التمحيصُ قبلَ القضاءِ على الأعداءِ سنةٌ ماضية من سننِ اللَّه عز وجل

احصائياتى
الردود
2
المشاهدات
675

هـاجر

مشرفة سابقة
معلومات هـاجر
إنضم
22 يناير 2007
المشاركات
2,561
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
الكويت الحبيبه
الموقع الالكتروني
www.denana.com
التمحيصُ قبلَ القضاءِ على الأعداءِ سنةٌ ماضية من سننِ اللَّه عز وجل
التمحيصُ قبلَ القضاءِ على الأعداءِ سنةٌ ماضية من سننِ اللَّه عز وجل



إهداء
- إن أولى من يهدي إليه هذه الرسالة , هو أولى الناس بالمؤمنين , نبينا ( محمد) الصادق الأمين صلي الله عليه وسلم , فإليك يا منقذ الخلق من الضلال أهدي رسالتي هذه راجيا ً من الَّله عز وجل أن يمنَّ عليّ بشفاعتك .. ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الَّله بقلبٍ سليم ) .


- إلى كل المشايخ والعلماء .
- إلى أمي وأبي وأخواتي وإخواني في الله عز وجل .


- إلى كل الصحوة السلفية المباركة .
- إلى كل طالب هديْ .


- إلى كل من سأل لماذا المسلمون يُبتلون .
- إلى كل الأمة المسلمة رجاء العودة إلى سبيل العز والرفعة والرجوع إلي حظيرة العبودية من جديد .



إن الحمد لله نحمده تعالي ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله تعالي فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أما بعد :


فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي , وأحسن الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم , وشر الأمور محدثها , وكل محدثةٍ بدعة , وكل بدعةٍ ضلالة , وكل ضلالةٍ في النار .


أيها الإخوة الكرام يجب علينا في هذه الأيام المنكوبةِ بأهلها أن يُذكِر بعضنا البعض بمثل هذه السنن الربانية الماضية التي لا تتغير, و لطول هذا الطريق وفي هذه الأيام الصعبة التي غيب فيها شرع الله عز وجل وفي كل ناحية من نواحي الحياة وعلي مستوى الفرد والدولة ما هو إلا الفساد في الأرض والشقاوة للناس والإرتكاس في حمأة الجاهلية التي تعبد الهوي من دون الله عز وجل :


{ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } [الفرقان/43] { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } (القصص : 50 ) .


وفي ظل هذه الظروف يسأل كلٌ منا لماذا نُبتلي بكل هذه الإبتلات ؟ لماذا المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يعذبون ؟ لماذا الغلبة الآن مع أعدائنا ؟ لماذا الأموال الطائلة مع العالَم الفاسقة والفاجرة .. وطالب العلم لا يجد أجر وسيلة المواصلات التي يذهب بها إلي شيخه ؟


لماذا اليهود والنصارى يتغطرسون علي المسلمين وكأن العاقبة لهم ؟ فإن كل هذه الأسئلة هي التي دفعتني إلى كتابة هذه الرسالة من باب المواساة والتذكرة لي ولكم , فأقول متوكلاً عليه سبحانه وتعالى :


فلابد أن نعلم أن الابتلاء سنة من سنن الله عز وجل الماضية فقال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } .


وقوله : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ } استفهام إنكار، ومعناه : أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان ..

كما جاء في الحديث الصحيح : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء " وهذه الآية كقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142] ، وقال في البقرة : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } . [البقرة : 214] .

ولهذا قال هاهنا : { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } أي : الذين صدقوا في دعواهم الإيمان مِمَّنْ هو كاذب في قوله ودعواه . والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ..

وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل : { إِلا لِنَعْلَمَ } [ البقرة : 143] : إلا لنرى ؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود ، والعلم أعم من الرؤية ، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود .


وانظر إلي قوله تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } ؟


يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين الذين أُصِيبوا يومَ أُحُد ، وقُتِل منهم سبعون : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي : قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين؛ ولهذا قال: { فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } .


ثم قال : { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ } يعني : القرآن فيه بيان للأمور على جليتها ، وكيف كان الأممُ الأقدمون مع أعدائهم { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } يعني : القرآن فيه خَبَرُ ما قبلكم و { هُدًى } لقلوبكم و { مَوْعِظَةٌ } أي : زاجر [عن المحارم والمآثم] .


