معلومات شهد الصباح
- إنضم
- 4 نوفمبر 2007
- المشاركات
- 466
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
- العمر
- 39
البحث عن هوية
مقدمه
الانسان.. هذا المخلوق الذي لا تستطيع وصفه الكلمات.. لا تستطيع وصف الاعجاز الإلاهي فيه..يقضي عمره كيف ما يشاء.. ينسى في لحظات ويتذكر في أخرى..يعلو ويهبط باحساسه وعيشته بين الفينة والاخرى.. يدمع مرة لبسمة و أخرى لوخزة.. يصرخ اما فرحا او متألما..
عبد الله قضى من عمره تسعة اشهر و قد حانت ساعة ولادته.. تسعة اشهر قضاها في ظلمة رحم امه تتغذى روحه قبل جسده منها.. قلب ينبض رئة تتنفس عقل يعمل كل هذا في داخل احشاء تلك المرأة.. التي تحمله وتخاف عليه قبل ان تخاف على نفسها و تحافظ عليه فلا تأكل ما يضره وتتنازل عن أشياء كثيرة لحمايته و مع ذلك و مع كل ما يلاقيه هذا الجنين من العناية و الرعاية بعيدا عن كل منغصات الحياة الا انه يصارع للخروج من ذلك المكان فهل هو طبع الجحود في الانسان الذي يدفعه او رغبته في رؤية الضوء و بهرجة الحياة و الوانها الجميلة وبمعنى اخر السعي وراء النفس و الهوى واعتقاده ان ما هناك بالخارج دوما افضل مما هو موجود هنا بالداخل.. الان وقد ظهر عبد الله الى الحياة و مع أول جرعة هواء يتنفسها يصرخ فهل يا ترى يا عبد الله صرخت فرحة لخروجك اخيرا الى ما كنت تحلم به و ستعيش و تحقق كل احلامك.. أم أنك صرخت صرخة ألم لما تنشقته من هواء لوثه البشر الذين سبوقك الى الحياة.. أتنشقت الخداع أم الغدر أم الكره .. هل هي صرخة ندم تتمنى فيها الرجوع الى حيث كنت؟! مهما كان ما وراء صرختك فانت الان تستلقي في حضن امك الفرحة برؤية وجهك و التي لهج قلبها قبل لسانها بالدعاء لك و لتذكر ان هذه الدعوة لربما تغير في حياتك الكثير يا عبد الله.. حينها احسست بالامان في هذه الدنيا اشرقت نظرتك للحياة ان كنت نادما انك صارعت للخروج اليها..او انك شعرت بان هناك من يساندك مهما كان هدفك الذي تسعى اليه.. في النهاية انك حين تشتاق للعودة الى ذلك المكان المظلم الهادئ الامن فلن تجد افضل من هذا الحضن لترتمي فيه متى احببت و متى شئت..
مرت الايام و الشهور و كبر عبد الله و بدأ يمشي و يتحسس كل ما يراه او تقع يده عليه و قبل ان يتحسسه بيده او يتفحصه بنظره فانه يضعه في فمه ليتعرف اليه هناك في ظلمة فمه.. في كل يوم يكبر عبد الله و فرحة امه تكبر في عينها..
[FONT='Times New Roman','serif']ما أن أكمل عبد الله عامه الثاني حتى اندلعت الحرب و اشتد وطيسها..كل يوم ضحايا و تخريب و تهديم و نيران و صواريخ و هدير طائرات و عويل نساء و بكاء أطفال..كان هذا اول ما يسمعه ويعيه عبد الله من هذه الدنيا و اني لمتأكدة انه في هذه اللحظة تمنى لو انه لم يخرج من بطن امه و بشدة.. مرت عامان و كل شئ محطم بيوتا و اناسا.. كان عبد الله يكبر ويرى الدموع في عين امه كلما نظر اليها.. و لكن كانت نظرة الامل في عينه تخفف من المها و تزيد من املها..و في أحد الأيام و بينما كانت العائلة مجتمعة و بعد أن عاد أبو عبد الله من عمله و أخذ يداعب ابنه و يلاطف زوجته أخبر زوجته أن لم يعد يطيق الجلوس متفرجا كان كلامه فاجعا بالنسبة لأم عبد الله حاولت أن تثنيه عن ما يود القيام به و لكن كان قد فاض به فلم يصغي لكلامها.. قالت له و ما سيحل بي و بابننا.. أمسك بيدها و قال" أترين بين الموت و حالتنا الان فرق؟" سكتت و لم تستطع ان ترد عليه فأطرد هو قائلا" والله للموت أشرف مما نحن فيه" قالت " يكفي أننا سويا . لا أستطيع أن أتخيل كيف سأعيش بدونك فأنت زوجي و أبو ابني و أنا أحبك" قال"بقائي ليزيد ألمي و ألمك أرجوك اتركيني لأخفف عنك ما تشعرين من ألم بسبب ألمي".. خيم الصمت ساعة كان قد غفا فيها عبد الله ابن الأربعة أعوام و الذي لم يكن ليستوعب ما كان يتحدث عنه والداه..ومع صوت اذان الفجر كان أبو عبد الله مستعدا لفعل أي شئ ليرتاح من ضائقته و ليستطيع تأمين مستقبل امن لابنه.. مضى عدة سنوات على التحاقه بإحدى جماعات المقاومة و شارك في عدة عمليات سواء كان بالتخطيط أو التنفيذ.. الى أن فوجئ في احدى الأيام أنه أصبح في عداد المطلوبين..بدا يخاف العودة الى منزله حتى لا يعرفون مكانه او يؤذون أهله..ولكن ما يفعل بشوقه الى ابنه وزوجته فكل يوم يقضيه بعيدا عنهم يذبحه ألم الفراق أكثر من ألم التشرد أو الاصابات التي يتعرض لها.. وفي ليلة لم يستطع تحمل الامه أكثر فحمل جسده المتهالك و توجه إلى بقايا بيته الصامدة.. طرق الباب وانتظر دقائق حتى ردت عليه أم عبد الله و ما أن فتحت الباب حتى سبقت دموع فرحتها لسانها فقد كانت تكابد الشوق و الحيرة والان هي تكحل عينها برؤية زوجها و تتحسس جسده لتؤكد لعقلها أنه مازال حيا.. دخلا الى المنزل و كان عبد الله لا يصدق مايرى ركض مسرعا الى حضن أبيه الذي حرم منه سنينا واياما وينظر الى عينيه المتعبتان المثقلتان بالمهموم كما لو كان يبحث فيهما عن اجابة لما يدور في خاطره من اسئلة.. تناولت العائلة العشاء معا و قبل أن تخلد الى النوم كان أبو عبد الله قد خطط للخروج قبل الفجر من المنزل حتى لا يتنبه له أحد وهو خارج في الظلمة حماية لبيته و أهله .. و لكن كانت مشيئة الله قد سبقت كل شئ فما أن أطفأوا سراجهم حتى سمعوا دقا قويا يكاد يهدم المنزل.. فزع أبو عبد الله و احتار فيما يفعل أيهرب أم يختبئ أم يخبأ ابنه و زوجته و بينما هو غارق في حيرته.. لم يجد الا و البيت قد امتلأ بالجنود المحتلين.. حينها فقط عرف أن لا مفرمن القدر.. [/font]
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : البحث عن هوية
|
المصدر : الروايات