العتيد ، لأنها متلافة بشكل عجيب .. وكالبحر الهائج دائما .. فى السلم والحرب معا أى فى السعادة .. وفى الشجار .. لا وسط عندها أبدا ، لها أصدقاء وأعداء باستمرار ، مع الأصدقاء تذوب رقة .. ومع الأعداء كالنار الموقدة ،
ورغم أنى لم أدخر عشر ما كان يبغى أن أدخره خلال هذه السنوات الأربع ، فلقد كانت أجمل سنوات حياتنا وأكثرها استمرارية .. إذ عدنا بعد ذلك إلى مصر وتكبدت نفقات هائلة لشحن الأثاث الملوكى الذى اشترته هناك وحققت لها جميع رغباتها ، وعدت إلى عملي الذى حققت فيه بعض التقدم ،وأصبح لى منه دخل معقول لكنه كان لا يفى بمطالب حياتها الباهظة ، وطبعاً عادت المتاعب بعد فترة وتفاقمت حين أهانتني ذات مرة إهانة جارحة أمام أسرتها وهى تتحدانى إن كنت رجلاً أن أطلقها ، ولم تكن المرة الأولى ولا العاشرة التى طالبتنى فيها بالطلاق .. فطلقتها لكى تعود إلى رشدها ..
يتبع
وصدقني يا سيدي أنني بكيت وأنا أقرأ عن هذا الحب الكبير ، الذى يجمع بين قلبيهما وعن هذا الإيثار ، الذي يتبادلانه إلى حد أن تقترح عليه زوجته أن يتزوج عليها أخرى لكيلا تحرمه من الأطفال مع بقائها على حبها وإخلاصها له .. وبكيت وهو يشرح لك كيف رفض وأصر على الرفض متمسكاً بها إلى النهاية . لأن هذه القصة جددت أحزانى وأشعرتني بعمق المأساة التى أعيشها ..
فلقد كانت لى قصة حب وزواج مماثلة بدأت بعد أن تخرجت من الكلية منذ عشرين سنة وعملت فى وظيفة مرموقة لها بريق يخدع الأبصار عن حقيقة وضعها المادى ، وبهذا البريق وحده تحدد مصيري إذ تعرفت بفتاة جميلة أحببتها بكل شبابي وحرماني وأحبتني باندفاع ، وحين أردنا الارتباط واجهتنا المشاكل ، فاصطدمت أولاً بموقف أسرتها التى لم تتحمس للزواج لكنها لم ترفض صراحة ، خوفا من ابنتهم العنيدة القوية وهى أسرة من عالم غير عالمى تعتز بعضويتها القديمة جداً فى نادى الجزيرة وسكانها منذ الأربعينيات فى حى الزمالك وبعلاقاتها الاجتماعية العريضة مع من يسمون بالطبقة الراقية ، مع أنها أسرة ليست ثرية فى النهاية .
أما أنا فقد كنت أحد أبناء موظف صغير جداً فى قرية كافح كفاح الأبطال لتعليم أبنائه وأرسلني إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة ، معتبرا أنه قد أدى رسالته بذلك ، وكان يرسل لى حوالة بمبلغ خمسة جنيهات لأعيش بها طوال الشهر فى المدينة الجامعية ، معتمداً على وجبات الطعام فيها التى لا يزيد ثمن الواحدة منها – أيامها على 3 قروش .
وعندما تخرجت وجدت بسهولة سكنا مشتركا فى شقة من 3 حجرات مع زميل لى نتقاسم إيجاره ونفقاته .. إلى أن عرفتها بالمصادفة فى بوفيه كلية الآداب القديم ، وكانت تزور إحدى صديقاتها ، لأن فتاتى لم تحصل سوى على الثانوية العامة ، فبدأت العلاقة وأحببتها حباً ملك على نفسي .. وأحبتني حباً جنونياً وحين أردنا الزواج قررت أن تعرضنى على أسرتها ، ويوم قدمتنى إليها غسلت بدلتى الوحيدة وكويتها وارتديت أحسن قمصانى وذهبت إلى بيت أسرتها فى الموعد المحدد .