ثم قال مسليا للمؤمنين : { وَلا تَهِنُوا } أي : لا تَضعفوا بسبب ما جرى { وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } .. أي : العاقبة والنّصرة لكم أيها المؤمنون . { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أي : إن كنتم قد أصابتكم جراحٌ وقُتل منكم طائفةٌ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح ..

{ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } أي : نُديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } قال ابن عباس : في مثل هذا لنَرَى ، أي : من يَصبر على مناجزة الأعداء { وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } يعني : يُقْتَلُون في سبيله ، ويَبْذُلون مُهَجهم في مرضاته .

{ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } أي : يكفر عنهم من ذنوبهم ، إن كان لهم ذنوب وإلا رُفعَ لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به ، وقوله : { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أي : فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبَطروا فيكون ذلك سَبَبَ دمارهم وهلاكهم ومَحْقهم وفنائهم .


ثم قال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } أي : أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد ، كما قال تعالى في سورة البقرة : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ]} [البقرة : 214 ] .

وقال تعالى : { الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت : 1-3] ؛ ولهذا قال هاهنا : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } أي : لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تُبْتَلَوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء .


أخي الحبيب فلابد من التمحيص قبل التمكين فلابد من سماع الأذى ولابد من وقوع البلاء والاستهزاء :


* قال تعالى : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(186) آل عمران .


أي لابد أن يبتلي المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ويبتلي المؤمن على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا "

وذكر البخاري عند تفسير هذه الآية عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يُسلم ابن أبي وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفة بردائه وقال : لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن فقال عبد لله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون


*وقال تعالى : ِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ(29)وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30)وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ(31)وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ(32)وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ(33)فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ(35)هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36) المطففين .


يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم . وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أي محتقرين لهم . أي وإذا انقلب أي رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم انقلبوا إليها فكهين أي مهما طلبوا وجدوا ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحقرونهم ويحسدونهم.

أي لكونهم على غير دينهم . وطريقتهم , أي وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم ؟ فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم كما قال تعالى " اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " .


* قال تعالى : وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا(27) النساء .. وقوله " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلا عظيما .


* ومع هذا إذا نصحتهم من باب حب الخير للخليقة ماذا يكون ردهم ؟ قال تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ( 12 ) البقرة .


يقول : ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادا .. فيجب علينا أن نعلم أن التمحيص قبل التمكين سنة ماضية من سنن الله عز وجل وانظر إذا شئت إلى قوله تعالى :


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } .


يقصُّ تعالى على نبيه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء ، وخص الملأ بالذكر ، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه ، وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له { ابعث لنا ملكا } أي : عيِّن لنا ملكا { نقاتل في سبيل الله } ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا ، ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم ، كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت ، كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس ..



فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم ، وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم ، كلما مات نبي خلفه نبي آخر ، فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة { قال } لهم نبيهم { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } أي : لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به ، فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها ، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم ..


فقالوا : { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } أي : أي شيء يمنعنا من القتال وقد ألجأنا إليه ، بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا ، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا ، فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل ، ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقوَ توكلهم على ربهم { فلما كتب عليهم القتال تولوا } ..

فجبنوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة ، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن { إلا قليلا منهم } فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله ..

فلهذا قال : { والله عليم بالظالمين وقال لهم نبيهم } مجيبا لطلبهم { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا } فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض ، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا ، فقالوا :


{ أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } أي : كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه . ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الأموال ، وهذا بناء منهم على ظن فاسد ، وهو أن الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال ، ولم يعلموا أن الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها ، فلهذا قال لهم نبيهم :


{ إن الله اصطفاه عليكم } فلزمكم الانقياد لذلك { وزاده بسطة في العلم والجسم } أي : فضله عليكم بالعلم والجسم ، أي : بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك ، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب ، حصل بذلك الكمال ، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر ، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي ، حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع ، قوة على غير حكمة ..

ولو كان عالما بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا { والله واسع } الفضل كثير الكرم، لا يخص برحمته وبره العام أحدا عن أحد، ولا شريفا عن وضيع ، ولكنه مع ذلك { عليم } بمن يستحق الفضل فيضعه فيه ، فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ليس له راد ، ولا لإحسانه صاد .


