عزيزتي
في الحقيقة لا يتمكَّن أيُّ إنسانٍ من التحكُّم في ذاكرته إلى حدِّ نسيان ما يحبُّ نسيانَه، وتذكُّر ما يحب تذكُّره, وإلاَّ لارتاحتِ القلوب، وهَدَأتِ الجوارح، واطمأنَّتِ النفوس، لكن هيْهَات هيْهَات؛ فهذه دنيا جعلَها الله دارًا للبلاء والْمِحَن، ولم يجعلْها دارَ القَرار والراحة.
بإمكانكِ اختيار أحد هذه الحلول؛ عسى الله أن يجعلَ لك فيها الشفاء:
1- تهوين الماضي عوضًا عن محاولة نسيانه.
التهوين يخلِّصنا من الكثير من المشاعر السلبيَّة، ويقضي عليها، أنتِ تعيشين اليوم وليس الأمس؛ لقد انتهى الأمس بكلِّ ما فيه, أليس كذلك؟ هكذا فَكِّري ودَرِّبي نفسَك على اكتساب هذه المهارة؛ لكي تعيشي بسلام, مَن منَّا ليستْ له ذكريات أليمة يودُّ لو تخلَّص منها وفتَكَ بها؟!
لو بقينا تحتَ أسْرِ الماضي، فلن تقومَ لنا قائمة!
فكِّري مع نفسك بصوت مسموع: ماذا لو لم يكنْ زوجُك قد كفَّ عن الخيانة؟ الأمر - رغم ألَمه - إسرارُه به أهونُ من جَهْره أمامكِ دون مراعاة لمشاعركِ.
ماذا يُمكن أن يحدثَ لو لم يتبْ توبة نصوحًا؟ حسابُه على الله.
وعليكِ التركيز على حياتك والتفكير فيما يستحقُّ.
2- التعبير الانفعالي، وتجنُّب الكبْت المدمِّر.
يقول الدكتور حسان المالح استشاري الطب النفسي: "كثير من الاضطرابات والعُقَد النفسيَّة، واضطرابات السلوك، والاضطرابات الجسميَّة نفسيَّة المنْشَأ - كالصداع وآلام البطن - تجدُ تفسيرَها في اختناق التعبير الانفعالي الصحيح والمناسب، وفي الكبْتِ المدمِّر للانفعالات الإنسانيَّة الطبيعيَّة، وفي الْتِواء التعبير الانفعالي الصحيح.
ويقوم العلاج النفسي على بحْث واستثارة الانفعالات المختلفة الْمَرَضِية، والتعرُّف عليها، ثم التعبير عنها ومناقشتها دون خوفٍ شديد أو قَلق مُعطِّل، وفي جوٍّ علاجي يسوده الأمان والطمأنينة، وهذا ما يُعرف بالتبصُّر والوعي الذاتي الانفعالي والعقلي.
وكل ذلك يُسهمُ في إعادة التوازن النفسي للإنسان، ويحفظُ طاقاته النفسيَّة دون تعطيل أو شَلل".
عبِّري عن حُزنك أو قلقك؛ كأن تكتبي على ورقة ما تشعرين به تمامًا، ثم تقومي بتمزيقها, أو أن تَحكيه لنفسكِ, أو لزوجكِ بهدوءٍ - إنْ كانت العلاقة قد تحسَّنتْ بينكما - فالحوار خير وسيلة لخَلْق رُوح المشاركة والصَّدَاقة بين الزوجين، المهم ألاَّ تَكبتي ذلك الشعور ولا تَحبسيه في نفسك؛ فتضيقَ به.
3- العقل الباطن وما يحوي.
أقرَّ علماء النفس بوجود العقل الباطن داخل كلِّ إنسان, وهذا العقلُ الخفي يدَّخِر ويُخزِّن من المعلومات ما نظنُّ أنَّه قد انتهى، وتَمَّ التخلُّص منه, في حين يبقى أثرُه يُطلُّ علينا ويزعجُنا، أو يسعدنا في كلِّ وقتٍ بصورة لا شعورية, فتذكَّري كم مرة شعرتِ فيها بضيقٍ وهَمٍّ وغَمٍّ لا تعلمين له سببًا؟ والعكس كذلك!
لن تتمكَّني من البحث داخل عقلِك الباطن، والتنقيب عن كلِّ صغيرة وكبيرة بداخله, إلاَّ أن يخرجَ منها شيءٌ إلى الوعي بصورة عفَوِيَّة.