واستقبلى الأب فى روب دى شامبر مترفعا متحفظا .. وكذلك الأم والشقيقات وأحسست من اللحظة الأولى أنى غير مرغوب فى .. وأن الأسرة لا ترانى من مستواها .. لكن فتاتى جلست فى الصالون متنمرة لأي حركة من أسرتها ضدي .. ولاحظت ذلك وانتهى الموقف بتسليمهم برغبة ابنتهم .. كأنهم قد يئسوا منها فتركوها تفعل ما تريد .. وأقنعت زميلي فى الشقة بأن يبحث لنفسه عن مسكن آخر لأتزوج فيها .. وكان شهما فقبل خصوصاً أنه كان من السهل أيامها العثور على سكن آخر .. ورتبت فتاتي كل شىء لنتزوج ..
واعتصرت أنا وأبى وإخواتى ليعطونى كل ما معهم لأقدم به شبكة مناسبة له ، واقترضت من كل أصدقائي وأعطيتها كل ما معى ، واشتريت الشبكة التى تراها لائقة أمام الأهل ، وأنفقت أنا كل ما معي لأحافظ على المظهر المطلوب وكانت خطتها أن نتزوج ثم نسدد ديوني ونستكمل مطالب بيتنا من حصيلة ( الصباحية ) التى سوف يقدمها لنا أقاربها العظام .
وبدأنا حياتنا الزوجية وليس فى جيبي سوى ثلاثة جنيهات ، وبدأ الأهل توافدون علينا لتقديم هدايا الزواج المالية ، ولاحظت بدهشة أن هدايا عائلتها كانت خمسين جنيها من كل أسرة .. وكانت مبلغاً كبيرا فى الستينات ، ولم يفتني أن ألحظ الفارق المؤلم بين هدايا أسرتها وهدايا أسرتي التى لم تزد الواحدة منها على خمسة جنيهات ،كما لم يلفتني أيضا أن ألحظ أن إخواتى وأقاربى كانوا يبدون كالغرباء وسط أسرتها وأقاربها ، الذين لم يبدون أية رغبة فى الاقتراب منهم ، وتألمت لكنى كتمت ألمى وانتهى ( المولد ) بعد أيام ، وأسفر عن حوالي 600 جنيه أكثر من 500 منها جاءت من أسرتها .
وبدأت زوجتي تستكمل شراء الأشياء الناقصة وأعطتني خمسين جنيهاً لتسديد ديون، وغرقنا فى بحر السعادة بلا حدود ، ولاحظت من الأيام الأولى أن زوجتي لا تكاد تعرف شيئاً عن أعمال البيت كما أنها لا تدخل المطبخ إلا نادراً ولصنع فنجان من ( النسكافية ) أو الشاى .. أما الطعام فمن السوق يوما بيوم ،
ولم ألتفت لذلك طويلاً لأني كنت غارقا فى حبي لها وسعادتي بها ، وحملت زوجتي واقترب موعد الولادة فطلبت منى زوجتي أن أحجز لها فى المستشفى الذى تلد فيها فتيات الأسرة ، وهو مستشفى غال .. فسافرت إلى بلدتي وقابلت أبى وشرحت له الموقف وطلبت مساعدته فأشفق على ، وأقترض من رئيسه مبلغا وأعطاه لى ، مع ما تبقى من راتبه وعدت للقاهرة فبعت ساعتي وحجزت لزوجتي فى المستشفى الفاخرة ، ووضعت زوجتي طفلة وخرجت من المستشفى إلى بيت أبيها لكى تتولى أمها إرشادها لرعاية الطفلة ، وعشت وحيداً لمدة شهرين أتردد عليها كل يوم ..
وكلما سألتها عن موعد العودة تقول لى عندما أسترد صحتي ، واطمئن إلى أن الطفلة بخير . ثم أخيراً عادت تاركة الطفلة فى رعاية أمها لكى تعود إليها كل يومين فتمضى بجوارها ثلاثة أيام ، وهكذا وكلما طالبتها بإحضار الطفلة لبيتنا والاستقرار معى فيه ، رفضت فى البداية بهدوء ثم بشدة ، ثم بعنف ، ثم صرخت فى : ( تيجى تعيش فين ، فى شقة ما بتدخلهاش الشمس بالخمسة وعشرين جنيه بتوعك ) !
