ألى اللدين يجهلون قيمه الزوجه.

احصائياتى
الردود
3
المشاهدات
928

آه ياقلبي

ملكة متوجة
معلومات آه ياقلبي
إنضم
27 سبتمبر 2006
المشاركات
2,666
مستوى التفاعل
6
النقاط
0
الإقامة
الامارات
ألى اللدين يجهلون قيمه الزوجه.
امرأة تدربت على الموت كثيرا.. كي لا تموت

محلها القلب.. لأنها الحبيبة. والأحبّة لا يرحّلون إلى الذاكرة.


ولأنني لا أدرك على وجه التحديد مدى انغراسها في أنسجتي، وانطعاني بآدميتها لا أتخيلها تخرج مني، حتى إن غادرت الدنيا من بابها الخلفي.

أكذب إن زعمت أني أعرف أين كانت مني وكم التبست بي حتى صرتها وصارتني.

أحاول أن اصدق، وأتوهم ربما، أنها انتقلت إلى هناك وتركتني أتلظى بلوعة فقدها هنا.

وبالتأكيد، سأحتاج لوقت طويل لأضبط مواقيتي على دقات أخرى لا تشبه أنينها ولهاثها.

ستتهيّل الأيام لتطمر صدى الذكريات، أعرف هذا، فالزمن جراح عظيم، ولكن ذلك لن يكون أكثر من ضباب رخيم، يمكن أن يندمل بمجرد أن أنفرد بنفسي.

عندي يقين شعوري بهذا، فبعد أربعين يوما حزينة وبطيئة بدونها، لم أجرؤ على تحريك قنينة عطر عن موضعها، ولا العبث بفرشاة أسنان منسية في غفلتها، ولا النظر خلسة لقميص خاوٍ منها، حتى التدحرج على الجانب الآخر من سرير ضمنا أعانده لئلا أرتطم بفراغ سادي يلوح لي بغيابها.

الحياة الآن تتكثّف، وشعوري يتحشد بشكل ممض، حين استعد - على غير إرادة مني - سيرة أول دمعة تدحرجت حتى صارت بحيرة أوجاع. لا أستطيع أن أعي تلويحتها الأخيرة، وإغماضتها يوم الجمعة الخامس والعشرين من نوفمبر إلا بالارتماء في مطلع الألفية الثالثة.

يومها كان الناس يحتفلون بالقرن الجديد وكنت أحاول إقناعها بأن ما تعانيه مجرد عارض بسيط.

يومها خرجنا وهي تحدثني عن وجبة غذاء سنتناولها معاً بمجرد عودتنا من المستشفى. أصرت على حمل حقيبتها المدرسية لكي تكمل يومها الدراسي.

لم تكن تعلم أنها لن تعود إلى البيت، وأن الحقيبة المعبأة بأحلام طالباتها وأخطائهن البريئة في الكراسات، ستتوأمها بحقيبة أخرى من أجل إقامة شبه دائمة في المستشفيات. وسنبدأ معاً رحلة وعرة من الأحزان والآلام نؤرخ فيها حياتنا بمواعيد العمليات الجراحية ومواقيت المراجعات شبه اليومية لمستشفيات يقال إنها تبرئ العليل، وتعيد الحبيب معافى إلى حبيبه.

منذ تلك اللحظة صار السرير الأبيض هو المكان الذي نتواعد فيه، ولم تعد غرفة نومنا أكثر من محطة استرخاء لجسد منكّل به، يتعافى من تعبه ليساق من جديد إلى ساحة الإعدام.

مرّة هي الحياة... ومتوحشة عندما تتأمل من تحب أمامك يمثّل بجسده ويعاد إعدامه مرة بعد أخرى. وتغدو أشد مضاضة حين لا تعرف تفسيراً لمعنى هذا العذاب المتواصل.

أحببت بعض هذا الألم لأنه أتاح لنا فرصة التعرف على بعضنا من جديد، وأثبت أنه الوقود الحقيقي للمشاعر الإنسانية. حينها عرفت أن الحب يحتاج إلى الكثير من الأوجاع ليرتوي، وأن معنى الحياة الأعمق لا يتولد إلا على حافة العذاب.

منذها، صرت أتدرب - بحب وأمل - على قيادة الكرسي المدولب. واحفظ باحتراف وخبرة الأطباء كافة أشكال المضادات والمسكنات والأمصال العلاجية المعقدة لفظا واستخداما. وأتقنا معا كافة أشكال العلاج البديل.

