الأرملة والمطلقة والمجتمع

[راجيه الرضا]

هي مطلقة وأختها أرملة، وكلاهما متوسطتا العمر...
وفي عمريهما ما يعاش له ويتمتع به...
لكن الأب يرى أنهما قد أخذتا نصيبهما من الحياة... وعلى كل منهما أن تربي أولادها، وتقنع بما عاشته من حياة زوجية طالت أو قصرت...
لكن في النفس رغبة، وفي الحياة متسع، هكذا ذكرتا لي...
لكن المجتمع الظالم يأبى إلا أن يقتل في النفس كل داع للفطرة، أو رغبة في العفاف.
حتى ظنا في نفسيهما أنهما إن فعلا ذلك فقد أتيت بابا من أبواب العيب...
فقلت لهما:
من أشد إيمانًا ؟
أنتن أم خديجة وحفصة وأم سلمة وزينب؟
بل كل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم -عدا عائشة- كن أرامل أو مطلقات... وما عاب إحداهن أن تزوجت بعد زوجها رغم أن بعضهن كأم سلمة وحفصة كانتا أرملتين لشهيدين...
سيقول بعضهم هذا رسول الله!!
فقل له: ولو قرأت السيرة لعلمت أنه خلق عام كان يسري بين المسلمين...
ما إن تتأيم المرأة حتى يسرع إليها الراغبون سترا وإعفافا وصونا لها ولأولادها...
حتى أن بعضهم كان يعجل بالتصريح بخطبة أرملة أخيه المتوفي حتى أنزل الله سبحانه :
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة"
سبحان الله!!
حديثة عهد بوفاة زوج وتتجاوب مع التصريح والتلميح...
ورجل حديث عهد بوفاة صاحبه ويسرع في خطبة زوجه، وكلاهما من مجتمع الصحابة الطاهر!!
نعم... لأن هذه هي الفطرة..
ولأن هذه هي المروءة التئ استبدلوها ظلمة اليوم بخطف الرجال،ورمي الأولاد، وعوج الذيل، وقلة الأدب...
حتى أنني سمعت إحدى العجائز تقول:
فلانة الفلانية ضيعت عيالها علشان راجل...
يا سبحان الله!!
ولو فعلت الخطأ ما رحمتموها... فهي ضائعة عندكم على كل حال!!
يا أخواتي، ويا إخواني...
الفطرة إذا تعارضت مع جهل المجتمع وقسوته فلا تبالوا بالمجتمع أيًا كان أصحابه..
والدين عندما تعارضه تقاليد بالية دوسوها بالنعال...
فالمجتمع الذي يقتل الفطرة، ويخالف المروءة، ويترك نساءه نهبا لهذا وذاك تحت دعوى القيل والقال مجتمع ظالم ولو كان فيه ألف ألف مسجد...
لقد كان المجتمع المسلم مليئا بالربائب والربيبات الذين رباهم أزواج الأمهات حتى لا يضيعوا بعد موت الأب أو تخليه.. بينما مجتمع اليوم يقول له:
ولمَ تربي أولاد غيرك؟
ملامح الدين الجميل تتعرض لأقسى ما يمكن من حملات التشويه منذ زمن في غفلة منا جميعا... ولا زلنا سكوتًا حتى أوشكت مؤسسات الأسرة والمجتمع أن تضيع.
يا كل أرملة ويا كل مطلقة... الذي وهب لك الحياة لم يوقفها على أحد مهما علت منزلته..
والذي خلق الخلق أعلم بفطر من خلق وغرائزه وكوامن نفسه..
ومذ سلمنا أنفسنا للمجتمعات الجاهلة التي داست على الشرع والفطرة أصابنا ما أصابنا..
أختاه... لأن تلقي الله عفيفة طاهرة مع كلام هذا أو ذاك.. خير لك من أن تلقيه مكترثة بكلام هذا وذاك على منقصة من أمر دينك وآخرتك..
والناس رأسمالهم الكلام، بينما المبتلى فقط هو الذي يشعر بآلام نفسه.
تعففن خير لكن.

#خالد_حمدي