واتضحت الحقيقة المؤلمة أمامي لأول مرة ، لقد هدأت نار الحب الذى جمعتها بى .. وبدأت حبيبتي تضيق بمتاعب الحياة معى وبضآلة راتبي ، وصدقني يا سيدى أن قصة سعادتي معها انتهت بالفعل بعد زواجي منها بسنة وثلاثة شهور ، فمنذ ذلك الحين لم تستقر الحياة بنا أبدا ..
وخلال السنوات الثلاث التالية كانت تصفو لى أحيانا ويتجدد الحب فى قلبها فتعود لتقيم معى شهوراً .. ثم تضيق بمتاعب الحياة فجأة فتعود إلى بيت أسرتها وأعيش وحيداً مشرداً وهكذا ، والعجيب أنها حين تصفو تصبح كالنسمة الرقيقة تفيض حباً وحناناً .. وحين تنقلب تصبح كالقطة المتوحشة التى تخمش من يقترب منها ولا تخفى رأيها فى أنها أخطأت بالزواج منى لأنى لم أكن لها ، وأن شقيقاتها ينعمن بأزواج أثرياء ويتقلبن فى النعيم وهى تعانى شظف العيش معى ، وليس غريباً طبعا أنها قاطعت أهلي بعد الزواج بقليل ونفرتهم من زيارتي .
وهكذا مضت بى الحياة معها .. حتى جاءتنى الفرصة للعمل فى الخارج فذهبت إليها وأبلغتها بأن مشاكلنا سوف تحل ، وأننى سأحقق لها كل مطالبها .. فشجعتنى على السفر وسافرت فعلا ، واستدعيتها بعد 3 شهور فجاءت فرحة مقبلة على الحياة وعلى التجربة ، ووجدتنى قد استأجرت شقة من 3 غرف وأثثتها بالأثاث المناسب لغريب سيعمل عدة سنوات ثم يبيع كل شىء ويعود لبلاده ، فرفضت هذا ثم نزلت إلى الأسواق لتشترى أثاثاً فاخراً يليق بها .. ولم تكف نقودى فطالبتني بالاقتراض من البنك بضمان راتبي لاستكمال الأثاث .. وفعلت راغماً ، وهكذا عدت مدينا فى غربتى رغم ضخامة راتبى .. ونفذت ما أرادت وأصبحت لنا شقة كشقة أسرتها فى مصر .
وهدأت الأحوال بيننا لمدة 4 سنوات عشتها فى هذا البلد .. لم تكف خلالها عن الشراء وإقامة الولائم ، ودعوة الأصدقاء والمعارف . ولولا أنى أخفيت عنها موردا من مواردى هناك لما استطعت أن أدخر مليماً ، ولما استطعت أن أعود فى إحدى الأجازات وحيدا لاستأجر شقة من 4 غرف فى حى راقي قريب من حى الأسرة العتيد ، لأنها متلافة بشكل عجيب .. وكالبحر الهائج دائما .. فى السلم والحرب معا أى فى السعادة .. وفى الشجار .. لا وسط عندها أبدا ، لها أصدقاء وأعداء باستمرار ، مع الأصدقاء تذوب رقة .. ومع الأعداء كالنار الموقدة ،
ورغم أنى لم أدخر عشر ما كان يبغى أن أدخره خلال هذه السنوات الأربع ، فلقد كانت أجمل سنوات حياتنا وأكثرها استمرارية .. إذ عدنا بعد ذلك إلى مصر وتكبدت نفقات هائلة لشحن الأثاث الملوكى الذى اشترته هناك وحققت لها جميع رغباتها ، وعدت إلى عملي الذى حققت فيه بعض التقدم ،وأصبح لى منه دخل معقول لكنه كان لا يفى بمطالب حياتها الباهظة ، وطبعاً عادت المتاعب بعد فترة وتفاقمت حين أهانتني ذات مرة إهانة جارحة أمام أسرتها وهى تتحدانى إن كنت رجلاً أن أطلقها ، ولم تكن المرة الأولى ولا العاشرة التى طالبتنى فيها بالطلاق .. فطلقتها لكى تعود إلى رشدها ..
يتبع
اسم الموضوع : قصة الأسبوع "ألسنة اللهب "
|
المصدر : القصص والروايات الواقعية