وما عِند الله لا يُنال بِمَعْصِيَة الله ألا إنّ سِلْعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ويجب أيها الإخوة أن تتأكّدوا أنه لا بد من الابْتِلاء والإنْسان كما تعْلمون يمُر بِمراحِل ثلاث:
- مرحَلَة يؤدّب
- مرحلة يُبْتلى
- مرحلة يُكَرَّم
ففي مرحلةٍ يؤدّب وفي مرْحلة يبْتلى وفي مرْحلةٍ يُكرَّم وهذه المراحل قد تتداخل وقد تتمايَز لكن لا بد من التأديب ولا بد من الابْتِلاء ولا بد من الإكرام والعطاء لأنّ هذه سُنّة الله في خلْقِه وقد ورد في تفسير قوْلِه تعالى:
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
(سورة الرحمن)
جنّة في الدنيا وجنّة في الآخرة.
التطبيق العملي أو موْقِف المؤمن من هذا الاسم العظيم المُصْطَفي، فَمَوْقِف المؤمن أنه يطْمَح في اِصْطِفاء الله له لِخِدْمة خلْقِه، ومن هنا قال الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)﴾
(سورة التوبة)
حينما اصْطفى الله عبْده المؤمن فهذا المؤمن باع نفْسَه لله، أريد أن أُوّسِّع الموضوع ؛ الأنبياء مُصْطَفَوْن والرسل مُصْطَفَوْن الرسل قِمَم البشر والرسل صفْوة البشر ولكن المؤمنين لهم قَدْرٌ يسير على قدْر إخلاصِهم وعلى قدْرِ طاعَتِهم لله فالله يُكَلِّف الإنسان أعْمالاً يُجْريها على يَدَيْهِ ويَرْفَعُهُ بِها فهذا نوْعٌ من الاصْطِفاء.
أعرِف شخْصاً قرأ القرآن في الخامِسَة والخمْسين من عمُره وحَفِظَه وكان طُموحُهُ أن يكون إماماً في مَسْجِد وسُبْحان الله قرأ القرآن وحَفِظه وعُيِّن إماماً لِمَسْجِدٍ جيِّد فصار يُصلي الصلوات الخمْس وله بعد الصلوات كلِمَةً يُلْقيها على الناس هذا طُموحُهُ فاصْطَفاه الله عز وجل فالأمور دقيقة عند الله تعالى بِحَسَبِ صِدْق الإنسان وطاعَتِه لله يصْطَفيه قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾
(سورة السجدة)
فالصَّبر إذاً طريق الاصْطِفاء هذا أوّلاً وقوله تعالى:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾
(سورة البقرة)
فَتَطْبيق الأمر والطاعة مع الإخلاص سبيلٌ إلى الاصْطِفاء هذا ثانِياً، وقوله تعالى:
﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)﴾
(سورة يس)
فالترفُّع عن حُطام الدنيا وعن مُتَاعِها ومالِها وعن مُكْتَسَباتِها سبيلٌ إلى الاِصْطِفاء هذا ثالثاً وقوله تعالى:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)﴾
(سورة آل عمران)
فطِلِبُ العِلم طريق إلى الاصْطِفاء، تَصَوَّر إنساناً درس الابتدائي والإعدادي والثانوي ونال درجاتٍ عاليَة جداً ثم دخل كلِّيَة الطِّب وتخرَّجَ طبيباً ثم تابَع دِراسَتَهُ العُلْيا وعاد بِأكبر شهادة في العالم ؛ ماذا ينْبَغي أن يفْعَل هذا الإنسان بعْد أنْ تخرَّجَ ونال الدرجة العُلْيا ؟ ينْبَغي أن يُطَبِّب الناس ويفْتَح عِيادة وإلا لا معْنى لِهذه الدِّراسة.
دقِّق الآن ! أنت حينما تطلب العلم تُؤَهِّل نفْسَك لِماذا ؟ للدعْوَة إلى الله ومن الذي سوْف يسْمَح لك أن تَدْعُوَ إلَيْه ؟ هو الله، فالله عز وجل بِطريقةٍ أو أُخْرى بِشَكْلٍ معروفٍ أو غيرِ معْروف يُيَسِّر لك طريق الدعوة إليه لأنّك تعلَّمْت العِلم فَصِرْتَ مؤَهَّلاً أن تدْعُوَ إلى الله، فكل إنسان يطلب العلم بِإخلاص ويسْعى لِطاعته تعالى بِإخلاص ويحْرُص على رِضْوان الله وعلى القُرْبِ منه يصْطَفيه الله عز وجل ويُجْري على يَدَيْه الخير بل بِالتعْبير الشائِع: " الله جبار الخواطِر ".
عندما يتعلم الإنسان يتعلَّم عِلْماً صحيحاً ويلْزَم مجالِس العِلْم ويجْلِس على رُكْبَتَيْه ويطْلُب العلم لا بد من أن يصْطَفيه الله عز وجل بِالمعنى الواسِع فَيَجْعَلُه بِشَكْلٍ أو بِآخر باباً للخير، لذلك من أدْعِيَة النبي عليه الصلاة والسلام:
(( اللهم ارْزُقني طيِّباً واسْتَعْمِلني صالِحاً ))