شبح هايبلرون

[راجيه الرضا]

شبح هايلبرون !!
بين عامي 1993 و 2009 انتشرت مجموعة من الجرائم في أوروبا، منها جرائم قتل، وسرقة، كان أشهرها حادثة مقتل الشرطية ميشال كيسواتر في مدينة "هايلبرون" الألمانية، في عام 2007.
القاسم المشترك بين كل هذه الجرائم كان حمضاً نووياً لامرأة، تم اكتشافه في مسارح الجرائم.
ورغم بذل الجهود الكبيرة لفك لغز هذه الجرائم، ومحاولة الربط بينها، إلا أنها جميعاً باءت بالفشل.
ومع تزايد هذه الجرائم، وتنوعها، وتوسع الرقعة الجغرافية لها، حتى شملت عدة دول منها ألمانيا، وفرنسا، والنمسا، تحولت القاتلة هذا إلى لغز كبير، واجتاج الرعب منها أوروبا كلها، و انتشرت القصة إعلامياً، وتم اطلاق لقب: "شبح هايلبرون" " Phantom of Heilbronn" على هذه القاتلة الخطيرة، نسبة لمدينة هايلبرون التي وقعت فيها الحادثة الشهيرة.
ثم كانت المفاجأة !!!
كان حل هذا اللغز المحير ببساطة: أن المسحة القطنية التي كانت تستخدم في جمع العينات من مسرح الجريمة كانت مصنعة في أحد المختبرات في ألمانيا، وحدث تلوث في أحد خطوط الإنتاج، فاختلط الحمض النووي لإحدى العاملات في ذلك المختبر بالقطن في تلك المسحات، وبالتالي ظهر الحامض النووي الخاص بها في كل المسحات التي تم التقاطها في مسارح الجرائم.
بعد كل هذا العناء... وكل هذا الرعب... لم يكن هناك قاتلة واحدة... ولم يكن هناك رابط حقيقي بين كل هذه الجرائم.
لم يكن شبح هايلبرون على الإطلاق!!
ــــــــــــــــــ
كثير من البشر مشاكلهم... ونكباتهم في الحياة هي محض "شبح هايلبرون" آخر لا أكثر...
يبحثون عن أسباب إخفاقاتهم... وصعوبة مفردات أعمارهم... ومشاكلهم مع غيرهم...
ولكن على الحقيقة السبب في كل هذا ليس في الخارج...
السبب هناك... بين أضلعهم !!!
السبب في أغلب هذا هو منهم لا من غيرهم !!
الرابط المنطقي و الواقعي بين كل هذا: هو ذات أنفسهم!!
نعم...
كثير من الناس يبحثون عن مشاكلهم عند عتبات الآخرين، يبحثون عن شبح وهمي يفسد عليهم الحياة وما فيها...
مع أن الحقيقة لا تحتاج لمن يجليها...
لكن هناك من البشر من عنده أتم الاستعداد لإلصاق النقص و الشر بكل من حوله...
ولا يفكر ولو كخاطر عابر في اتهام نفسه...
هناك من يتعامي عن رؤية الحقيقة و لو كانت كالكوكب الساطع...
ولا يرى أبداً أي دناسة تعكر بريق ثوبه الناصع !!!


د.محمد فرحات