ثم ذكر لهم نبيهم أيضا آية حسية يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم ، وتطمئن لها خواطرهم ، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، فأتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا.


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } .


أي : لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم ، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا ، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال : { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني } فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته { ومن لم يطعمه } أي : لم يشرب منه فإنه منِّي { إلا من اغترف غرفة بيده } فلا جناح عليه في ذلك ، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه ..

وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان ، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه ، ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة ، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله ، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم وقوتهم ، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم ..

فلهذا قال تعالى : { فلما جاوزه } أي : النهر { هو } أي : طالوت { والذين آمنوا معه } وهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه فرأوا ... قلتهم وكثرة أعدائهم ، قالوا أي : قال كثير منهم { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } لكثرتهم وعَددهم وعُددهم ..


{ قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله } أي : يستيقنون ذلك ، وهم أهل الإيمان الثابت واليقين الراسخ ، مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم ، وآمرين لهم بالصبر { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } أي : بإرادته ومشيئته فالأمر لله تعالى ، والعزيز من أعزه الله ، والذليل من أذله الله ، فلا تغني الكثرة مع خذلانه ، ولا تضر القلة مع نصره ، { والله مع الصابرين } بالنصر والمعونة والتوفيق، فأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظته في قلوبهم وأثرت معهم .


ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده { قالوا } جميعهم { ربنا أفرغ علينا صبرا } أي: قوِّ قلوبنا ، وأوزعنا الصبر، وثبت أقدامنا عن التزلزل والفرار، وانصرنا على القوم الكافرين .


من هاهنا نعلم أن جالوت وجنوده كانوا كفارا ، فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك ، ونصرهم عليهم { فهزموهم بإذن الله وقتل داود } عليه السلام ، وكان مع جنود طالوت ، { جالوت } أي : باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره { وآتاه الله } أي : آتى الله داود { الملك والحكمة } أي : منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة ، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم ..

ولهذا قال { وعلَّمه مما يشاء } من العلوم الشرعية والعلوم السياسية ، فجمع الله له الملك والنبوة ، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم ، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض ، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله ، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى :
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } أي : لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه { ولكن الله ذو فضل على العالمين } حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها .


انظر أيها الأخ الحبيب الطيب المبارك كم اختبار وامتحان حتى يُمكِّن الله عز وجل لهم , انظر وفي كل امتحان واختبار يسقط منهم من يسقط وينجح منهم من ينجح , اختبار تلوا الاختبار ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين , وحتى يُمكن لصفوة المؤمنين , فأول شي تتعلمه أن لا يغرك تقلب الذين كفروا في البلاد , فلا يغرك تغطرس الكافرين وعلوهم الآن علي المؤمنين فتعلم أن تنظر إلى عدوك من عل لآن الغلبة لك لا محالة فإن الله عز وجل قال في كتابه العزيز ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) .


فانظر إلي عدوك من عل , ولا يؤلمك ما يذاع في وسائل إعلام فاسدة تنشر الِعلمانية وُتلبس علي الناس دينهم فقد سمعت أحدهم يقول إن الله تعالى يُريد المسلم والمسيحي واليهودي ولا يُريد ديناً واحداً ومن أراد ديناً واحداً فقد خالف القوانين أي قانون يقصد هذا التافه قوانين رب العالمين أم قوانين وضعية ..


ويقول أحدهم إن الصلاة بالباروكة جائزة لأنها مثل الحجاب , وتقول أحدهم إن النقاب بدعة وليس من الدين في شي وعلى الدولة محاربة هؤلاء المنتقبات لأنهم متطرفون , هؤلاء ممن يأكلون بدينهم حلوى ..


نرقع دنيانا بتمزيق ديننا .. لا ديننا يبقى ولا ما نرقعه ، فلا يؤلمك مثل هذا الكلام دعهم يقولون ما يقولون ما هم فيه الآن ما هو إلا من كيدهم فإن بشائر النصر ظهرت ولله الحمد والمنة ولكن ما علينا إلا الصبر , فكأنهم يقولون بلسان حالهم يا نهار أسود كل ما نفعله وننفقه ومع كل هذا لا فائدة ..