لهذا؛ من الأفضل أن يتمَّ تخزينُ معلومات جديدة عكس القديمة المزعجة واستبدالها بها, فقربُك من زوجك ومصاحبتُكِ له في كلِّ الأوقات أو معظمها، وتكوين علاقة جديدة من القُرب النفسي والحِسي - سيدْعَمُ شعورَك بالرضا, وسيعينُك على استبدال الذكريات القديمة بجديدة.
فعليكِ أن تعملي على تغييرِ نفسك وسلوككِ معه, وإشعاره بالثقة؛ لتستشعري أنتِ أيضًا تغيُّرًا من جانبه, والحديث عن التبعُّل للزوج وكسبِ قلبه، وكيفيَّة أَسْره إلى عالم الزوجة يطولُ, لكنَّه بحاجة إلى بحثٍ منكِ وسرعة تنفيذ.
4- تعلَّمي حُسن إدارة الانفعالات والمشاعر - ضبط النفْس.
شعورك بالشكِّ أو الحُزن لتذكُّركِ الخيانة لا أرى إلاَّ أنَّه يدفعُك لمزيد من تعذيبِ نفسك ومَن حولك, كيف يكون حال زوجك وهو يراكِ تبحثين عن كلِّ صغيرة وكبيرة، وتسعين للتفتيش الدوري في كلِّ متعلقاته؟ كيف تتوقَّعين أن تكونَ رِدَّة فِعْله لو أنَّه تابَ بحقٍّ؟!
لا أظنُّ إلا أنَّه سوف يحمي نفسَه من تلك الهجمات بمزيدٍ من التقوقع على نفسه، والْهَرَب من كلِّ ما قد يُوقِعه بين براثن الشكِّ والاكتواء بنيرانه الْمُحْرِقة.
لهذا؛ أنصحكِ بضبط نفسك وعدم الثورة أمامَه، وإشعاره بالثقة فيه, وإنْ غلبَك الشكُّ فلا تُظهري له عدمَ الثقة فيه، ولا تَكيلي له الاتهامات، تذكَّري أنَّ ذلك قد يكون من القذف المحرَّم، وسارعي بشَغْل نفْسَك بما قد يُلهيها؛ حتى تهدأ ثورتُها، وتنطفِئ نارُ غَيرتها.
5- عائشة وحُسن استغلالها للنصائح النبوية.
عن عروة عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّها كانت إذا ماتَ الميِّتُ من أهْلها، فاجتمعَ لذلك النساء، ثم تفرَّقْنَ إلاَّ أهْلَها وخاصَّتَها, أمرتْ ببُرْمة من تلبينة، فطُبختْ ثم صُنع ثَريدٌ، فصُبَّت التلبينة عليها، ثم قالتْ :كُلْنَ منها؛ فإنِّي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((التلبينة مُجِمَّة لفؤاد المريض، تَذْهَب ببعض الحُزن))؛ متفق عليه.
فاصنعيها واشْربي منها شيئًا وقت تمكُّن الحُزن من قلبك، وهي نافعة جدًّا كغذاء صحي وقت الضِّيق والهمِّ، وتُخَفِّف من حِدَّة الشعور بالتوتُّر والقلق وطريقتُها سهْلَة؛ فعليك بإضافة نصف كوبٍ من دقيق الشعير إلى كوبين من الماء على نار هادئة لمدة عشر دقائق، ثم أضِيفي بعضَ العسل - وبعض الحليب إن شئتِ - وبإمكانكِ التحكُّم في كميَّة الشعير على حسب الرغبة.
أخيرًا:
أنصحكِ عمومًا بالتقرُّب إلى الله، ومحاولة ربط زوجكِ بالله, وأنَّ ترْكَ الخيانة لا بد أن يكون خالصًا لله، وأن يبتغي به رضا الله وطلبَ العفو منه - عز وجل - وعليكِ بتخيُّر الصحبة الصالحة، والاستمرار على ذلك, فقد يستفيدُ منهم زوجُك أعظم استفادة, وعليك بسدِّ جميع الثَّغرات التي قد تُوقِعه في المعصية من جديد؛ كتنقية بيتك من الصور والمشاهد المحرَّمة, وحُسن تبعُّلِك وتجمُّلك له, وسماع الأشرطة النافعة التي تذكِّر بالآخرة, وتُعينه على فِعْل الخير, ولا تنسَي أيضًا الدعاء له بصلاح الحال والهداية؛ فالله - عز وجل - لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء هدا الله، وأصْلح زوجك امين