هكذا تجرع قلبي قبل بصري قراءة تقارير طبية ترتعد منها الفرائص. تقارير تفصيلية متوحشة تحدثني بتجريد بارد عما اقتطعه الجراحون من جسد جاسدته. تواطأت مرغما لسنوات مع الأطباء على التقنع بوجه مطلي بالكذب الرحيم. ربما لأني كنت بحاجة أنا أيضا للاقتناع بأن المستشفى ليس هو النقطة الأقرب للقبر، وأن هذا المرض، مهما استشرس، لا يمكنه قهرها أو اختطافها مني، ما دمت قائما على حراستها.

مرّة هي الأيام.. ومرعبة، حين تساكن كائنا مهدداً بالموت في أي لحظة. يتوجسه في كل الأوقات ويترقبه من كل الزوايا. حين يناديك جسد منهك يدخل حداده البطيء.

هكذا كانت تتوسلني عيونها لأن ألازمها كظلها لئلا تتفاجأ بهذا الزائر المفجع. وما كنت قادرا على التماسك دائما لأبدد الخوف من داخلي، ولأهبها أماناً بخلود لا أملكه أصلا.

أتذكر صحوتها الأولى بعد أول عملية في مايو كلينك وسؤالها الحارق. استأصلوا أمومتي بالتأكيد، يا محمد، فهل سرقوا أنوثتي!؟ وهل أستحق هذا!؟ بصوت متقطع أعلنت احتجاجها، فأدارت رأسي بأسئلة محيّرة عن معنى الحياة، حتى غرقنا معا في دموع الحسرات والغربة والوجع.

ليلتها، أتذكر أني كتبت في يومياتي بما يشبه الاقتصاص للروح من عطالة الجسد إذا قدر لهذا الكائن أن ينجو، فلن يكون في أحسن أحواله أكثر من أنقاض إنسان. سيخرج من هذه المحنة مغادرا قبل أوانه الى شيخوخة مبكرة، مهدم الإحساس، يكتظ بالأسئلة الوجودية ولكنه سيبقى عديم الحيلة. سيغدو علامة استفهام كبيرة تترنح أمام كل من يشاهدها بحثا عن حل للغز الحياة.

وهكذا كان. شرايينها وأوردتها غادرها دفء الدم لتتسابق فيها أنهار متساكبة من الجرعات الكيماوية، والمضادات الحيوية، وكلوريد الصوديوم.

وهكذا صار جسدها المنهك يفقد نقاءه البشري ليكبل بأكوام من البلاستيك واللدائن وخراطيم وأسلاك مختلفة الأحجام والأغراض.

القلب الذي كنت أقيس منسوب لهفته بخفقانات الشوق صرت أجس ما تبقى له من الحياة بومضات الشاشات الإلكترونية. والجسد الندي الذي طالما ضممته بوله صار ممرا لحزم من الإشعاعات وطعنات الرنين المغناطيسي.

كم هو مؤلم أن تتلقف الجسد الذي خبرت طراوته، جافا ومنهكا في نهاية مضائق الأشعة المقطعية، ممهوراً بآثار الحقن المعدنية العنيفة.

مرّة هي الحياة.. وقاسية عندما تنذر كل صباحاتك للاطمئنان على منسوب الحياة فيمن تحب.

هكذا صارت الأيام مشنقة تحّز ضلوعنا ببطء منذ أن صفعتني نشرة طبية بما تبقى لها من عمر افتراضي.

خمس سنوات على أكثر التقديرات. هذه هي الفسحة الزمنية المتاحة فقط، لمن يواجهون مثل هذا النوع من التحديات ولا يستسلمون لما تمليه الحقيقة من يأس.

يعني أن أتفنن في إسعادها والحيلولة دون انهيارها. أظنها قبلت التحدي وعاشت سنواتها الخمس بصبر.. وتعب.. وأمل.. وابتسامة عذبة كانت تواري بها تهدمها الداخلي بين موت وآخر.

لم تتنازل إلا عن بضعة أيام فقط. ربما لأنها فقدت الوعي في آخر أيامها فأخطأ جسدها العد. أجل، فقد كف جسدها المكبّل بالخراطيم والأنابيب عن عناده فاستسلم راضياً.

يومها لم أجد لشفتي موطئا لقبلة وداع.

هذا فاصل بسيط من عذابات امرأة تدربت كثيرا على الموت كي لا تموت، وما تبقى منه سأعزفه منفرداً.

* مقال للكاتب والناقد محمد العباس يتحدث عن زوجته التي فقدها بسبب المرض
 

إلا صلاتي

New member
معلومات إلا صلاتي
إنضم
20 فبراير 2009
المشاركات
542
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
يا الله كم كانت مقالته معبرة جمعنا الله بهما في جنانه
وجزاك الله خيرا على النقل يا أختي الغالية
 

من نحن ؟؟

موقع نسوة : هي شبكه عربيه تهتم بكل ما يخص المرآه وحياتها اليوميه يعمل منذ سنوات لمساعدة والمساهمه في انجاح كافة الامور الحياتيه للمرآه العربيه