فإن أحدهم أتي في إذاعة القرآن ويقول نحن نشتكي إلى الله التدفق السلفي إلي جامعة الأزهر من أساتذة وطلاب ، هذا هو حالهم يموتون غيظاً من هذه الصحوة السلفية المباركة .


أخي الحبيب أُعيد عليك قول الله تعالى : { وَلا تَهِنُوا } أي : لا تَضعفوا بسبب ما جرى { وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } .. أي : العاقبة والنّصرة لكم أيها المؤمنون ، فلا يضرك كل هذا ولا تنظر إليه وامضي في طريقك واثبت عليه واصبر علي ما أصابك من أذي هؤلاء المجرمين الحاقدين على هذا الدين .


فإن الله عز وجل معنا ولن يتركنا فإنه أعلم بنا وبحالنا وبضعفنا تجاه هذا التيار من الكفر البواح الحاقدين علي دين الله عز وجل وأوليائه , وهذا يدعونا إلى سؤال مهم وهو : كيف كان نبينا عليه الصلاة والسلام يربي الصحابة الكرام علي الإبتلات التي أحاطت بهم أيضاً ؟


لقد كان صلي الله عليه وسلم في هذه الأحداث وفي هذه الظروف الصعبة يربيهم علي ما يلي :


1. التأسي بالسابقين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم في تحمل الأذى في سبيل الله تعالى .
2. التطلع للمستقبل الذي ينصر الله تعالى فيه الإسلام في هذه الحياة الدنيا , ويذل فيه أهل الشرك والعصيان .


روي البخاري عن خباب ـ رضي الله عنه ـ قال : أتيت النبي صلي الله عليه سلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة , وقد لقينا من المشركين شدة , فقلت : ألا تدعو الله ؟ فقعد وهو محمر وجهه , فقال : ( لقد كان مَنْ قبلَكم ليمشَّط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب , ما يصرفه ذلك عن دينه , ويوضع المنشار علي مفرق رأسه , فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه , وليُتِمَنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ) .. زاد بيان : ( والذئب علي غنمه ) .
3. التعلق بما أعده الله في الجنة للمؤمنين الصابرين من النعيم , وعدم الاغترار بما في أيدي المشركين من زهرة الحياة الدنيا .
روى الطبراني ورجاله ثقات عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لأبي عمار وأم عمار وعمار : ( اصبروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) .


وروى الحاكم في المستدرك وقال صحيح علي شرطهما ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي .. عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بعمار بن ياسر وبأهله يعذبون في الله فقال : ( أبشروا آل ياسر موعدكم الجنة ) .


4. ضبط النفس والتحلي بالصبر , وعدم مقارعة القوة بالقوة والعدوان بالعدوان , حرصاً على حياتهم ونظراً لمستقبل الدعوة , وإمساكاً بزمام الدعوة الوليدة أن يئدها الشر وهي لا تزال غضة طرية ولعل المشركين كانوا يحرصون على مواجهة حاسمة مع الدعوة تنهي أمرها , لكن الحكمة الإسلامية فوتت عليهم الفرصة .


أتي عبد الرحمن بن عوف وأصحابه إلى النبي صلي الله عليه وسلم بمكة فقالوا يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون , فلما آمنا صرنا أذلة قال : إني أُمرت بالعفو , فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا , فأنزل الله : ( أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) . أخرجه الطبري في تفسيره والحاكم في المستدرك وهو علي شرط مسلم فقط .


5. توثيق الصلة بالله , والتقرب إِليه بالعبادة ولقد نزلت هذه الآيات في المرحلة المكية , حيث قال تعالى :


( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) , وهي تأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يخصص شطراً من الليل للصلاة , وقد خيَّره الله تعالي أن يقوم للصلاة نصف الليل أو يزيد عليه أو ينقص منه ..

فقام النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه معه قريباً من عام حتى ورمت أقدامهم فنزل التخفيف عنهم بعد أن علم الله منهم اجتهادهم في طلب رضاه , وتشميرهم لتنفيذ أمره ومبتغاه , فرحمهم ربهم فخفف عنهم فقال تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) ولا شك في أن امتحانهم في هجر الفُرُش ومقاومة النوم ومألوفات النفس لتربيتهم علي المجاهدة , وتحريرهم من الخضوع لأهواء النفس , تمهيداً لحمل زمام القيادة والتوجيه في عالمهم , إذ لابد من إعداد روحي عال لهم .


أخي في الله أظن بعد كل ذلك عرفت أين هو الطريق الذي يوصلك إلى جنة الرحمن سبحانه وتعالى .


وختاماً وأغلى نصيحة : الأخ أو الشيخ المتابع والمربي وأهمية وجوده .


قال الحسن البصري : إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكرون بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة فأما البحث عن ذوي الهمم والمروءات وأصحاب السر مع الله فهي بغية كل مخلص في سيره إلى الله تعالى .


قال زين العابدين إنما يجلس الرجل إلى ما ينفعه في دينه وكان من وصايا السلف انتقاء الصحبة .. قال الحسن البصري : إن لك من خليلكِ نصيبا ً وإن لك نصيبا ً من ذكر من أحببت فانتقوا الإخوان والأصحاب والمجالس .


فاجتهد أيها الأخ الطيب للبحث عن أخ متابعٍ صاحبِ همة عالية ابحث عنه في المساجد ومجالس الصلاح .. أيها الأخ الطيب الحبيب هذه نصيحة محب أكتبها لك لتعمل بها فأقسم لك هذه نصيحة غالية فعضَّ عليها بالنواجذ واعلم أن من تمام سعيك إلى الله تعالي أن تبحث عن شَيخ مربيٍ قد يكون عالما ً أو طالب علم أو أخاً مجتهداً في طلب العلم الشرعي وأمارته أنك تعرفه من لحظِه ولفظِه أنه صاحب سر مع الله تعالى .. واسئل عنه فلن تعدم من يدلك عليه إذا أكثرت السؤال عليه .


وشرط انتفاعك به أن يكون من أَهل السنة فهؤلاء هم أمَنَة الأمة .. ومثل هذا الأخ الطيب المبارك تنتفع بهديه وسمته وبِفِعاله قبل أقواله تراه في الصلاة نموذجاً للخشوع والصدق والتبتُّل .. واطلب منه أن يتابعك ويرافقك في الطريق إلى الله تعالى فأنا وأنت محتاجين إلى من يرافقنا فهذا الأمر من الأهمية بمكان ، لا أقدر أن اصف لك أهمية هذا الأمر يتابعك في كل شيِ يتابعك في عبادتك يتابعك في أمور تعليم دينك ولينصحك وتشاوره في كل شي سواءِ أمور دنيا أو آخرة .


أخي الحبيب ابحث عنه ستجده إن شاء ربي وقدر .. واعلم أنه تتحقق النجاة بأمرين : طلب العلم .. وصحبة مؤمنة تعين على أمر الدنيا والآخرة .. وآخر كلمة أُشهد الله أني أُحبكم في الله تعالى .


إلهي لا تعذب لساناً يخبر عنك ، ولا عيناً تنظر إلي علوم تدل عليك ، ولا قدماً تمشي في خدمتك ، ولا يداً تكتب حديث رسولك صلي الله عليه وسلم ، فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلُها أني كنت أذبُّ عن دينك . اللَّهمَ بلغني آمالي من العلم والعمل وأطل عمري لأبلغ (ما) أحب من ذلك .


أخي الحبيب يا من تبغي لأمتك الخير وتسعى لكل خدمة تؤديها إليها .. أُشهد الله أني أُحبك في الله تعالى .. احرص رحمني الله وإياك علي نشر هذه الرسالة كصدقة جارية وعلم ينتفع به بعد الموت إن شاء الله تعالى .


ولا تنسَ حقي عليك من النصيحة الصادقة والدعوة الصالحة بظهر الغيب .



كتبه الفقير إلى عفو مولاه ورضاه وستره / أبو الفرج أيمن بن عبد العظيم .
تم بحمد الله قبيل فجر الأحد الموافق 29 رمضان 1427 من هجرة النبي صلي الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم .

...............


المراجع :


• القرآن الكريم .
• تفسير بن كثير .
• تفسير السعدي .
• صحيح البخاري .
• صحيح مسلم .
• مستدرك الحاكم .
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه